كرامة الرعايا 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن
تم تعيينه حديثا مسؤلا كبيرا في جهة حكومية وصارت من بين سلطاته بجانب الأمر والنهي التعيين والفصل. ولأن حال هذه الجهة الحكومية لا يختلف عن غيرها ففيها عدد مهول من العاملين غير الأكفاء الذين لم يبذل أحدا أي جهد لتدريبهم أو تطوير مهاراتهم بسبب أن التدريب والتطوير والسفريات والمشاركات في الندوات والمؤتمرات وفرص تحديث الخبرات هي محصورة على الشخص الأول وما فاض منها وتعارض مع جدول التزاماته تم توزيعه على الأقرباء والأصدقاء وذوي المكانة أو السلطة أو الأقارب.
وهكذا ظل الغالبية الكبرى من الموظفين بمعلومات يوم التعيين وبعض تفاصيل نقطة المساحة المتاحة لعملهم والتي على أساسها يوقعون في كشف الحضور وكشف الانصراف ثم كشف المرتبات.
وإذا فتحت لهم طاقة القدر يوما حدثت لهم ترقية تلقائية في الدرجة الوظيفية نتيجة خطأ أو صدفة بعد أن مرت عليهم عقود في الدرجة التي تعينوا بها. وكان هذا المسؤول الكبير الجديد قد نوى العمل بإخلاص وجعل مرفق عمله نموذجا للمرافق الأخرى التي لا تنتج ولا تخدم الجمهور. فقام في البداية باستعراض ملفات الموظفين ومعرفة مدى ملاءمتهم للتطوير والتحديث الذي يرغب في تحقيقه في هذا المرفق الجديد. واكتشف طابورا طويلا من الذين لا يصلحون للعمل وخطط التطوير التي يرغب بها والأفضل إيجاد حل للخلاص منهم.
طلب المدير العام وكلفه بأن يتولى هو ومدير شئون الموظفين تلك المهمة. وفي صباح اليوم التالي دخل عليه أحد المدراء المنكوبين فجلس على الكرسي المقابل وبدأ الحديث ثم بكى وتوسل وترجى حتى أوشك أن يسجد على الأرض مستجديا أن لا يتم تغيير وضعه. بين الدموع والحشرجة سمع المسؤول عن حاجة الموظف إلى كل فلس في المرتب ليس فقط للآن بل لسداد فواتير الديون التي تراكمت للغذاء والدواء والكساء ومصاريف المدارس العامة وكلفة المواصلات لبقية أفراد العائلة.
أين يذهب بهم وما الذي يفعله لهم إذا فقد فرصة إمكانية مرتب شهري يرضي بجزء منه في شهر دائن من الديانة¿ قال له استغني عني وخذهم جميعا فليس لي بعد الله غيرك فإن لم تسمعني خرجت من هنا إلى أقرب جبانة ودفنت نفسي بالحياة.
قال لي هذا المسؤول لقد سمعت ورأيت خلال يومين حالة من المهانة عرض العاملين الذين خشوا من الاستغناء عنهم أنفسهم لها حتى روعتني كل هذه المذلة ولم أعد أعرف أي قرار أكثر صوابا.
هل الحوار حلا¿:
مزيد من الحروب الصغيرة ومزيد من الاستنزاف للموارد المحدودة ومزيد من الأزمات ليس مخرجا من كل هذا البؤس. لابد أن تتجمع الحلول ولابد أن تلتقي الرؤوس المؤمنة بأن التطوير والتغيير والعدل والمساواة والرخاء ليست شعارات تحصل على مكتسباتها معظم بلاد العالم أما نحن فلا مصير سوى الفقر والجوع والمرض باق ما بقينا ومستمر كقدر مسلط علينا.
لابد من التفكير الجماعي بصوت عال عن منفذ ومخرج من كل هذا الغرق. المشكلة ليست انتخابات وليست شرعية نظام بل هي انهيار اقتصادي وسياسي يأكل الأخضر واليابس وهذا ما يجب أن يدور حوله الحوار.
فرصة المودة لله وللمحرومين:
إن شهر رمضان الذي فرضه الله على عباده هدفه الشعور بجوع الجوعى وألم الحرمان عند الفقراء والمحرومين. وهذا هو أساس الحوار لمن يرغب في التحاور ومن يملك الفرصة ليعتلي باسم كل الآخرين منصة الحوار.
كنا قد ارتضينا الديمقراطية حلا باعتبارها الطريق الوحيد للبعد عن الحروب والانقلابات الدموية والتسلط الظالم لأن الديمقراطية لها وسائلها ومن ذلك الانتخابات. فلما أساء بعضنا استخدام هذه الانتخابات وصارت هدفا للطامحين في مناصب وصارت سببا في المزيد من الأزمات التي لم تمنع سفك الدماء ولا خففت حرمان المحرومين بل زادت عددهم صارت ديمقراطيتنا محل تردد وصرنا فقط نبحث عن رمضان وأزمنة فيها الستر وبيوت بها ما يقي الحر والمطر والمهانة.
رمضان فرصة كي يتذكر الجميع أنه شهر للمودة والتراحم وهذه فرصة للتحاور دون قسوة ودون سيطرة فكر المصالح الذاتية الضيقة مهما كانت الحاجة ومهما عز الطلب. فهذه البلاد يستحق أهلها أن تكون لهم كرامة فيها حتى لو تم التعامل معهم كرعايا لا كمواطنين. ورمضان كريم صونا للكرامة وادعو الله لكم أن يأتي كل عام وفيه مساحة للحل وفرصة للأمل.
 raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا