عنفوان العشرين 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن  
 بلغت وحدتنا عمرها العشرين حولها يترامى العاشقون بمن يقول إنه سوف يموت دونها ومن يقول إنه سيموت إذا استمر معها. أحدهم يغني لها “أنت وبس اللي حبيبي ومهما يقول العذال” والآخر يغني “لكن طبعك شين وعشرتك مرة هذا اللي خلاني أنساك بالمرة”. بالأغاني والقصائد والأضواء والرايات يتم التذكر فتسود لغة الحب صدا وهجرا وشوقا وغراما.
إنها عشرون عاما من النمو لوحدة اليمن اليانعة- والنمو للعلم غير التنمية فالإنسان ينمو حتى وهو نائم لكنه لا يحدث تغييرا ولا تنمية إلا وهو في منتهى اليقظة-.
المهم هذه الدولة الموحدة أتابع أخبارها منذ كانت تحبو في عامها الأول عندما لم أتمكن كطالبة دكتوراه خارج اليمن من حضور لحظة ولادتها والتشرف برفع علمها الموحد حيث لم تبرز في الصور سوى مجاميع الرجال ولم يكن بينهم نساء فحرمت مثل غيري من النساء – ونحن نصف سكان البلاد التي توحدت – من هذه المشاركة البارزة فشاركنا بقلوبنا وهو أضعف الإيمان.
واكتفينا من نعمتها بجواز السفر الموحد وبحق التنقل والعمل الطوعي في أطرافها المختلفة.
ومن حينها وفي كل عام أكتب في وصفها تفاصيل تخص فتاة وهمية يمنية يسهل جدا تخيل الوحدة على شاكلتها فكثير من المعطيات التي ترتبط بنمو الكائن البشري يمكن تطبيقها على قضية عامة.
أقوم بذلك رغم أني أدرك أن الوحدة ليست فتاة شابة في العشرين عاما بل هي دولة مترامية الأطراف تزداد قوتها كل يوم حتى مع كل التنظيرات غير الواقعية التي تتحدث عن ضعفها بالمقارنة مع مثيلاتها وليس بالمقارنة مع ماضي أسرتها وتاريخهم.
بالنسبة لي هي شابة في العشرين لها عنفوان الشباب ولها انفعالات تجارب محاولات النضوج تشط أحيانا وتقسو وتنزلق أحيانا وتسهو. بعض أطرافها يعاني الإهمال فلم تتعلم بعد كيف تقلم أظافرها وتضع الألوان الملائمة عليها كما تعاني في بعض جوانبها من التعرض للأمراض فهي لم تستوعب بعد أن الوقاية خير من العلاج.
العشرينية العنيفة:
هذه الوحدة الفتاة بلغت سن العشرين وصار لها حق التعبير عن نفسها فانطلقت تثرثر دون توقف لا تسمع أحدا ولا يعجبها قول أحد. تشتكي من نظرة صد أو شبهة جفاء ولا تنظر للجروح التي تتركها في قلوب الراغبين في وصلها والمترامين عشقا على قدميها.
تكره أن يعلق أحد على تسريحة شعرها أو بدلة السهرة التي تحضر الأعراس بها أو حتى طريقتها في الأكل والحركة والضحكة العالية. حساسة جدا للنقد لا تنام الليل من كلمة طائشة أو نظرة تحتمل الريبة.
يقول العلماء والخبراء أن هرموناتها لم تستقر بعد وأنها لم تكتمل النضوج وان عامها الحادي والعشرين هو الأهم. ويقول علماء وخبراء آخرون من نوع آخر أنها قد صارت في هذا السن عانسا وأنها تأخرت في الزواج وان ذلك قد يؤدي بها إلى العقم.
كل الكلام حولها عنها من أجلها لها وأحيانا عليها بعد ذلك يستغربون من أين كل هذه القوة وكل هذا العنف. ويسألون متى تتعلم الابتسام ونشر عطور المودة حولها ومسح الجراح من القلوب¿
عقدان من الفل:
عقدان مرا ونحن معها نكبر نشهد ونشارك ونهرب من تحمل مسؤولية ما يجرى لهذه الوحدة العشرينية. نضع على صدرها الواسع عقدين من الفل والياسمين في ذكرى ميلادها ونكتفي في انتظار عامها القادم.
البعض بإسمها يتكسب والبعض بإسمها يدعي البطولة وكل يدعي الوصل بليلى كما قال الشاعر وليلى ربما تكون مريضة تتعالج في مصر أو الأردن أو لندن أو أمريكا. هذا العام صار الرهان على قوتها لعبة الجميع ينافسونها في الملاعب ويرهقونها بالجري وراء السراب ويحملونها مسؤولية أخطائهم.
وهي تنمو وتزداد شبابا وقوة وعنفوانا وتشتط بها التجارب فيسمح سوء سلوكها أحيانا بمحاولات تشويه السمعة. لذا تعلق اللافتات على الجدران وفي منتصف الشوارع وفي حروف افتتاحيات الصحف وفوق رايات التأييد والمساندة وحتى على منابر المساجد ومسابقات المدارس لنفي أي شبهة عنها وتكذيب كل تهمة أوربية تخالج قلب بشر حولها.
في عامها العشرين صار النقد لأي هفوة تصدر عنها مدعاة خطر يحتم السكوت والجهر فقط بعبارات الثناء والرضى والحب وحتى المبالغة في التزلف والنفاق والتوجه نحو التقية والكتمان. إنها في أوج عنفوان سن العشرين وقد تهدأ النفوس عندما يكتمل نضجها فعلا وتصبح شابة راشدة تملك حق الانتخاب والترشيح والشراكة في قيادة الأمور وتصريف شؤون حياتها كما يجب.
حتى ذلك الحين كل عام وأنتم بحبها مجبولين والدعاء لكم أن تبادلكم هواها راضية وسخية ورؤومة.
raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا