الدين والحياة / وليد المشيرعي –
الإساءات المتكررة لنبي ودين الإسلام من قبل وسائل النشر في الغرب وعلى ألسنة العديد من الشخصيات الروحية والسياسية والمثقفين وحتى في ألعاب الكمبيوتر والتدريبات العسكرية التي جعلت المواقع الإسلامية المقدسة ميداناٍ لها ..كل هذه السلسلة من الإساءات قوبلت وعلى مدى العقود الماضية بردود فعل متشنجة من قبل جمهور المسلمين وأنظمتهم حتى ود البعض أن يوغل في الرد عليهم إلى حد القتل وغيرها وهو ما حدث يوم الثلاثاء الماضي في ليبيا بقتل السفير الأمريكي وثلاثة من موظفي السفارة على أيدي جماعة متطرفة استفزها فيلم قصير تم بثه على الإنترنت يتضمن تمثيلاٍ لشخصية الرسول الأكرم وهو ما يعتبر إساءة بحد ذاته حتى دون معرفتنا بمضمون الفيلم ..وهنا ينبغي التأكيد على خطورة مواجهة هذه الإساءات بالقتل والتخريب والتدمير لمنشآت دبلوماسية في بلدان المسلمين فذلك بالضبط ما يريده مطلقو تلك الإساءات ولسان حالهم يقول لجمهورهم :ألم نقل لكم أن المسلمين إرهابيون بالفطرة وأن دينهم دين القتل والتدمير والكراهية للآخر .
تجارب مكررة هل نستوعبها ¿
نتذكر جميعاٍ في أواخر الثمانينيات المظاهرات التي اجتاحت العالم الإسلامي والمكافأة الإيرانية الضخمة التي وضعت مقابل رأس الكاتب المغمور سلمان رشدي صاحب (آيات شيطانية)..وكيف أدى ذلك إلى منح رشدي جائزة نوبل للسلام وترجمة روايته المسيئة للرسول إلى 70 لغة حية ..ونتذكر الفتنة العظيمة التي أحدثتها الرسومات المسيئة للرسول الأكرم في صحيفة دنمركية هابطة لا يقرأها سوى المئات ثم أصبحت بعد هذه الحملة صحيفة عالمية تنظم مسابقات دولية في الرسم المسيء لرسولنا ودينن
فماذا نتوقع اليوم أن تحصده تبعات العنف الذي قابلنا به الفيلم الإلكتروني القصير والتافه الذي يسيء لشخصية نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ¿ وهل سيقوم حماة حرية الرأي في الغرب باحتضان طاقم الفيلم وتكريمهم وتطوير عملهم التافه إلى فيلم بتكاليف وإمكانات كبيرة نظراٍ لما حققه من أصداء وردود فعل على مستوى العالم ¿ وماذا لدينا لنقابل به قادم الإساءات التي لاشك ستتوالى ولن تتوقف بحكم ما يحصل عليه أصحابها من شهرة وثراء بسبب رد الفعل الإسلامي المتشنج والمصادم الذي يقابلها ¿
ولكن وقفة تأمل منا قد تجعل من هذه الأزمة انفراجة طال انتظارها وبركة ينشرها الله – تبارك وتعالى – بين الناس :
وعد الله
الله – عز وجل – قد وعد بنصر أوليائه من المؤمنين في الأرض ولو بعد حين «وِكِانِ حِقاٍ عِلِيúنِا نِصúرْ الúمْؤúمنينِ» (الروم: من الآية47) وتكفل بحفظ القرآن العظيم «إنِا نِحúنْ نِزِلúنِا الذكúرِ وِإنِا لِهْ لِحِافظْونِ» (الحجر:9) وتعهد بنصر رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – «إنِا كِفِيúنِاكِ الúمْسúتِهúزئينِ» (الحجر:95) و»فِسِيِكúفيكِهْمْ اللِهْ وِهْوِ السِميعْ الúعِليمْ»(البقرة: من الآية137).
ووعد الله – تبارك وتعالى – (ووعده الحق) أن يخرج الحي من الميت ومن الظلمات إلى النور وأن يجعل بعد عسر يسراٍ وبعد الضيق فرجاٍ «يْخúرجْ الúحِيِ منِ الúمِيت وِيْخúرجْ الúمِيتِ منِ الúحِي وِيْحúيي الúأِرúضِ بِعúدِ مِوúتهِا»(الروم: من الآية19) و»فِإنِ مِعِ الúعْسúر يْسúراٍ» (الشرح:5)
وأمام هذه الإساءات علينا أن نعي ما بين أيدينا اليوم من فرصة ذهبية مهدها الله بقدرته وعظيم صنعه وتقديره لكافة المسلمين.. على اختلاف ألوانهم ولغاتهم.. ومهد لغيرهم من الأمم الأخرى فضول الاستماع لما يقوله المسلمون.
ويجب ألا تعمي الإساءة أعيننا عن اغتنام الفرصة ويكفي أصحاب الرأي والهمة أن يتذكروا ما قاله – عليه الصلاة والسلام – حينما هجاه بعض الكفار ذاكرين اسم «مذمم» بدلاٍ عن «محمد» زيادة في الذم فكان قوله – صلى الله عليه وسلم – لصحابته الذين ساءتهم مقالة الكفار « لا تعجبون كيف يصرف الله عني أذى قريش وسبهم هم يشتمون مذمماٍ وأنا محمد». رواه البخاري. فهم هنا رسموا رسومات لشخصيات وهمية في أذهانهم وهي ليست – بلا شك – رسومات للنبي – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – .
دون أن ننتقص من حق الرد على هذه الإساءة مثلما حدث حين هجا بعض الكفار رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – فقال له حسان بن ثابت: «أتأذن لي يا رسول الله أن أهجوهم» فأذن له.
ولطالما كتب الله – تبارك وتعالى – نصراٍ للدعوة ولدين الإسلام خلال نائبات الدهر والأحداث الجسام واستفاد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من ذلك في نشر الدعوة وتوصيل رسالة الدين إلى بقية الأمم كمثل إسلام النجاشي (ملك الحبشة) في أضيق أوقات المسلمين من هجرتهم بعد طول إيذائهم. وحين كتب الله لرسالة نبيه الظهور والانتشار بعد أن هاجر عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة مكرهاٍ حين مكر كفارها لقتله. وضاقت به الأرض.. فكانت المدينة التي أنارها الرسول بوصوله أول موطئ لدولة الإسلام التي انتشرت حتى وصلت أطراف الأرض.
ومنها دخول أعداد كبيرة من الناس في الإسلام بعد أن منعت قريش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من دخول مكة المكرمة للعمرة عام 6 للهجرة (عام الحديبية) وضاقت الأرض على المسلمين وقال عمر بن الخطاب للنبي: «ألسنا على الحق وعدونا على الباطل…» (الحديث) رواه البخاري. حيث استفاد – عليه الصلاة والسلام – من الهدنة التي وقعها مع قريش بعد تلك الواقعة في تعزيز الإسلام ونشره بين الناس في المدينة فيما كانت تقدم عليه أفواج من المسلمين من مكة وغيرها.
وما يجب أن يدركه المسلمون اليوم هو أن هذه المحنة التي أنزلها الله علينا بداية خير كثير لو استفاد منها المسلمون بطرق عديدة. وأن شعاعاٍ عظيماٍ من الأمل والنصر قد أشرق من جنباتها المظلمة. فماذا ننتظر¿
يقول الله – تبارك وتعالى – : «حِتِى إذِا اسúتِيúأِسِ الرْسْلْ وِظِنْوا أِنِهْمú قِدú كْذبْوا جِاءِهْمú نِصúرْنِا فِنْجيِ مِنú نِشِاءْ وِلا يْرِدْ بِأúسْنِا عِن الúقِوúم الúمْجúرمينِ» (يوسف:110).
اليوم.. يهتم الكثير من الغرب بما يحدث من إساءة لنبي المسلمين ويترقبون ما يصدر عن المسلمين من أقوال وأفعال لا تخرج (في رأيهم) عن الإساءة لمنفذي الفيلم المسيء والحكومة والشعب الأمريكي والإساءة للنصارى ودينهم والتهديد بالقتل والوعيد بالثأر بما فيها المحاكمات القضائية فضلاٍ عن المنحى الرسمي الذي يتخذ طابع «التنديد والاستنكار!».
وقد استطاع الإعلام العربي والإسلامي (على اختلاف وسائله المتلفزة والمطبوعة والإذاعية والإلكترونية) أن يحدث ضجة إعلامية حقيقية أثارت فضول الملايين من الأمم الأخرى لمعرفة «ماذا سيقول المسلمون رداٍ على هذه الإساءة العظيمة».
وهذه بحد ذاتها نعمة أنعمها الله – تبارك وتعالى – أن جعل الأمم الأخرى مستعدة لسماع ما نقوله.. فماذا يجب أن نقول¿
هنا يجب أن يغتنم المسلمون هذه النعمة العظيمة وينتقلوا من حالة «الدفاع عن الرسول» بالطرق التقليدية إلى «حالة الهجوم» بالطرق غير التقليدية.
وأن يصبح توجههم إلى الغرب بهدف «الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنى».. وهناك درس عظيم في تاريخنا يمكن الرجوع إليه والاستفادة منه في تحقيق هذه الغاية فكما قال – صلى الله عليه وسلم – : «لأن يهدي الله بك أحد خير لك من حمر النعم».
ويتمثل في قصة إسلام النجاشي على يد جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – عندما استطاع أن يوجد خطاباٍ دعوياٍ بالغ الرقي يخاطب به ملكاٍ يدين بالنصرانية أدخله في الإسلام ببركة الحدث والوقت والخطاب التي هيأها الله – تبارك وتعالى – .
خطابنا اليوم
الخطاب الذي ينتظره النصارى من المسلمين اليوم خطابَ يحمل في طياته انتقاصاٍ من دينهم وإساءة لأحبارهم ورهبانهم وهجوماٍ على معتقداتهم وأفكارهم.. يحمل في طياته حقداٍ وتهديداٍ وتطرفاٍ..
فلم لا نجعل خطابنا لهم سهماٍ نطلقه بعناية لعل الله أن يمن علينا بنصر في الأرض ونور من ظلام وصد عن نبينا بدخول أمم أخرى في دين نبينا – صلى الله عليه وسلم – .
ولعل ذلك يتأتى – بإذن الله – بخطاب يتضمن ما تضمنه كلام جعفر بن أبي طالب من عرض المشترك بين دين الإسلام والمسيحية التي يؤمن بها غالبية أهل الغرب وعرض الآيات من القرآن الكريم وسنة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – التي تحث المسلمين وتأمرهم باحترام نبي الله عيسى – عليه السلام – وأمه الصديقة – عليها السلام – وغيرها.
قصة من الواقع
ويورد أحد الدعاة أنه قام بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية و حضر خطبة جمعة في مسجد التقى بعدها برجل أمريكي أسلم حديثاٍ فحدثه عن إسلامه وأنه كان في طائرة يجلس إلى جانبه رجل مسلم دخلا في نقاش حول الأديان فذهل عندما سمع من المسلم قوله: «عيسى عليه السلام» و»مريم العذراء عليها السلام» فسأله أو مؤمن أنت بما تقول فقال له المسلم: «نعم.. قرآننا وديننا يأمرنا بذلك» وعرض عليه ما يقوله القرآن ونبي الله في عيسى – عليه السلام – وأمه الطاهرة وأخبره أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال في حديثه الصحيح: « إن الله منزل عيسى – عليه السلام – في آخر الزمان يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد على ملة أبينا إبراهيم. وتحاشى ذكر أن المسيح سوف يدعو إلى الإسلام «وقد كان إبراهيم حنيفاٍ مسلماٍ كما أخبرنا الله تبارك وتعالى» تحاشياٍ من نفور رفيقه الأمريكي وتدرجاٍ معه في الدعوة إلى الإسلام. فبدأ الأمريكي في قبول الدين الإسلامي على أنه دين سماوي وأزال الحاجز الذي بداخله ضد كل ما هو مسلم فكانت هذه بداية طريق هدايته فكان أن فتح الله قلبه للإسلام بعد أن اطلع على تعاليمه وأوامره وأخلاقياته وأخلاقيات الرسول – صلى الله عليه وسلم – .
دعوة مفتوحة
الدعوة مفتوحة لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بكل لغاتهم بتوجيه رسائل دعوية لا تتضمن إلا ما يقرب النصارى من دين الإسلام وما يكشف لهم من تقارب بين الدين الإسلامي والمسيحية التي يؤمنون بها وما يحمل كل احترام لنبي الله عيسى – عليه السلام – ومريم – عليها السلام – .
كأن تتضمن نصاٍ من هذا القبيل موجه إلى النصارى يترجم إلى لغات عدة وينشر في كل المنتديات الغربية ويرسل إلى أكبر قدر من القوائم البريدية:
تحاول بعض الجهات المتطرفة إيجاد حالة من الخلاف بين المسلمين والنصارى بتشويه صورة نبي الإسلام محمد – صلى الله عليه وسلم – ويتحجج البعض منهم أن الدين المسيحي بأمرهم بذلك.. رغم أن ديننا الإسلامي يأمرنا باحترام نبي الله عيسى – عليه السلام – وأمه مريم العذراء – عليها السلام – حيث يقول قرآننا الكريم: «إنِمِا الúمِسيحْ عيسِى ابúنْ مِرúيِمِ رِسْولْ اللِه وِكِلمِتْهْ أِلúقِاهِا إلِى مِرúيِمِ وِرْوحَ منúهْ»(النساء: من الآية171).
ويقول عن مريم العذراء: «وِإذú قِالِت الúمِلائكِةْ يِا مِرúيِمْ إنِ اللِهِ اصúطِفِاك وِطِهِرِك وِاصúطِفِاك عِلِى نسِاء الúعِالِمينِ» (آل عمران:42)
ويقول نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – : «ما كملت من النساء إلا أربع» وذكر أول واحدة منهن مريم العذراء.
وأعلمنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن الله – تبارك وتعالى – سيرسل عيسى – عليه السلام – آخر الزمان فيقاتل الشر ويدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد على ملة أبينا إبراهيم – عليه السلام – .
ولعل في ذلك ما يؤلف بين قلوبنا ويرضي الله – تبارك وتعالى – عنا حيث قال الله – تبارك وتعالى – في كتابه: «قْلú يِا أِهúلِ الúكتِاب تِعِالِوúا إلِى كِلمِةُ سِوِاءُ بِيúنِنِا وِبِيúنِكْمú أِلِا نِعúبْدِ إلِا اللِهِ وِلا نْشúركِ به شِيúئاٍ وِلا يِتِخذِ بِعúضْنِا بِعúضاٍ أِرúبِاباٍ منú دْون اللِه»(آل عمران: من الآية64) صدق الله العظيم.
المراجع :
معمر الخليل (موقع المسلم)