صناديق تبرعات ولجان شعبية لدعم المجهود الحربي لثورة سبتمبر العظيمة


استطلاع /علي غالب الأبارة –

شكلوا أنموذجاٍ رائعاٍ وفريداٍ في الوحدة والتلاحم للدفاع عن الثورة والجمهورية

ليس من قبيل المبالغة إذا ما قلنا أن المغتربين اليمنيين يعتبرون الداعم الأول للثورتين المجيدتين 26سبتمبر و14اكتوبر إن لم نقل أنهم من أشد الداعمين للقضاء على نظام ديكتاتوري رجعي في « الشمال « واستعماري بغيض في « الجنوب « كان حكمهما نتاج طبيعي للبحث عن الهجرة وبشكل خاص قوة عوامل الطرد الذاتي لأصحاب الأرض بسبب صعوبة الحياة وقسوة الظروف المعيشية التي جعلتهم يفارقون الأهل والوطن ونسيم قراهم وأريافهم التي تركوها قسراٍ طلباٍ للقمة العيش واللجوء إلى الاغتراب وهرباٍ من بطش الإمامة والاستعمار
ولما يمثله هذا الجانب من أهمية على إبراز الدور النضالي والسخي للمغتربين اليمنيين في بلدان المهجر تمثل في نصرة الثورة وعزز من قدرتها على مواصلة النضال لترسيخ قيم الولاء للوطن ورفض الهيمنة والتسلط وبهدف تغيير الواقع المظلم بواقع جديد مشرق باعتبار المغترب مكوناٍ مهماٍ من مكونات البناء الوطني في مختلف جوانبه ولهذا فقد كان المغتربون اليمنيون عاملاٍ رئيسياٍ من عوامل الدعم لثورتي «سبتمبر وأكتوبر» من خلال تبرعهم لصالح المجهود الحربي للضباط الأحرار والمساهمة في الخلاص من النظام الإمامي والاستعمار البريطاني
وبهذا الرصيد الناصع فقد تمكنوا من الإسهام الفاعل والكشف عن معدنهم الأصيل والمخزون الحضاري والنضالي الذي ظل شعبنا يكتنزه في أعماقه منذ أمد بعيد كل ذلك قد شكل محطة هامة للبحث عن أولئك الرواد الذين نفتخر ونعتز بتاريخهم ونضالاتهم إلا أننا لم نتوفق بشرف مقابلتهم أو التواصل مع أي منهم نظراٍ لمرور فترة خمسين عاماٍ على قيام الثورة ما جعلنا نبحث عن الأولاد والأحفاد والذين أكدوا لـ «الثورة» – وسجلنا شهاداتهم – أن الكثير من المغتربين اليمنيين كان لهم دور كبير وعظيم في دعم ثورة الـ» 26سبتبمبر» من كل مناطق اليمن دون استثناء.
تفاصيل أكثر في الاستطلاع التالي:

استطلاع /علي غالب الأبارة

البداية مع الأخ محمد يحيى محمد – أحد أبناء المغتربين في دولة الكويت منذ 1956م الذي استهل حديثه قائلاٍ : إن النضال الوطني للمغتربين اليمنيين كان منذ وقت مبكر وأقولها بصدق واختصار أن الكثير من المغتربين اليمنيين حين اتجهوا لمناصرة الضباط الأحرار ومساندة الثورة من دولة الكويت كان الفضل في ذلك يعود للمناخ الديمقراطي المبكر الذي شهدته دولة الكويت الشقيقة والمتمثل في تعدد نوعي لما تتميز به من الآراء الفكرية والثقافية العربية المنطلقة والمؤيدة لتغيير الأنظمة الرجعية والمتخلفة وهذا ما شكل دافعاٍ لهم لمناصرة الثورة السبتمبرية والمجاهرة بدعمها من خلال إنشاء ما سمي بـ «الصندوق الأحمر»الذي كان يمر على كل بيت كويتي لجمع التبرعات للمقاتلين والثوار وظهروا بمظهر حضاري نال إعجاب المجتمع الكويتي الأمر الذي يفسر بأن الوطن كان عند المغتربين نبع آمالهم المتدفقة ومرسوم في قلوبهم ومغروس جذوره في أفئدتهم نحو وطن له حقوق على جميع أبنائه ضد الامامة والاستعمار البريطاني إلى جانب طبع وتوزيع المنشورات التوعوية في صفوف المغتربين ويضيف : وعندما رجعت إلى الوطن من أول هجرة – أثناء حصار السبعين يوماٍ -وكنت قد كسبت ثقافة لابأس بها أتذكر أنني تجادلت مع الوالد حول أهمية نجاح الثورة وفوائدها الكثيرة على المجتمع اليمني إلا أن الحكام والسلاطين كانوا يخوفون الناس بالخروج عن طاعتهم باعتبار أن من يقوم بأي حركة أو رؤى تنويرية ضدهم متهماٍ بالكفر لأنهم ربطوا أسماءهم بأسماء الله وأنهم خلفاء الله في الأرض ولا يسمح بتوجيه النقد إليهم لكونهم معصومين من الخطأ وظل هذا الوضع سائداٍ حتى قامت الثورة بفضل بروز أفكار التنوير التي تجعل مواطنيهم يحاسبونهم ويراقبون أداءهم.
الحاج محمد يحيى محمد يتحدث لـ «الثورة : بسبب الحكم الامامي وتخلفه وانغلاقه هاجرت للكويت.
وعن سبب هجرته إلى الكويت يقول الحاج محمد : سبب هجرتي إلى دولة الكويت يعود لقصة طويلة لايتسع المقام لذكرها وما استطيع أن أتذكره عن تلك الفترة أنني كنت أتابع أخبار الوطن عن طريق إذاعة صوت العرب من القاهرة وكانت تبث الأغاني الوطنية التي هزت عروش الطغاة وشكلت صرخة هزت ليل الظلم والقهر ماجعل الإمام أحمد يطالب الرئيس جمال عبد الناصر بمنع بثها.

مناصرة الثورة
من جانبه يقول الأخ المغترب فؤاد عبده علي محمود الجبري : هناك الكثير من منطقتي كانوا مغتربين أثناء قيام ثورة الـ «26من سبتمبر» وقد سمعت منهم حكايات وتفاصيل – بأحاسيس فياضة وصادقة – عن مساندة ثورة الـ 26 من سبتمبر وتضحياتهم من أجل الوطن الذي كان ضميراٍ يسكنهم لا أرضاٍ يعيشون عليها على الرغم من شظف العيش ومرارة الغربة ماجعلهم يقدمون في سبيله كل غال ورخيص حتى يرونه لابساٍ ثياب العدل والأمن والاستقرار متجاوزاٍ مظاهر التخلف التي رزحت على كاهله زمناٍ طويلاٍ لأنه يشكل في داخلهم وهجاٍ من نبع الضمير الصادق يهدي المسير ولذلك فقد كانوا الدعم الأول والمساند الأشد للحركات الوطنية الهادفة للتغيير والارتقاء والتقدم بالوطن والمجتمع وكانوا في كل بلد يتواجدون عليه يروجون للثورة خارجياٍ لإقناع الرأي العام في بلد الاغتراب بهدف كسب تأييده ومساندته لذلك التغيير.
ويستطرد الجبري حديثه بقوله : كانوا يحاولون بقدر المستطاع جمع الأموال لمساندة الثوار والانتصار لإرادة الأمة .. لملموا شتاتهم في كل بلد حلت فيها رحالهم بفعل دوافع اقتصادية واجتماعية وسياسية وشكلوا أنموذجاٍ رائعاٍ وفريداٍ في الوحدة والتلاحم وكان همهم تحرير وطنهم الغالي من براثن الائمة والاستعمار.

ثورات المغترب
أما المغترب العزي مصلح يوسف علي فيتحدث عن دور المغتربين في دعم الثورة السبتمبرية بقوله :
بإعتقادي أن المغترب اليمني واجهته الكثير من الثورات وليس ثورة واحدة لعل أول تلك الثوراتثورته على الظلم والقهر والمرض الذي كان يعانيه أبناء اليمن الناتج عن الوضع المأساوي المفروض من قبل الإمامة والاستعمار فساءه ذلك الوضع وهاجر مبتغياٍ تغيير حياته مغادراٍ نحو المجهول كنوع من التضحية والمغامرة بهدف فك تلك القيود التي كبله بها الحكم الامامي المأساوي في وطنه ..أما الثورة الثانية فتتمثل في تحمل فراق الأهل والأحبة وذكريات الطفولة بأشواقها وأشواكها .. بلحظاتها الدافئة واللافحة وكبح مشاعره وعواطفه نحوها وهذا التأثير يؤكد في دلالته العميقة إلى تجذر هذه النزعة كغريزة انسانية في فكر وسلوك الانسان عموماٍ واليمني خصوصاٍلأن هناك ثمة ارتباط نفسي عميق بين الانسان والمكان.
فيما الثورة الثالثة تشير ضمنياٍ إلى إرادته وعزيمته وإصراره في فتح أفق جديد في بلد الاغتراب ما يحتم عليه إثبات وجوده في تأهيل نفسه والتعايش معه لكي يحظى باحترام وقبول في مجتمعه الجديد من خلال تحقيق النجاح المطلوب الذي يعكس قدراته ومهاراته في العمل والإنتاج والنجاح .
وانطلاقاٍ من ذلك فقد كان لهم ادوار بارزة في دعم الثورة السبتمبرية نوجزها على النحو الآتي:
أنشأوا صناديق للتبرعات النقدية والعينية لصالح المجهود الحربي لثورة الـ26 من سبتمبر العظيمة شكلت النواة الأولى لمساندة الثوار بالمال والسلاح .
-الدعم والمساندة للحركات الوطنية والثورية الهادفة للتغيير والارتقاء والتقدم بالوطن والمجتمع.
– الدور الطليعي والتنويري في الترويج للثورة من خلال النشرات والكتيبات والمنشورات التي كانت توزع على المغتربين.
– التفاعل والمؤازرة لكل ما له صلة بالثورة السبتمبرية ووالإيمان بمشروعيتها وعدالة قضيتها وأهميتها في حياة الشعوب
– مساهمة الكثير منهم في شراء أسهم المؤسسات والبنوك التي أنشئت بعد قيام الثورة ومن أبرزها البنك اليمني للإنشاء والتعمير وشركة التبغ والكبريت الوطنية.
-التحاق العديد من أبناء المغتربين في صفوف الجيش المدافع عن الثورة وعن النظام الجمهوري من خلال التحاقهم بالوحدات العسكرية التي تشكلت للدفاع عن الثورة .

حضور فاعل
وبدوره يقول المغترب حسين صالح اليافعي : ليس من شك أن المغتربين اليمنيين في دولة الكويت واثيوبيا والسودان قد لعبوا دوراٍ كبيراٍ في دعم الثورة اليمنية مادياٍ ومعنوياٍ وكانت الجاليات اليمنية في هذه الدول تشكل القاعدة الرئيسية لمساندة ثورة 26سبتمبر.. وليس بغريب أن يكون للمغتربين اليمنيين حضورهم المشهود والفاعل حيث كانوا داخل الوطن ثائرين وخارجه متعلقين به يحملون همه وهذا ما تجسد في المبادئ السبتمبرية وفي معمعان النضال المشترك ضد النظام الامامي الكهنوتي والاستعمار الانجلو سلاطيني من كافة أبناء اليمن حتى أنني أتذكر شخصاٍ– وكان مغترباٍ في دولة السودان -عندما شعر بدنو أجله شد الرحيل عن وطن المهجر وعاد إلى وطنه الأم وكأنه قد وجد في جسده أثمن ما يمكن أن يقدمه لوطنه.
ويتابع اليافعي حديثه قائلاٍ : وتأسيساٍ على ما سمعناه من آبائنا وأجدادنا المغتربين الذين كانوا يمدون حركة النضال الوطني بما تحتاجه من مال غير حابسين عن الوطن بكل مايجودون به لأنهم يعتقدون أن لاقيمة للمال عندما يقاس بالوطن .. لاسيما في حالة الرغبة الشديدة في مساعدة الوطن بالتخلص من أسره وتحرير إراداته من براثن الطغاة والمستبدين في الشمال والاحتلال البريطاني المتسلط في الجنوب وكان ذلك الشغل الشاغل لهذا الرعيل الأول من المهاجرين الوطنيين الذين كان همهم تلمس أي وسيلة تستهدف مساعدة الأحرار داخل الوطن سواءٍ كان ذلك بمدهم بالمال أو مساعدة أسرهم اذا تعرضوا للسجن أومن خلال استضافتهم مدداٍ طويلة في المهجر إذا خرجوا فارين من الحكم الامامي او الاستعماري.

فيلسوف الشعراء أبو الأحرار
وفي الختام نجدها مناسبة أن نشير هنا إلى عدد من روائع فيلسوف الشعراء أبي الأحرار محمد محمود الزبيري – رحمة الله عليه -الذي عاش منفياٍ في الخارج بعيداٍ عن وطنه الأغلى والأسمى متنقلاٍ بين القاهرة وباكستان وعدة دول أخرى فكانت معظم قصائده تفيض بالحنين والشوق إلى الوطن الذي هجر منه قسراٍ وحرم من الاستقرار الدائم فيه ماجعله يعيش آلام الغربة والاغتراب ويتطلع للاستقرار فيه بين الأهل والأحبة والعشيرة معتبراٍ بأن ليس هناك أمر وأقسى عند ه من وحشة الغربة وبْعد الديار وفراق الخلان لذلك فقد غلب على شعره التغني بأمجاد الوطن والتحني بتربته الطاهرة .. نذكر منها هذه الأبيات :
وطني أنت نفحة الله
ماتبرح لا عن قلبي ولا عن لساني
صنع الله منك طينة قلبي
وبرى من شذاك روح بياني
هاك ما قد طهرته لك في دمعي
وما قد صهرته في جناني
شعلة القلب لو أذيعت لقالوا
مرعبر الأثير نصل يماني
وكان شاعرنا الكبير – رحمه الله – قد جادت قريحته بقصيدة صدح بها عقب فشل الثورة الدستورية عام 1948م عندما كان في أرض المنفى بدولة باكستان قال فيها:
ماكنت أحسب أني سوف أبكيه
وأن شعري إلى الدنيا سينعيه
وأنني سوف أبقى بعد نكبته
حياٍ أمزق روحي في مراثيه
وأن من كنت أرجوهم لنجدته
يوم الكريهة كانوا من أعاديه
فإن سلمت فإني قد وهبت له
خلاصة العمر ماضيه وآتيه
وكنت أحرص لو أني أموت له
وحدي ويبقى كل أهليه
لكنه أجل يأتي لموعده
ما كل من يتمناه ملاقيه
وليس لي بعده عمر وإن بقيت
أنفاس روحي تفديه وترثيه
فلست أسكن إلا في مقابره
ولست أقتات إلا من مآسيه
وما أنا منه إلا زفرة بقيت
تهيم بين رفات من بواقيه
ولما كانت روحه تفيض إلى بارئها إثر اصابته برصاصة غادرة أودت بحياته وهو يواصل مشوار النضال الذي يعد تتويجاٍ لإسهامته في هز عروش الطغاة والذين جندوا أحد المرتزقة لاستهدافه فكان آخر بيت قاله :
بحثت عن هبة أحبوك يا وطني
فلم أجد لك إلا قلبي الدامي

قد يعجبك ايضا