المؤسسة العسكرية في‮ ‬الدولة المدنية

محسن خصروف

محسن خصروف –
‮ ‬لقد كان موقف المعسكر الاشتراكي‮ ‬من الحكومات العسكرية أو شبه العسكرية في‮ ‬العالم الثالث‮ ‬يرتكز في‮ ‬الأساس على طبيعة السياسة الخارجية لتلك الحكومات‮ ‬وبمعنى أوضح موقفها من الغرب الرأسمالي‮ ‬من جهة ومن المعسكر الاشتراكي‮ ‬من جهة أخرى‮.‬
أما ما‮ ‬يتصل بالسياسات الداخلية فقد تغاضى المعسكر الاشتراكي‮ ‬عن كثير من الممارسات الديكتاتورية التي‮ ‬بلغت حد الإجرام لكثير من الأنظمة العسكرية في‮ ‬مجتمعات العالم الثالث حيث لم تعل تلك الأنظمة من شأن الديمقراطية‮ ‬كما هو مفترض نظريا‮ ‬بل فرضت في‮ ‬الغالب‮ ‬تنظيما‮ ‬سياسيا‮ ‬واحدا‮ ‬وعملت بكل قدراتها على تأطير مختلف القوى الاجتماعية والسياسية ضمن ذلك التنظيم‮ ‬الأمر الذي‮ ‬أدى بداهة إلى مصادرة حريات قوى اجتماعية مختلفة بما فيها تلك القوى التي‮ ‬تقف مع العسكريين ضمن الخندق المعادي‮ ‬للاستعمار على مستوى السياسة الخارجية‮ ‬والتي‮ ‬تسعى إلى تحقيق العدل الاجتماعي‮ ‬على مستوى السياسة الداخلية وذلك من خلال إعادة توزيع الثروة الوطنية(التنظيمات اليسارية في‮ ‬مصر على سبيل المثال‮) ‬وهو اتجاه‮ ‬غالبا‮ ‬ما تبناه العسكريون الذين صنفوا ضمن الاتجاه التقدمي‮ ‬في‮ ‬العالم الثالث‮.‬
لقد كان الاتحاد السوفيتي‮ – ‬على سبيل المثال‮ – ‬يدعم أنظمة سياسية‮ – ‬عسكرية في‮ ‬كثير من مجتمعات العالم الثالث‮. ‬وهو‮ ‬يعلم علم اليقين أن العشرات‮ ‬بل المئات من الوطنيين الديمقراطيين‭, ‬بل والشيوعيين‭, ‬يقبعون في‮ ‬سجون تلك الأنظمة ويتعرضون لأشكال مختلفة من التعذيب‮ ‬وأن تلك الأنظمة قد وقفت حائلا‮ ‬دون تطور الصراع الاجتماعي‮ ‬الديمقراطي‮ ‬السلمي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيرات تحقق العدل الاجتماعي‮ ‬الذي‮ ‬غالبا‮ ‬ما تبناه العسكريون ضمن شعاراتهم‮.‬
ولا‮ ‬يعني‮ ‬هذا مرة أخرى أنني‮ ‬أقلل من أهمية التغيرات‮ – ‬الاجتماعية التي‮ ‬أحدثتها التدخلات العسكرية ذات الطابع الوطني‮ – ‬التقدمي‮ – ‬فقد قضى على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم في‮ ‬مصر‭,‬على سبيل المثال‮ ‬كما تحقق قدر من العدل الاجتماعي‮ ‬من خلال الإصلاح الزراعي‮ ‬ومصادرة المؤسسات والشركات الصناعية والتجارية الكبرى التي‮ ‬كان‮ ‬يحتكر ملكيتها الأجانب ومنح العمال والفلاحون والمرأة حقوقا‮ ‬سياسية واجتماعية لم تكن لتعط‮ ‬لهم في‮ ‬ظل النظام الملكي‮ ‬الإقطاعي‮ ‬‮ ‬وتم تمصير الثروات الوطنية‮ ‬وتأميم‮ « ‬القناة‮ « ‬وغير ذلك من الإنجازات التي‮ ‬كانت تمثل أساسا‮ ‬صالحا‮ ‬لتغيرات لاحقة كان‮ ‬يمكن أن تصبح جذرية‮. ‬كما تمكنت الثورة ليمنية التي‮ ‬فجرها تنظيم الضباط الأحرار من القضاء على النظام الملكي‮ ‬المغرق في‮ ‬التخلف وحملت أهدافها الستة مرتكزات مهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية وشيوع ومجانية العلم والثقافة والتنمية وعير ذلك من المبادئ الإنسانية الجميلة‭,‬كما سنبين لاحقا‮.‬
إن ما أعنيه هنا هو أن قيادة القوى التقدمية في‮ ‬العالم‮ ‬وأعني‮ ‬المنظومة الاشتراكية‮ ‬‮ ‬قد دعمت أنظمة كانت تغتال القوى التقدمية الديمقراطية في‮ ‬مجتمعاتها‭, ‬أي‮ ‬مجتمعات العالم الثالث‭, ‬الأمر الذي‮ ‬أفرز نتائج سلبية على الاتجاه التصاعدي‮ ‬لتلك القوى‮ ‬خاصة وأن قوى الثورة المضادة قد ظلت كامنة بل وتمكنت في‮ ‬الغالب من اختراق أجهزة النظم السياسية ذات الطابع التقدمي‮ ‬لتتمكن منذ منتصف سبعينيا

قد يعجبك ايضا