الخليج وأمريكا… من حلفاء إلى شركاء

د. عبدالله خليفة الشايجي

د. عبدالله خليفة الشايجي –
لاشك أن على الأجندة الأمريكية الآن أكثر من عنوان وفي مقدمة ذلك استحقاقات ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق والاستعداد لبدء الانسحاب من أفغانستان وكذلك الأعباء المالية وتداعيات الأزمة العالمية وانكماش أمريكا الاستراتيجي وإعادة تركيز استراتيجيتها الدولية على آسيا والصين وصعود هذه الأخيرة المالي والاقتصادي الذي سيستخدم كقاعدة انطلاق لمنافسة أمريكا ولكن على رغم كل ذلك تبقى منطقة الخليج العربي عاملا مؤثرا ويحظى بأهمية وأولوية في العقيدة الأمنية والاستراتيجية الأمريكية.
وقد بدأت أمريكا في ظل نقاشات محمومة عن تراجع الحضور والدور الأمريكي العالمي بسبب الانسحاب من العراق والاتجاه شرقا في استراتيجيتها للمحيط الهادئ والصين تتحدث عن تحالفات أوثق مع حلفائها لتتحمل معهم الأعباء . ولأول مرة باتت أمريكا مقتنعة بأهمية الارتقاء مع بعض الدول وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي من مستوى التحالف إلى مستوى الشراكة على رغم الحساسية المفرطة عادة لدى أمريكا من الشراكة مع حلفائها. وحتى في علاقتها مع دول مجلس التعاون خلال العقد الماضي يبدو التفاوت أيضا في مستوى تلك العلاقة مع دول المجلس فالبحرين والكويت مثلا لديهما وضع مختلف عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في العلاقة مع واشنطن. ذلك أن البحرين والكويت حليفان رئيسيان مع الولايات المتحدة من خارج حلف “الناتو”. وهذه العلاقة هي الأرقى بين أمريكا وأي دولة من خارج دول الحلف الأطلسي الثماني والعشرين. وكذلك انفردت البحرين في عام 2004م وبعدها عمان في عام 2009م بتوقيع اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة بينما دول المجلس الباقية لم توقع حتى اليوم اتفاقية للتجارة الحرة بشكل ثنائي أو جماعي مع أمريكا.
وخلال العام الماضي وكما أوضحنا في العديد من المقالات في هذه الصفحة صعد نجم وحضور دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملفت على المستوى الإقليمي وخاصة مع التفكير الجدي في التحول من التعاون إلى الوحدة بين دول مجلس التعاون لتتحول إلى كونفدرالية متماسكة بدلا من وضعها الفضفاض الحالي. وكان واضحا تنامي الدور الخليجي إقليميا. وبرز ذلك جليا في كل من الشأن اليمني والليبي والسوري حيث برز الحضور الخليجي كلاعب مؤثر وقوة دفع ورافعة للأمن والاستقرار في المنطقة. وأتى الانسحاب الأمريكي من العراق وإعادة رسم استراتيجية أمريكية جديدة للأمن الخليجي على المستوى المنظور بالإضافة إلى المواجهة الدائمة والمد والجزر مع طهران وما يتخلل ذلك من سياسة العصا والجزرة وإصرار الأمريكيين على عودة ملف إيران النووي إلى الواجهة وسط سيناريوهات حرب أو حرب نفسية وانتعاش توقعات بإمكانية إقناع طهران بجدوى الانخراط في مفاوضات بناءة حول برنامجها النووي في اجتماعها مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا في إسطنبول خلال الأسبوع القادم.
ثم جاء عقد أول منتدى للتعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بحضور وزراء خارجية دول المجلس الست ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤخرا في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض ليكرس التحول الاستراتيجي في تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع دول المجلس كمجموعة صلبة واحدة متماسكة وبشكل جماعي. والاعتراف الأمريكي بالدور الحيوي والاستراتيجي والمحوري لدول المجلس على الساحتين الإقليمية والعربية حيث أصبحت هذه الدول كما أوضحنا هي قائد الأمر الواقع للجانب العربي وخاصة أن دول المجلس ما فتئت تطالب منذ سنين بالتعامل الجماعي وليس الثنائي في العلاقة بينها وبين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” وليس كما دأبت واشنطن و”الناتو” وأوروبا في تعاملهم منذ عقود مع دولنا فرادى وبشكل ثنائي عن طريق الاتفاقيات الأمنية والدفاعية وحتى التجارية وذلك لاقتناع أمريكا و”الناتو” بأن التعامل مع دول المنطقة بشكل جماعي يضعف ويؤثر على مكانتهما وثقلهما في المنطقة.
ويأتي هذا التحول المهم في طبيعة ومستوى العلاقة لرسم هيكلية استراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية جديدة للتعاون بين دول المجلس من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. وليس بسبب إيران كما يحلو لطهران وحلفائها الترويج له وخاصة في ظل وجود تحديات مشتركة تبقى في حاجة إلى عمل جماعي بين دول المنطقة في التعامل معها لضمان الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وكذلك العلاقات الواسعة في مجال أمن الطاقة زيادة على العلاقات المالية والاقتصادية وتحديات مواجهة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى وخطر القرصنة في خليج عمان والبحر الأحمر وبحر العرب. وكذلك تطوير وتحسين الأنظمة الأمنية والدفاعية- المشتركة في معادلة ربحية مشتركة بين الأطراف المعنية. وهذا هو التفكير والتخطيط الاستراتيجي المطلوب بإلحاح.
إن هذا التحول ف

قد يعجبك ايضا