ما الناقد¿..قراءة تأسيسية في نقد النقد (3-3) 


اللغوي, في علاقته بشكل وجوده التاريخي أو الخارج نصي. وهذا يقتضي منا الانطلاق في عملية الكشف عن هوية هذا الفاعل من طبيعة فعله النقدي ذاته الذي يمارس, أي من طبيعة العلاقة التي تنشأ بينه كفاعل وما يفترض أنه فاعل فيه, وأنه فاعل به, وأنه فاعل له أو لأجله, أي من شبكة العلاقات المتآينة أو المتزامنة التي يفترض أنها تنشأ بينه كفاعل (قارئ) وما هو فاعل (قارئ) فيه, وما هو فاعل (قارئ) به, وما هو فاعل له أو لأجله, باعتبار أن كل فعل (أيا يكن نوعه) هو دوما فعل في شيء ما (مادة), وكل فعل في شيء ما, هو, بالضرورة, فعل بشيء آخر (بأداة), وكل فعل في شيء, بشيء, هو فعل لأجل شيء وفي سبيله, أو هكذا يفترض, وإلا مثل ضربا من العبث.
ويمكننا أن نطلق على الشيء بمفهومه الأول, الشيء المادة (النصية), وعلى الشيء بمفهومه الثاني, الشيء الأداة (آلة القراءة النقدية المنهجية), وعلى الشيء بمفهومه الثالث, الشيء الغرض أو الغاية أو المقصدية الكامنة وراء عملية القراءة النقدية.
 
 
ــــ4ـــــ
الناقد المؤسسي
حتى نتمكن من الإجابة عن هذا التساؤل, بشكل أكثر عملية وشمولية, نقول: يختلف موقف الناقد قديما عن موقفه حديثا, من حيث إنه ظل يمثل قديما دور الوصاية / الأبوة على النص (بوصفه نص المحاكاة والتمثيل) الذي بقي مهيمنا في الساحة الثقافية العربية- وربما العالمية- حتى مطلع عصر النهضة الأوربية, وظهور تيارات جديدة مناوئة لهيمنة هذا النص, ليقوöم (الناقد القديم) واقع النص أو الواقع النصي, في ضوء واقع الحياة التي يحياها خارج النص, أي ليصدر حكما معياريا على القيم النصية في ضوء القيم (الخارج نصية) السائدة في الواقع الذي يحكيه عالم النص, وهي القيم ذاتها التي ظلت تفرض شروطها على كل قيمة نصية, فكأن تحول الناقد إلى العالم النصي إذن, لم يكن يهدف من ورائه إلى تحقيق أي شيء يتعلق به هو ذاته, بمعنى: لم يكن هدفه الكشف والاكتشاف الكشف عن ذاته لاكتشاف إمكاناته, إضافة إلى اكتشاف نظام الكشف المعرفي عن الذات وعن العالم, بل ظل يهدف إلى فرض وصايته على النص, وتصحيح مساره النصي, بحيث يضمن له تحقيق قدر من التناغم والانسجام في العالم النصي أو النصوصي السائد في مجتمعه, وهو ما اقتضى تقويم النصوص, أو ما اعوج منها عن طريق إصدار حكم إدانة عليها, وأنها قد خرجت على معيار النصية السائدة, أو عن بعض مبادئ التنصيص السائدة في زمن قراءتها, مقابل إصدار حكم آخر لصالح نصوص أخرى بأنها قد التزمت تلك المبادئ بهذا القدر أو ذاك.
      لقد كان الهدف الرئيس للناقد إذن تصحيح المسار النصي, وإضفاء طابع الشرعية على تلك النصوص, ودمجها في العالم النصوصي لمجتمعه, لقد كان الناقد القديم إذن يمارس دور الوصاية / الأبوة / السلطة, ليس فقط على نصوص الكلام التي صارت مع تقادم الزمن, واتساع المسافة بينها وبين مؤلفيها, نصوصا يتيمة كونها قد فقدت أبوة مؤلفيها, أو صارت بالأحرى, بدون»أب» يدفع عنها شرور القراءة النقدية السيئة. بل ظل يمارس سلطته على كل منتجي النصوص من الشعراء والمبدعين أو الفنانين الذين مجال إبداعهم الكلام, أو مادة إبداعهم اللغة باعتبار أن الناقد هو ناقد لكل الفنون القولية أو التشكيلية: شعر, موسيقى, رسم, أو نحت …الخ (1).
وهو ما يعني أن الناقد القديم لم يعد ينظر إلى النص كغاية في ذاته, بل فيما يؤدي إليه من نتائج على مستوى السلوك الإنساني, فما هو مهم (بالنسبة للناقد) هو السلوك الإنساني (الناجم عن الخطاب الأدبي), وليس الخطاب الأدبي ذاته (2). أي أن مركز الفعالية النقدية القديمة لم يكن النص أو الخطاب في ذاته, بل ما يترتب عليه أو ما يحدثه النص أو الخطاب من أثر سلبي في الجمهور المتلقي.
(4-1)
ولكي نوضح هذه الحقيقة يمكننا التوقف عند موقف أفلاطون الذي ميز فيه بين الكلام المنطوق, والكلام المكتوب, وفن الرسم, تمييزا انتقص فيه من قيمة الكلام المكتوب, على النحو الذي يكشف عنه قوله:» ليس بإمكاني- يا فندريس- أن أومن بأن الكتابة, ولسوء الحظ, تشبه الرسم وذلك لأن إبداعات الرسام لها موقف من الحياة, ومع ذلك, فإنها تلتزم صمتا مهيبا, إذا ما وجهت إليها سؤالا. والشيء نفسه, يمكن أن يقال عن الكلام المنطوق, ويخيل إليك أنه يفكر, ولكنك إذا ما استجوبته, بقصد استيضاح أمر ما, فإنه يقول الشيء نفسه دائما, وحين يكتب فإنه يساق إلى هؤلاء الذين يفهمونه, وأولئك الذين لا يفهمونه, فليس له تحفظ, أو توار تجاه طبقات الأشخاص المختلفة, وإذا ما عورöض أو أسيء فهمه ظلما, فإنه يحتاج إلى أبيه لكي يحمي ذريت

قد يعجبك ايضا