هيبة تكنولوجية..!!
عبدالله الصعفاني
مقالة
عبدالله الصعفاني
عبدالله الصعفاني
لا يوازي سلطة القانون في العالم المتحضر إلا سلطة التكنولوجيا حيث تستطيع عدسة صغيرة لا تكاد ترى أن تلتقط تفاصيل تعابيرك وخافت همسك فتجد نفسك تغنى بأي لغة عالمية “يا ليت اللي جرى ما كان” لاحظوا استبعادي للسلطة الأخلاقية وأن تكون مسؤولا .. أو مشهورا أو نصف معروف فإن عليك أن تنتبه فقد توقعك تكنولوجيا رصد الأخطاء في حفرة لا تتمنى الخروج منها.
* وتستطيعون أن تتخيلوا هذه الحكاية على لسان الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان حيث يقول لإثبات أن المشاهير صاروا الأكثر عرضة لمخاطر التكنولوجيا ابتداء بالسياسيين وانتهاء بلاعبي الكرة..
* يقول فريد مان..
ذهبت لشراء بعض المجلات للاطلاع عليها قبل إقلاع رحلتي من بوسطن .. وعندما اقتربت من البائع لدفع الثمن وصلت امرأة من الاتجاه الآخر واعترضت على قيامي بدفع قيمة المجلات بحجة أنها قبلي .. ونظرت إلي نظرة جادة حاسمة.. فقلت لها.. آسف أنا قبلك.. يعني قبلك في الطابور.
* ولو حدث هذا الموقف الآن – حسب توماس فريدمان- فإن رده سيكون مختلفا.. سيقول لها.. يا آنسة أنا آسف.. أنا مخطئ.. تفضلي.. أنت قبلي.. هل يمكن أن أدفع ثمن مجلاتك هل يمكنني دفع ثمن طعامك.. هل يمكنني تلميع حذائك.. أما لماذا سيمرمط نفسه.. فلأنه يعتقد باحتمال وجود جهاز تصوير يمكن بواسطته إيصال رسالة إلى العالم كله عن سلوكه الفظ الممل والمغرور..!!.
* ومع أنني أضيق بآراء توماس فريدمان التي تبرر لمنطق القوة وقانون القوة.. إلا أن ما قاله يكشف عدة أمور.. قوة الردع التكنولوجي.. وخوف كبار السياسيين والمشاهير من فخاخ التكنولوجيا.. وغير ذلك هو الوقوع في الذي وقع فيه النجم الارجنتيني الأشهر مارادونا عندما استسلم للانفعالات تجاه تحرشات بعض المصورين فقادته هذه الانفعالات إلى أخطاء أخرى أبرزها المخدرات التي حولته من أعجوبة ساحرة إلى مجرد برميل ينتظر الدعم العلاجي من صديقه الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.
* وفي مجتمعنا حيث ما يزال الكثيرون يعتقدون بعدم صلاحية تطبيق القانون تتعدد مشاهد من يقطعون إشارات المرور ويسيرون عكس اتجاه الشارع وإن توقفوا عن المخالفات كان توقيف السيارة في المكان الممنوع.
* ولقد تابعت حوارا بين شرطي مرور وسائق مغرور فكان الحوار بين شخصيتين.. شرطي متمسك بحقه في إثبات ذوقه وأدبه وأنه فقط إنما يطبق قانون المرور.. وسائق مصمم على إظهار أن ثمة خللا كبيرا في التربية وانهيارا بنيويا في الأخلاق وعاهة مستديمة في البصمة الوراثية “DNA”.
* هذا في الشوارع فما الذي يدور في أماكن أخرى.. إن هناك من المسؤولين من يرون أنفسهم سادة المكان وفرسان القرار مهما كان أهوج.. وأن الآخرين في مواقع أعمالهم إنما خلقهم الله محبة في المسؤول أو ديكور.. أو ذكرى تدق في عالم النسيان..
* مثل هؤلاء لم يجدوا من يضعهم تحت مجهر التكنولوجيا حتى يعرفهم الناس فيكفوا عن إمطارهم بالجهد الدعائي المنافق.
أما أنا فأود لو يكون أمام الناس ما يكشف السيئات وليس السوءات.
* ولا غرابة في الأمنية.. فلقد سألوا الشاعر سعدي.. لماذا عندما تسافر تحمل كتب المؤلفين الذين تبغضهم فرد عليهم بالقول.. سئل أحدهم ممن تعلمت الأدب فقال: تعلمته من قليل الأدب فكلما فعل شيئا امتنعت عنه.
* المشكلة أن بعضنا يسير على منهج الشاعر الكبير أبي تمام عندما قال شعرا غير مفهوم خلط فيه بين الإيميل والحمام الزاجل فقالوا له.. لماذا لم تقل ما يفهم الناس فأجاب ولماذا لا يفهم الناس ما أقول.. ولم يكن هذا الشاعر موفقا ولعلها الغلطة التي تساوي عشرا.
* وفي مناسبة الإشارة إلى الإيميل والكاميرا التي أخافت توماس فريدمان.. أين الصعوبة في اشتراط سرعة معينة في بعض الشوارع والطرق الطويلة ورصد المخالفات بكاميرا تحول بين الأبرياء وبين تحول بعض السيارات من وسائل نقل إلى نعوش طائرة.
* ما المانع لتجريب ما فعله الآخرون مستعينين بتفعيل الطاقة الذهنية في كل شيء.. والفكرة هنا ليست رغبة في التنبيه بإبرة صينية أو منقار ديك.. لكننا فعلا بحاجة للتواصي بالهزة القانونية التكنولوجية بعد أن فشلت ثقافة هز الرأس عموديا.. بما في ذلك من ضمور في التفكير وعجز في الخيال.. وإصرار على إعادة إنتاج التخلف والقفز المستمر فوق القانون.