كيف يستمرون ¿ 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن  
كان الجمل في معصرة السليط القريب من بيتنا يثير دوما اهتمامي خلال فترة طفولتي. كان مربوطا على المعصرة وفوق عينيه عصابة لا يرى بها خطواته ويستمر في الحدو معتقدا انه يذهب إلى الأمام بينما في الحقيقة انه كان يدور في مكانه. لسبب ما تعود ملامح ذلك الجمل ودورانه الذي لا يتوقف إلى ذاكرتي هذه الأيام كلما سمعت أبا أو أما يشكون عبء تجهيز أبنائهم للعيد. كان الزمان القديم يعني أن لا يبدأ التفكير في شراء هذه الملابس إلا في الأسبوع الأخير قبل العيد وليس في الثلث الثاني من الشهر. الآن يقول الناس أنهم لو تأخروا ستزداد الأسعار ضراوة وتختفي السلع الجديدة من السوق ليحل محلها ما تم تخزينه لسنوات ولم يبعú. وهم رغم البحث عن السعر الرخيص لا يزالون يأملون في سلع تقبل الغسيل وتبقي الخياطة دون تمزق أطول فترة ممكنة. وبالطبع ليس هناك من بدائل كثيرة في الأسواق. ففي المدن على الأقل هناك أسواق الحراج وهناك سلع النصف عمر يمكن بها حل جزء من المشاكل. أما في الريف فليس سوق الأسبوع أو محل الاحتكار الوحيد القريب من القرية هو ما يوفر أسعار رخيصة بل يوفر المتاح من ذوق المورد. تنتهي القرويات بشراء أقمشة للبنات والأولاد من بعد سن السابعة ويبحثن عمن يقوم بالخياطة. أما الأطفال الأصغر سنا فالحل من فترة طويلة دون منافس هو للزخرفة الشكلية في القماش والتفصيل من منتجات الصين. مآسي الأسعار وتزايد ضيق الحال يوسع خناقه الآن على الجميع والغريب أن سكان المناطق الفقيرة والريف لا يزالون يرفدون الأرقام السكانية بأعداد لا قدرة لهم ولا غيرهم على تغطية احتياجاتهم اليوم أو تعليمهم في المستقبل. كيف يستمرون بسبب نقص خدمات تنظيم الآسرة للفقراء والريف لا تملك المتزوجات طريقة لمنع الإنجاب المنهك المتكرر وزيادة إعداد الأفواه التي تحتاج إلى غذاء والأجساد التي ينقصها الكساء. ويكون عزاء الناس أن يولوا وجوههم إلى السماء يسألون الله الرأفة بهم وهم قد نسوا كيف يرأفون بأنفسهم. ويوم تراهم يمررون تحت الظروف الصعبة حياتهم تسأل نفسك ترى ما الذي يفعلون¿ كيف يجدون منطقا للاستمرار في عمل ما يعملون¿ أحاول الاستماع إلى خطيب الجمعة عله يستجمع في أقواله مسالك الحلول بدلا من خطب الويل والثبور لكنه لا يفعل فأقول بعد هذا يا ترى كيف يستمرون¿ أحدق في وجه النازحة وأطفالها الذين يتلقفها برد القفراء في المساء وحرارة الشمس اللاسعة في الصباح وهي تسخن تنكة حديدية وتضع فيها أعوادا كافية لتخبز للصغار شيئا يأكلونه. فأسأل وأنا أحدق في وجه الذين يصنعون الحروب كيف لايعبأون بها وبأطفالها ويستمرون في إذكاء حرارة الحروب. إنه شهر كريم بالغفران والتوبة لكنها ظروف محيطة قاسية تجعل كرمه عزيزا على المحتاج وصعب المنال على الأغلبية. سامحوني لأني لم أرد هذا العام كلما وردتني تهنئة على البريد أو على الهاتف أو على البريد الالكتروني شكرت في قلبي أصحابها وتوقفت عن إمكانية الرد. ففي فمي ماء لا استطيع به الكلام. أهرب من الأخبار فلا أشاهد التلفزيون ولا أقرأ الصحف فتطاردني الأخبار بأشكال تدس السموم في القلب دون ترياق. فأخبار البسطاء من الناس الذين يعتبرون أن علي أن اعرف كي اكتب تمضي ساعاتي وتسيطر على نومي وصحوي لأني اشعر بالعجز. ما الذي يستطيعه قلمي¿ وما الذي يمكن أن تمسح من ألامه حروفي¿ لقد عرفت في حياتي ظروفا صعبة مرت بها اليمن اشد حلاكة مما نعيشه اليوم لكن مشاعري حينها كانت قوية وكانت مساحة الحلم تسيطر على الحاضر لتصبغ بتوقع جميل للقادم. الآن بالكاد أناضل نفسي كي تظل مشتعلة بالآمل الذي يتسلل مني ويصبغ ما حولي ويصيب بالعدوى الذين يعملون معي فيتحولون إلى متفائلين طموحين لا مجال في ساعاتهم للشكوى ولا مدخل في قلوبهم لإضاعة الوقت والأسى. ورغم أزمة التجهز للعيد التي سيلحقها أزمة نتائج الإعدادية والثانوية والتفكير في مستقبل من لا تملك الشهادات لهم مدخلا للوظيفة أو البيت أو وسيلة المواصلات الآمنة فإنه يظل رمضان الكريم رمزا للعطاء وتفسيرا للمعنى الذي عليه.. رغم الأعباء نجد الآباء والأمهات يواصلون حياتهم وهكذا يستمرون. ثلث من الشهر مضى اكرر لكم التهنئة بالشهر كي اكتفي عن الردود الفردية بأمل أن يسامحني القراء والأصدقاء.
raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا