
حـــاوره /محمد محمد إبراهيم –
جاء تباعاٍ لما حصل في المدرسة العلمية بصنعاء
¶وصول الغذاء إلينا رغم الحصار أشعرنا إن أهالي تعز وكل الناس الذين حول الأحمدية يعيشون معنا لحظة بلحظة ويشاركونا كل ما نحن فيه
¶ ما شهدته الأحمدية من احتجاج يعتبر أول إضراب مدني في اليمن والجزيرة العربية بشكل عام
¿ عندما لم يجد الناس وسائل مواصلات تقلهم جاءوا من عدن وردفان وأبين والضالع مشياٍ على الأقدام إلى صنعاء وتعز
¿ صغار السن من أبناء تعز كانوا يدرسون في النهار وينصرفون إلى أسرهم لكنهم بقوا معنا في المدرسة طيلة أسبوع الإضراب ورفضوا بيوتهم
¿ لم يعد الطلاب وحدهم من عدن بل عادت اليمن كلها شمالاٍ وجنوباٍ للدفاع عن الثورة السبتمبرية الأم
¿ استمر الإضراب أسبوعاٍ وكنا محاصرين حصاراٍ محكماٍ من قوات الإمام الأحمد
¿ كان ثمة عمل سياسي منظم يجري داخل طلاب المدرسة الأحمدية دافعه الاتجاه القومي والبعثي والوطني
في الحلقة الثانية من هذا الحوار الصحفي مع المفكر الاجتماعي والمؤرخ اليمني الدكتور حمود صالح العودي نواصل عبر ذاكرته استطلاع وقراءة البدايات الأولى لنشوء الحركة الطلابية في مدرسة الأحمدية في تعز .
هذه الحلقة أيضاٍ تطرقت إلى التفاصيل الشيقة ذات المنحى الإنساني الذي يلخص مشاهد الحياة السياسية والفكرية والعلمية المحيطة بالمدرسة الأحمدية كأبرز العوامل التي لعبت دورا مؤثرا في مسار تنامي حركة طلاب الأحمدية وقصة الإضراب المتواصل على مدى أسبوع وضرب الحصار المحكم على المدرسة من قبل قوات الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين وحكايات من داخل الجو الطلابي العام داخل المدرسة الأحمدية وقصة تهريب المواطنين للأكل والفلوس إلى داخل المدرسة خوفاٍ أن يموت الصغار من الجوع وما رافق ذلك من مساومات مع الجند المحاصرين للمدرسة حد إنه تم دفع عشرة ريالات فرانصي – ثروة كبيرة حينها- لمن يهرب عشرة أرغفة ..
في هذه الحلقة أيضاٍ نتابع عبر أحد أبرز طلاب الأحمدية حبا للعلم والتزاماٍ بقيم الإسهام في تنوير المجتمع قصة خطاب نائب الإمام «الوشلي» المرتبك داخل المدرسة وإخراج الطلبة إلى عند الإمام في مقره بالمقام بالجحملية في خطة تكتيكية لتهريب الطلاب الكبار إلى عدن عبر طرق متفرقة.. كي لا يصل إلى الإمام إلا من كان طفلاٍ غير راشد ثم عودتهم للمدرسة .. وتفاصيل أخرى عن قصة وصول طلاب الأحمدية قبيل الثورة بأسابيع ثلاثة إلى عدن وجو عدن قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وعود ة الطلبة وهبة اليمن شمالا وجنوباٍ للدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر .. وأول مهمة يْكلف بها العودة في العشرة الأيام الأولى للثورة بعد عودته من عدن إلى صنعاء وتفاصيل أخرى…… إلى تفاصيل الحلقة الثانية من هذا الحوار
> ذكرت في الحلقة السابقة حدث انفصال سوريا عن مصر وإن مجموعة من الطلبة كانوا قد دخلوا ضمن التأطير الحزبي في حركة القوميين العرب وفي البعث.. هل نفهم من هذا إن تلك الأحداث العربية كانت بداية للحركة الطلابية ¿
ربما .. لكن ليس الحركة الطلابية تجاه قضايا الداخل وإنما هي أيضاٍ امتداد أو انعكاس للبعد القومي الطلابي لأننا استأنا من الانفصال ولأن عبد الناصر كان بالنسبة للناس جميعاٍ رمزاٍ كبيراٍ جداٍ وكان صوت أحمد سعيد الذي يعلق من صوت العرب في صباح كل يوم هو الرسالة اليومية التي ينبني عليها كل التعليمات لما ينبغي فعله خلال كل (24) ساعة.. إضافة إلى أنه كان يتم تسريب الكثير من الصحف والمجلات من عدن إلى تعز.. إضافة إلى أن جهاز الراديو قد وصل ليس إلى المدن الرئيسية فحسب بل وإلى القرى من بداية الخمسينيات.. لذلك كان من الطبيعي إننا نتابع مجريات أحداث الساحة العربية فخرجنا بمظاهرات ولافتات وهتافات ضد الكزبري الذي قاد الانفصال وكان موقفاٍ شهيراٍ أدى دوره في ذلك الوقت وبدأ يشكل بالنسبة لنا حافزاٍ لاستمرارية الوعي الوطني.
> كيف تعامل الإمام أحمد مع مظاهرات الطلاب ذات البعد القومي¿
– للأمانة لم يحدث أي تبعات أو اعتراضات لمظاهرتنا ضد الانفصال لأن الإمام كان عنده مشروع للوحدة.. وكان يطالب أن يكون مع الإخوة السوريين والمصريين في مشروع الوحدة وكان يخشى عبد الناصر بدرجة كبيرة.
> كانت خشية أم احتراماٍ سياسياٍ للزعيم عبد الناصر¿!
– كانت خشية.. بدليل أنه عندما نجح الانفصال وضعف موقف مصر بدأ الإمام يهاجم عبد الناصر وله قصائد شعرية في هذا الموضوع أضف إلى ذلك أن الإمام أحمد كان مناوراٍ سياسياٍ خطيراٍ من الدرجة الأولى..
> هل كان هذا البعد القومي نواة لتكوين وعي الطلاب الوطني وما تبعه من اضطرابات ¿!
– من قبيل تفتح مدارك الطلاب على ما يجري في الواقع العربي نعم أحد العوامل التي ساهمت في زرع بذور الوعي الوطني والقومي.. والدليل إنه بعد ذلك بفترة قصيرة وفي العام التالي تحديداٍ جاءت الحركة الطلابية أولاٍ في صنعاء ثم في تعز..
> بعد ذلك بدأت الحركة الطلابية.. هل كان ثمة أجواء تنظيمية لهذه الحركة قبل حدوثها¿
– أنا في حد علمي أنه كان ثمة داخل المدرسة عمل سياسي منظم مرتبط بثلاث جهات حركة القوميين العرب البعث بعض الضباط الأحرار الموجودين في الشرطة وليس في القوات المسلحة.. وأتذكر منهم يحيى الفقيه وآخرين..
> أين كنت أنت من هذا العمل السياسي المنظم والخفي.. ¿ وماذا حدث بالضبط¿
– للحقيقة أنا لا أدعي أنني كنت طرفاٍ مباشراٍ في هذا العمل السياسي ولكن كنت أدركه وأشارك فيه من خلال الزملاء الكبار القادة الذين كنا نسير خلفهم دائماٍ.. فأنا كنت من المتحمسين وليس في المقدمة.. وأتذكر أن الحركة الطلابية في تعز جاءت كدعم ونجدة للحركة في صنعاء إذ أن الحركة الطلابية بدأت في صنعاء وتطورت في صنعاء وتعز وأتذكر أن الخلاف بين الطلاب بدأ مع مدير المدرسة.. ثم تطور إلى صدام تمدد إلى خارج المدرسة على شكل تظاهرات واحتجاجات فحدث اشتباك بين العساكر والطلاب خصوصاٍ في صنعاء ومدير المدرسة الذي كان له علاقة مباشرة بالإمام والنائب.. وبالتالي تطور الموضوع في صنعاء إلى وجود حالة من التذمر فتم البطش ببعض الطلاب ومحاصرة البعض الآخر.. لكن فيما بعد حصلت مظاهرة واسعة في صنعاء وهتفوا بسقوط الإمامة والملكية.. ودعوا لمفهوم الثورة في كل اتجاهات المدينة ولم يعد باستطاعة أحد الوقوف في وجوههم إلى آخر النهار حتى بدأ الجنود والشرطة يصطادوهم ويحاصروهم كل مجموعة في مكان واستطاعوا اعتقال العشرات من الطلاب الكبار المحرضين.. واقتيد البعض إلى سجن الرادع وبعضهم أرسل إلى حجة وآخرون إلى السنارة وشهر بهم تشهيراٍ كبيراٍ وأول ما وصلنا خبر ما حدث للطلاب في صنعاء تضامنا في المدرسة الأحمدية مع زملائنا في صنعاء وبدأنا عملية الإضراب داخل المدرسة حتى لا يتم اصطيادنا كبديل أفضل من الخروج فيْفعل بنا حدث لزملائنا في صنعاء فاستمر الإضراب أسبوعاٍ كاملاٍ وفرض حصار خارجي على المدرسة لا ماء ولا غذاء.
> هل قطعت الكهرباء ¿!! وماذا عن تعامل الأهالي مع هذا الحدث¿
– الكهرباء كما أتذكر لم تقطع حيث كانت موجودة وللعلم تعز أول مدينة يمنية تدخلها الكهرباء أيام الإمام أحمد بعد مدينة جبلة التي شهدت الكهرباء قبل أي مدينة يمنية بفضل مساعدة ما يسمى بالفرق الاسماعيلية في الهند حيث قدمت هذا العمل من أوقاف أوقفتها هذه الفرق لمرافق الدولة الصليحية.. وذلك تقديراٍ لدور الصليحيين وبالأخص السيدة أروى التي أوقفت أيضاٍ أوقافاٍ لهذه الفرق في الهند وباكستان أيام دولتها كرعاية ودعم للدارسين والمسلمين الجدد الذين دخلوا الاسلام أيام دولة السيدة أروى.. ومن مفارقات الأمور إن الأهالي كانوا على درجة عالية من التضامن مع الطلاب المضربين في ذلك الأسبوع العصيب فكانوا يجتمعوا ويتابعوا بقلق ما يحصل لهؤلاء الطلاب خصوصاٍ الأطفال الصغار فكانوا يجمعون الأكل ويهربوه تهريباٍ إلى داخل المدرسة وكان العسكر من منطقة الاهنوم يرفضون إدخال الأكل .. فكانوا يعطوهم مقابل (الخْمِاري) -الرغيف- ريالاٍ فرانصياٍ.. فمن يدخل مثلاٍ عشرة أرغفة يحصل على عشرة ريالات فرانصي وهذا مبلغ كبير جداٍ حينها.. وكان هذا العطاء من الأهالي تعاطفاٍ خوفاٍ من أن يموت الطلاب والأطفال جوعاٍ.. فدخلتú بعد ذلك إلى المدرسة من الأغذية ما لم تكن نعرفها أو نحلم بها حتى الفواكه واللحم إلى اليوم السابع وحدث ما حدث.
> هل تتذكر أحداٍ ممن كان يمدكم بالأكل¿.. وماذا حدث في اليوم السابع ¿
– لا أتذكر .. لأن هذه الأشياء تصلنا تخفياٍ فلم يكلمنا أحد أن (فلاناٍ) أرسل.. ولكننا نؤمن بأن كل مواطن من أهالي مدينة تعز وكل الناس الذين كانوا حولنا خارج المدرسة يعيشون معنا لحظة بلحظة ويشاركونا كل ما نحن فيه وكانوا معنا قلباٍ وقالبا أما ما حدث في اليوم السابع فأتذكر جيداٍ أن عمال النقطة الرابعة الأمريكية التي بدأت تشق الطريق بين تعز والحديدة وكان مقرهم أمام المدرسة وهو مبنى وحيد قد أضربوا في اليومين الخامس والسادس عن العمل وتحركوا إلى السوق يناشدون الناس بإضراب مدني.. فشهد اليوم السابع إضراب السوق كله من أسفل العقبة إلى باب موسى معلنين إنهم سيواصلون الإضراب حتى تحل مشكلة الطلاب وهذا يجب أن يؤرخ كأول إضراب مدني في اليمن والجزيرة العربية فجاء على إثر ذلك نائب الإمام في تعز واسمه «حمود الوشلي» ودخل المدرسة وكان مرتبكاٍ وهو يخطب وكان من ضمن ما قاله للأسف الشديد « يا أبناء الإمام أنتم أبناء الإمام وهو الذي يؤكلكم ويسقيكم ويسكنكم فلا تزبطوا نعمة مولاكم فهو: « إنما يطعمكم لوجه الله».. فأنا أتذكر هذه الكلمة بالنص وبعد خروجه أحست قيادة المدرسة بالخطر أنه يمكن أن تقتحم المدرسة بالقوة.. فقرروا إخراجنا منها وفق تنظيم أمني دقيق فوضعوا الكبار في الوسط والصغار في المقدمة والجوانب والمؤخرة وللعلم كان عندنا طلاب صغار السن يقال لهم «نهاريين» أي يدرسوا في النهار وينصرفوا إلى أهلهم في المساء وعندما أضربنا فضِلوا البقاء معنا في المدرسة ليلاٍ ونهاراٍ ورفضوا الذهاب إلى بيوتهم رغم محاولة أسرهم إقناعهم بالعودة للبيوت.. وخرجنا على هذا الشكل مرددين أنشودة تقول: (في طريق النصر سيروا / وعلى الطغيان ثوروا / ودْعاة التفرقة) ومشينا موكباٍ كبيراٍ من باب المدرسة واتجهنا صوب منطقة الضربة حيث المسبح الآن في الجبل ولم يحدث أي شيء.. فعند وصولنا منطقة الضرسية كانت عملية الفرز مرتبة دون أن ندرك ونحن في الصف الثاني حيث تم فرز الطلاب الصغار على جنب وقالوا لهم أنتم ازملوا وارجعوا على باب المقام وقْولوا للإمام: «يا مولانا.. إحنا بذمتك وإحنا أطفال صغار».. وقولوا: «حفظ الله مولانا الإمام» اطلبوا منه يعيدكم إلى المدرسة.. وقالوا للطلاب الكبار – وأنا منهم – : «خلاص كل واحد يغير شكله وملبسه ويذهب في طريق ونلتقي في عدن». ومن حسن الحظ أنه ما تحركنا في اتجاه «ورزان» جنوباٍ إلا والبوابير و السيارات في طريقنا.. يقلون الطلاب دون سؤال ولا أحد يمشي من جوار أي طالب دون الوقوف له ليحملوه باتجاه عدن .. وكان ذلك قبل الثورة بشهرين فقط.
طلاب الأحمدية في عدن
> عندما وصلتم عدن من ساعدكم واستقبلكم¿
– عندما وصلنا استقبلنا الإخوة في الاتحاد اليمني وتولانا بالرعاية وتولنا الكثير من التجار الطيبين ومنهم بيت الأسودي أذكرهم بكل خير فكانوا يعطوا الواحد كل يوم (شلن ونصف).. وظلينا نتردد على مقر الاتحاد اليمني وعلى معارفنا وأقاربنا المقيمين في عدن وكان عدد الطلاب يتجاوز الستين طالباٍ من صنعاء وتعز وإب وذمار وغيرها ولم يكن يوجد واحد منهم إلا ووجد قريب أو معروف من أهل قريته أو منطقته مقيما أو تاجراٍ في عدن التي كانت ولم تزل موطن وقبلة اليمنيين من كل منطقة.
> قامت الثورة – بعد ذلك – في صنعاء.. كيف كان وقع سماع الناس لخبرها في عدن¿
– قبل سماع الثورة وما يستدعي الإشارة إليه وهو أن عدن في تاريخ 24 و25 من سبتمبر 1962م قبل الثورة في صنعاء بيومين عاشت أجواء مظاهرة كبيرة جداٍ وشهيرة ضد اتحاد الجنوب العربي المشروع الذي كانت تدعمه بريطانيا لطمس الهوية اليمنية نهائياٍ فدخلنا في المظاهرة كلنا بصخب كبير وتفاعل وطني نادر.
وفي يوم 26 سبتمبر 1962م وبعد يوم فقط من تلك المظاهرة قامت الثورة في صنعاء وأجواء عدن عامرة بصخب تلك المظاهرة التي ترفض اتحاد الجنوب العربي وتطرح قضية التحرير والاستقلال فشعر الناس بنشوة انتصار إضافية أو فاتحة انتصار اليمنيين على مشاريع الاستبداد والاستعمار والتفرقة.. فكان الناس يتابعون المذياع بحماس منقطع النظير والكل يردد أحاديث الثورة وبياناتها وتفاصيل كثيرة.. منها ما هي حقائق ومنها ما هو غير ذلك من باب تكبير الأحداث.
العودة من عدن
> حينها فكرتم بالعودة من عدن كيف كانت العودة¿ وإلى أين¿
– بالنسبة للعودة قصتها عجيبة فعندما قامت الثورة استنفر الناس جميعاٍ وهبوا لنصرتها تحت دافع هاجس الخوف من عودة نتائج 1948م ونهب صنعاء والسيف الذي طال رؤوس النخب اليمنية وتحت هذه اليقظة تحركنا من عدن استجابة لدعوة الثوار في صنعاء وتعز لنصرة الثورة حيث دعوا جموع الناس وفئات المجتمع إلى الدخول في الحرس الوطني أو المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة بعد أن برز أعداؤها منذ اليوم الأول وهروب البدر.
> من عاد معكم (الطلاب) من عدن¿
– عودتنا لم تكن مجرد عودة طلاب بل عودة الشعب اليمني فقد عدنا مع جموع الشعب شمالاٍ وجنوباٍ والذي لم يكن في حسبان أحد إن هذا شمالي أو هذا جنوبي فالكل انطلق صوب تعز وصنعاء لنصرة الثورة والدخول في الحرس الوطني أو المقاومة الشعبية ليس طواعية فحسب بل وعزيمة على التضحية بالمال والنفس مقابل انتصار الثورة اليمانية الأم التي جاءت كثمرة نضال اليمنيين شمالاٍ وجنوباٍ في الداخل أو في الخارج.. إلى درجة أن الناس الذين لم يجدوا سيارات ومواتر تقلهم انطلقوا مشياٍ على الأقدام .. من عدن وردفان والضالع وأبين ويافع حتى وصلوا تعز وصنعاء والتحقوا بالمعسكرات.. معسكر المقاومة الشعبية أو الحرس الوطني..
وأتذكر أننا وصلنا تعز وذهبنا إلى القيادة وكنت أنا والأخ عبد الحميد الحدي .. وبعض الإخوان الذين جاءوا معنا وكان في القيادة حينها الأخ/ صالح الأشول – رعاه الله – جهز لنا سيارة وانتقلنا إلى صنعاء وحال وصولنا التحقنا بالحرس الوطني وكان في نفس الأسبوع الأول للثورة.
> حال وصولكم صنعاء كيف وجدتم جوها العام بعد الثورة ¿
– للأمانة جو وزخم الحماس الثوري والجماهيري في صنعاء غير زخم عدن وتعز والمناطق الأخرى.. فعدن وتعز كانت تعيش الثورة بنشوة الفرح والانتصار والاستعداد للدفاع عن الثورة.. بينما صنعاء كانت تعيش حالة حرب بكل المقاييس فالمكان والإنسان في لحظة انتظار بركان حرب ضروس.. لأنه لا زال الحال في صنعاء غامضاٍ والناس مقسومين بين مؤمن بالثورة وبين مؤمن بهاجس عودة الإمام البدر خصوصاٍ وهو لم يْقتل واحتمال عودته كبيرا ٍكما فعل والده فكانت النفسية العامة في صنعاء تتلخص في أن عندهم صورة قاتمة جداٍ لسقوط الإمام أو الانتقال بين الدولتين وأن صنعاء ستكون ضحية بكونها ساحة حرب ونهب وبطش كما حصل في 1948م من أحداث مأساوية لا تنساها ذاكرة اليمنيين من أهل المدينة وغيرها خصوصاٍ و»البدر» أفلت من قبضة الثوار متنكراٍ بلباس امرأة ومعنى عودته تكرار سيناريو والده في 1948م وبالتالي هاجس الناس كان يحدث الغالبية منهم أن هؤلاء الثوار لن ينتصروا وأن الإمام سينتصر ولن ينفعوا في الدفاع عن صنعاء كسابقيهم فكان الجو ملبداٍ ويحتاج إلى روح وهمة ثورية تنقل الناس إلى اليقين بشرعية ونصر الثورة.. وهذا للحقيقة ما فهمه الناس والشباب من الثوار في صنعاء وغير صنعاء فعززوا من روح الثورة بأن امتلأت صنعاء بالناس المجمهرين من كل حدب وصوب وبدأت الحياة تدب بشكل طبيعي في اتجاه واقع الثورة وانتصارها.
> بعدها أين تم توزيعكم مع رفاقك ¿
– بعد دخولنا الحرس الوطني تم توزيعنا بعد التسليح والتدريب البسيط على حراسة قصر علي ابن الإمام الذي هو خلف السفارة الروسية اليوم وكان أحد قصور الأئمة العامرة وفيه ما لذ وطاب وكانت هذه هي أول مهمة لي مع بعض الزملاء.. وكنا في حماس ووطنية وكانت داخلنا ثورة قيم وحب وحرص وإخلاص كنت أنا والإخوة محمد النمر وعبد الحميد الحدي وآخر من بيت الشامي وآخرين لا أتذكرهم .. وتصور إننا قعدنا في هذه المهمة نحو (25) يوماٍ على البلاط الأسود الحِبِشú خارج دار الحمد تحت البوابة لحراسة هذا القصر وكنا نذهب نجيب الكْدِمú من المدرسة ونأكلها على شاي إذا توفر ولم يفكر منا أحد أنه يصعد درجة واحدة من سلم القصر للبحث عن شيء أو لتخريب شيء كونه تابعاٍ للإمامة البغيضة.. ليس خوفاٍ من أحد فالإمام قد ذهب وقصره المنيف دار الحمد تحت تصرفنا كشباب ثائر وإنما أمانة وأخلاق وعلى أساس أن هذا القصر بما فيه كان حق مغتصب بيد الطاغية وعاد الآن إلى الشعب فهو حق الشعب ونحن نحميه ومن العار والمشين في حقنا أن نمس به.. أو يْمس من أحد وهو بحمايتنا.
وأتذكر أن فريقاٍ كْلف لحصر ما في القصر جاء وعلى رأسه الذين جاءوا بعد (25) يوماٍ شخصان هما العقيد/ علي سيف الخولاني والشيخ المقرئ / الصفي محبوب (أحمد محبوب) فمن حق الفضول صعدنا معهم لنحصر فتصور أخرجوا كتلاٍ من الشوالات النقود والأموال والذهب وغيرها من الممتلكات الثمينة ولم يخطر في بال أحدنا أن نقول لهم جيبوا لنا حق الحراسة وعلى أساس أن هذا سيوزع على الشعب وسيصل نصيبنا كجزء من الشعب دون كلام.
العودة للدراسة
> هل واصلت في الحرس الوطني بعد ذلك أم ذهبتم للدراسة ¿
– بعد حراسة دار الحمد ذهبنا إلى العرضي لأداء فترة التدريب بعد التجنيد في الحرس الوطني لكني لم استمر في التجنيد لأن الأولوية كانت عندي لا تخرج عن مواصلة الدراسة ففضلت الانتقال لمواصلة دراستي خصوصاٍ بعد مجيء المصريين وبدأوا ينظموا المدارس وأعلنوا امتحان قبول لأول ثانوي وأول إعدادي بغية تحديد المستوى التعليمي لأول ثانوي ولأول إعدادي فأنا دخلت امتحان أول ثانوي ونجحت وبناء على ذلك واصلت الثانوية.. وبعدها ذهبت للدراسة والبحث العلمي في مصر بعد حصولي على الشهادة الثانوية ضمن أول دفعة ثانوية بعد الثورة.