
لقاء/ إياد الموسمي –
كان القاضي بعد الثورة وقبلها حريصاٍ على استقلالية القرار اليمني شديد الاعتزاز بوطنيته
اشترك في العمل السياسي منذ الثلاثينيات واستمر في عمله التنويري لأبناء شعبه
قادوه للإعدام مرتين ولم تثنه السجون عن مقارعة الظلم
لقاء/ إياد الموسمي
في ذكرى الثورة المباركة لا بد أن نسترجع قليلاٍ أمام من صنعوها وأسهموا في بلورة العمل الوطني النضالي إلى أفعال تحققت وتوجت بانتصار الإنسان اليمني من خلال استعراض جوانب مضيئة من حياة وأدوار القاضي عبدالرحمن الأرياني الذي قاد الحركات التنويرية والتوعوية النضالية في اليمن منذ ثلاثينيات القرن الماضي مواصلاٍ عطاءاته المستمرة للوطن حتى مغادرته للحياة.
في هذا اللقاء نستعرض مقتطفات نضالية لحكيم الثورة اليمنية ثاني رئيس للجمهورية وأول رئيس مدني في تاريخ الجمهورية يرويها لنا الأستاذ عبدالملك بن عبدالرحمن الإرياني نجل القاضي عبدالرحمن الإرياني فإلى الحصيلة.
لقاء/
إياد الموسمي
> كثير من المراجع والشخصيات تحدثت عن القاضي عبدالرحمن الإرياني هل نستطيع أن نعرف بداية العمل السياسي للقاضي من خلالكم¿
بداية العمل السياسي في منتصف الثلاثينيات ولكن العمل السياسي المنظم كان ابتداء من بداية عام 1944م بالمشاركة في إنشاء (جمعية الإصلاح) مع القاضي محمد الاكوع والشيخ حسين الدعيس والشيخ منصور البعداني وغيرهم وذلك في إب وقامت بالاتصال بالأحرار في صنعاء وعدن وكانت تقوم بنشر التوعية وحشد المثقفين والمتعلمين ضد النظام الإمامي وتوزيع المنشورات.
وقد تم اكتشاف هذه الجمعية في نهاية عام 1944م مع ما تم كشفه من نشاط الأحرار في صنعاء وزج بأعداد كبيرة منهم في سجن حجة.
> هل واصل القاضي العمل السياسي بعد سجنه¿
عاد بعد خروجه من السجن وواصل العمل حتى ثورة 48 حيث تولى مسئولية لواء إب واعتقل بعد فشل الثورة في سجن حجة لمدة حوالي سبعة أعوام حتى عام 1954م.
نجاته من الإعدام
> الخمسينيات شهدت حركات ثورية وكان القاضي حاضراٍ مع رفاق النضال هل من توضيح عن تلك الحقبة¿
أعتقل عام (54) بعد فشل حركة الثلايا بتعز وأنزل إلى ساحة الإعدام مرتين حيث تم إعدام عدد كبير من المشاركين في الحركة أمام عينه ومنهم قائد الحركة أحمد الثلايا.
< وكيف نجا القاضي من الإعدام¿
كأن الله لم يكتب له نهاية الأجل وبعدها كان هناك مقربون من الإمام استطاعوا إقناعه بعدم إعدام القاضي الإرياني واستطاع أن يواصل عمله النضالي من خلال التنسيق بين المكونات الثورية.
< ما هو دور القاضي المحوري في العمل الثوري < والكفاحي وسط مجاميع الأحرار المنتفضين على نظام الإمامة¿
يذكر كل رفاق القاضي عبدالرحمن الإرياني أنه كان المسئول عن العمل الوطني للأحرار وكان يقوم بالتنسيق مع الضباط في تعز وكذا التنسيق مع الأحرار في صنعاء لما يتمتع به من ثقة كبيرة لدى زملائه الأحرار بكافة فئاتهم من عسكريين ومدنيين ومثقفين وقبائل ورجال دولة.
وهل تحمل المسئولية بعد نجاح ثورة سبتمبر وساهم في تثبيت دعائم النظام الجمهوري أم أنه كان بعيداٍ عن ذلك¿
القاضي كان يحمل هموم الوطن إلى أن غادر الحياة ورغم تحركه في العمل السياسي كان يقدم النصح والإرشاد لكل الرؤساء بعد استقالته حيث كان يتصل بهم في كل المنعطفات الهامة والصعاب في تاريخ الوطن ويقدم لهم النصح.. أما بعد ثورة سبتمبر فقد عين القاضي عضواٍ في مجلس قيادة الثورة وزيراٍِ للعدل ثم تعين في مناصب عدة منها عضواٍ بالمجلس الجمهوري ومجلس الرئاسة ورئيساٍ للوزراء حتى احتجازه في القاهرة في سبتمبر 1966م حتى نوفمبر 67 عندما عاد إلى اليمن وتم التوافق عليه كرئيس للمجلس الجمهوري حتى يونيو 1974م.
الميثاق المقدس
< ما هي محددات أو توجهات الحركة الوطنية التي كان يحاول عبدالرحمن الإرياني أن يجسدها وكانت نهجه آنذاك¿
كانت الحركة الوطنية اليمنية في الماضي أسساٍ فكرية وملامح وطنية واضحة فقد كانت تقود هذه الحركة الفئة المستنيرة في اليمن في وقت كان الجهل والتخلف يخيمان على الأغلبية العظمى من المواطنين اليمنيين.. وعلى الرغم من أن هذه الفئة كانت في وضع أفضل مادياٍ ووظيفياٍ إلا أنها أبت أن تتقبل الظلم والتعالي والتمايز الذي اتسم به النظام الإمامي والذي طبع الشعب اليمني بصورة من البؤس والقهر والجهل ليس له مثيل.
وقد أدركت الحركة الوطنية حينها مكان الداء في ذلك النظام ووضعت له المعالجات في دستور 48 في ذلك الوقت المبكر والتي كان أولها هو أن يكون دستوراٍ ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وبين الدولة والمواطنين وبين العلاقة بين سلطات الدولة بدلاٍ عن الحكم برغبات الإمام الحاكم المطلق.
ثم أن هذا الدستور الذي يسمى (بالميثاق المقدس) قد حدد أسس الحكم وخص على الشورى وتحديد الصلاحيات الخاصة بالحكم ووضع أنظمة للشئون المالية والخدمة المدنية وغيرها وهي أمور لا يعترف بها النظام الإمامي ولا يقرها.
< لكن البعض يقول أن ثورة سبتمبر انطلقت من قبل بعض الضباط الأحرار ولا وجود للحركات المدنية والفكرية¿
بالعكس لم تكن تحركاٍ قام به بعض الضباط وإنما كانت امتداداٍ لما سبقتها من حركات وبدافع من منطلقات فكرية للحركة الوطنية اليمنية على مدى عدة عقود وعندما سلم الضباط قيادة الدولة للمدنيين والضباط الأقدم الذين كان لهم باع في الحركة الوطنية منذ الأربعينيات فإن ذلك مصداقاٍ للحقيقة وامتداداٍ لجذور ثورة سبتمبر في الحركة الوطنية اليمنية.
رؤيته الوطنية
< لخص لنا رؤية القاضي عبدالرحمن الإرياني في نشاطه الوطني بعد الثورة وقبلها¿
كان لديه رؤية مميزة وخط واضح في نشاطه قبل الثورة وبعدها فقد كان شديد الحرص على استقلالية القرار اليمني شديد الاعتزاز بشخصيته الوطنية اليمنية شديد التشبث بقيم الحركة الوطنية اليمنية في مناهضة الاستبداد والتفرد فكان دائماٍ حريصاٍ على مبادئ الشورى والحكم الجماعي سواء قبل ثورة 26 سبتمبر أو بعدها.
< لكن ما هو حاصل أن هناك من انتفع باسم الثورة واستغلت البلاد لأشخاص تحت اسم الثورة هل كان القاضي من هذا الصنف¿
أولاٍ أعتقد أن القاضي كان لا يرى في ثورة 26 سبتمبر مجرد حدث تاريخي أنهى حكم الإمامة المتخلف وسار باليمن إلى عهد جديد ولا أنها الغاية بذاتها ولا فرصة للمكاسب وصحيح أن هناك من انتفع بحجة التضحية للثورة لكن القاضي عبدالرحمن كان يرى أنها البداية لترسيخ قيم النزاهة والعدالة والمشاركة والتقدم وأن الثورة بدون ذلك تكون قد أفرغت من مضامينها وكان ذلك دأبه دائماٍ فبعد ثورة 26 سبتمبر مباشرة استمر بالعمل مع بعض زملائه الأحرار وعلى رأسهم الأستاذ أحمد النعمان والقاضي محمد محمود الزبيري في محاولة لتثبيت هذه القيم السامية وتصويب ما يعتري مسار العمل من أخطاء خصوصاٍ ما كان يرتكب باسم الثورة ذاتها مثل الإعدامات دون محاكمة أو استفزاز الدول المجاورة وتأليبها على الثورة أو تدخلات القادة العسكريين المصريين في شئون اليمن السياسية الإدارية والداخلية أو تسلط بعض القادة العسكريين على المواطنين.
هكذا كان دفاع القاضي عن ثورة سبتمبر وليس من خلال السكوت والتغاضي عن الأخطاء التي كان لا بد أن تقع مثل ظروف اليمن بل وفي ظروف أي دولة في العالم.
مؤتمرات خمر وحرض
< هل لك أن تفصل بعضاٍ من هذه المواقف حسب إطلاعكم¿
كان هناك كثير من المواقف يعلمها الجميع مواقف شوهدة في الدفاع عن ثورة سبتمبر وقيمها سواء قبل توليه رئاسة المجلس الجمهوري أو أثناء رئاسته للمجلس في السنوات الأولى تولى رئاسة (مؤتمر خمر) 1965م بعد اغتيال أبو الأحرار الزبيري والذي دعا للحكم الجماعي وإنشاء هيئة تسريعية والدعوة إلى السلام.
وفي أكتوبر 1965م ترأس القاضي الجانب الجمهوري في مؤتمر حرض الذي دعا إليه الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل بموجب الاتفاق بينهما في جدة وكان قد اتفقا على إلغاء النظامين الجمهوري والملكي واستبدالهما بمسمى (الدولة) فوقف القاضي عبدالرحمن الإرياني في المؤتمر موقفاٍ صلباٍ دفاعاٍ عن النظام الجمهوري وقال في كلمته في المؤتمر أن الشعب اليمني لن يتخلى عن الجمهورية أبداٍ ولا يقبل المساومة في النظام الجمهوري الذي اختاره ودافع عنه واعترفت به معظم دول العالم.
< ما هي مواقف الرئيس الإرياني من التدخلات والضغوط الخارجية على اليمن وقصص الدعم لمراكز القوى من المشائخ وغيرهم¿
ووقف كذلك مواقف مشهودة دفاعاٍ عن الجمهورية وقي ثورة سبتمبر بعد توليه رئاسة المجلس الجمهوري عام 1967م فكان وجوده على رأس الدولة بتوافق غير مسبوق من مختلف قوى الطيف السياسي والعسكريين والقوى القبلية عامل توحد وصمود في وجه الهجمة الملكية الرجعية وتمكنت الجمهورية من الانتصار برغم غياب الدعم المصري وانتهائه ورغم شراسة الحملة الملكية بصورة لم يسبق لها مثيل.
وبعد انتصار السبعين كان للقاضي عبدالرحمن الإرياني مواقف عديدية ينتصر فيها لقيم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ويعمل على ترسيخ مبادئها ومنها إصراره على الحكم الجماعي عن خلال المجلس الجمهوري وإصدار الدستور الدائم وإجراء انتخابات مجلس الشورى وتعزيز العمل المؤسسي في الدولة.
ولعل من أهم مواقفه المكرسة لترسيخ قيم الثورة ومبادئها رفض ومقاومة التدخلات والوصاية الخارجية على الشأن اليمني وطرح هذا الرفض صراحة على الملك فيصل في الرياض في فبراير 1974م عندما أخبره أن سيقوم بمعالجة الأحوال في اليمن بما فيه مصلحة شعبه وأنه لن يقبل أن يكون شمال اليمن منطلقاٍ للاعتداء على جنوبه وطلب منه إيقاف الأموال التي تسلم لبعض الشخصيات السياسية والقبلية وتوجيه المساعدات إلى الدولة وكان بعد ذلك أن أتفقت الرغبة الخارجية مع بعض القوى الداخلية في العمل على زعزعة الحكم في اليمن فقام القاضي عبدالرحمن الإرياني بأحد مواقفه المستلهمة قيم ثورة سبتمبر الحريصة على استقرار الشعب اليمني وقام بتقديم استقالته إلى مجلس الشورى في 13/6/1974م قبل أن تسقط قطرة دم.
< ما هي نصيحتكم للشباب في ذكرى ثورة آبائهم وأجدادهم ثورة سبتمبر الخالدة لا سيما ونحن نعيش مرحلة التغيير¿
أن نتحدث عن قيم الثورة بدلاٍ من الثورة بصورة مجردة لأن القيم هي التي تنتج الثورة بمعناها ومبررها وحيويتها فالثورة كحدث تمر عليها السنوات ويشوبها نزق وقد نتحول إلى صنم التمر الذي كانوا يعبدونه ويأكلونه في آخر اليوم بينما قيم الثورة قيم إنسانية سامية تهفو إليها النفوس وتنجذب إليها العقول وتدق لوقعها القلوب ويتمثلها القائمون بالشأن العام في أعمالهم وأفعالهم وممارساتهم في نزاهتهم أولاٍ وفي إخلاصهم ثانياٍ وفي تواضعهم ثالثاٍ وفي حرصهم على أموال الشعب ومصالحه وعلى تلمس معاناته ومداواة جروحه وتخفيف آلامه.
وأود أن أوجه كلامي إلى جيل الشباب بأن ما شاهدوه من فساد زمن صراع على المصالح وتهافت على المنافع لا علاقة له بثورة سبتمبر المجيدة وقيمها الإنسانية الخالدة حتى وأن تمسح البعض بها فالثورة براء من كل ذلك.. وسبتمبر براء من كل ذلك وعلى الشباب واجب تصحيح الوضع ومسئولية إجلاء وجه سبتمبر وتطبيق قيمه ومثله وذلك بعدم السكوت عن الأخطاء والانحرافات والاختلالات وبالمطالبة الدائمة بالمساءلة والمحاسبة حتى تبقى قيم الثورة العظيمة حادياٍ للمستقبل.