هذا الماء من ذلك الإناء! 

علي ربيع



علي ربيع

علي ربيع

ما يحدث الآن في واقعنا السياسي ليس سوى سباق محموم بوعي أحادي واحد تتصارع أجنحة قواه المتخلفة للهيمنة على أكبر قدر ممكن من هذا الموج المتلاطم من الأميين وأنصافهم وأرباعهم وهذا في مؤداه النهائي ليس سوى عبثية الديمقراطية على أرضية معطيات واقعها كهذا وليس غير لأن الأغلبية حين تمنح أصواتها لا تبحث عمن يتجاوز بها واقعها الاجتماعي بقدر ما تبحث عن السلطة التي تهادن منظومتها الثقافية والاجتماعية وتتصالح معها.

> ومن هنا استمرأت النخب المثقفة والسياسية هذا الوهم لتمارس انتهازيتها واستغلالها وتطور من أساليبها الخداعية لجماهير المستضعفين ـ بأشكال شتى أبسطها وأخطرها هي تلك الفخاخ المنصوبة باسم الدين والحاكمية الإلهية وجوائز الشهادة والحور العين ـ بدلا من تقديم العون والأخذ بيد المجتمع نحو واقع جديد ينتصر فيه لعقل الفرد وإرادته من خلال بنائه معرفيا وعلميا وصولا إلى مجتمع يتمتع بالندية الاجتماعية باعتبار معيار العلم والمعرفة والثقافة الكلية المتساوية.

> أقول أنا مع الديمقراطية في نمطها الغربي أسلوبا للحياة في مجتمع يعي جيدا ما هي استحقاقات الديمقراطية وتبعاتها وحتى ذلك الحين يملي علينا واقعنا العربي ـ وليس اليمني وحسب ـ وجوب أن نبتكر ديمقراطيتنا الخاصة من قبيل أن نبدأ مثلا باشتراط مؤهل الثانوية العامة في من يحق له ممارسة الاقتراع في أي عملية انتخابية مع يقيني أن كثيرا من هؤلاء الناخبين سيكونون امتدادا لثقافة مجتمع الأمية الجاهل عينه باعتبار الطريقة اللاشرعية التي يحصل بها الكثير على شهاداتهم وباعتبار نوعية التعليم المنصبة على أمية القراءة والكتابة دون أن تمس أمية المعرفة والتفكير التي تقف عائقا صلبا أمام قيم الحرية والإبداع والتجاوز.

> لقد أصبحت عقيدة الجهل هي السائدة لأن الواقع الاجتماعي لا يؤمن بفضيلة العلم ولا الواقع السياسي يضع اعتبارا أو فرقا بين من يعلم ومن لا يعلم بل إن دعاة التغيير أنفسهم نراهم اليوم لم يتورعوا عن إغلاق الجامعات وانتهاك حرماتها ولم تسلم من هذا الفعل كثير من المدارس الأساسية ليصبح المعيار الوحيد هو من معي ومن ضدي. وهي إشكالية ستستمر ما لم يرد السياسيون تغيير هذا الواقع منطلقين من إيمانهم وحبهم تجاه مجتمعهم واحترامهم لحرية الإنسان وإرادته المبنية على العلم والمعرفة ومن ثم الكف عن تكريس ديمقراطية القطيع.

> إن الشجاعة تقتضي أن نعترف أننا في مجتمع أمي ومتخلف مما يلزم القوى المؤمنة بالحداثة أيا كانت أن تتمتع بدءا بالإرادة الحقيقية لتحرير المجتمع من ربقة التخلف الإنساني وهي ضرورة ملحة قبل ضرورة الديمقراطية التي لا مراء في جوهرها باعتبارها قيمة راقية ولكن في طريقة استيرادها وبالتالي شرعنة الصراع الدامي على فهمها أو تكييفها لخدمة مآرب الوصول إلى السلطة أو التشبث بها.

> إن ديمقراطيتنا العربية في عمومها غير أصيلة ولا جوهرية لأنها لم تكن من صميم إرادة الشعب ولا من بنات أفكار الجماهير وإن قيل عنها أنها كذلك ولكنها في الحقيقة واحدة من خدع النخب المتنفذة أما قطيع الأميين فليس له سوى أن يهلل ويكبر ويهتف بحمد الحزب أو الشيخ أو الحاكم سواء أأعطاه أم منعه وهي ثقافة أصيلة في مجتمعنا العربي بامتداد تاريخنا المثخن بالتسلط والحاكمية الأبوية ابتداء من سقيفة بني ساعدة ومرورا بعصور مماليك السلطان وأزمنة أئمة السلالة وانتهاء بباباوات زمننا العربي المعاصر.

قد يعجبك ايضا