الثورة –
تحقق لنا توجيهات ووصايا نبينا صلى الله عليه وسلم الاستقرار والسعادة في حياتنا الزوجية والأسرية فالزوجة الصالحة التي يحدد لنا رسولنا الكريم مواصفاتها هي سر سعادتنا وأفضل ما نحظى به في حياتنا الدنيا وقد يجعلها الله سببا في دخول الجنة بما تحققه لزوجها من عفة وما تحثه عليه من بر والديه وصلة رحم وعطف وإحسان إلى الآخرين خاصة هؤلاء المحتاجين والبؤساء الذين يحيطون بنا من كل جانب .
حدد لنا صلوات الله وسلامه عليه مواصفات الزوجة المثالية التي ينبغي أن يبحث عنها أي شاب ينشد السعادة الحقيقة فقال: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك” .
في هذا الحديث النبوي الشريف يوجه رسول الله كل من يبحث عن زوجة صالحة إلى كيفية التغلب على ما يدور داخله من تردد وحيرة حيث من النادر أن تجتمع كل الخصال الطيبة والمرغوبة في امرأة وهنا يصبح الإنسان في حيرة من أمره: هل يختار صاحبة الدين والخلق ويفضلها على من تمتلك الجمال الأخاذ والجاذبية¿ أم يفضل صاحبة المال انتظارا لما يعود عليه من ورائها هي وأسرتها¿
هنا يوصي رسول الله بما فيه الخير للإنسان الراغب في الزواج والباحث عن زوجة صالحة حيث يرشده إلى ما تتم به سعادته وغاية ما يتمناه ويظفر به فيوضح له أولا الأمور التي جرت عادة الناس على مراعاتها ويخبر بأنهم يقصدون هذه الخصال عندما يرغبون في اختيار الزوجة فتتجه عنايتهم إليها وتلح رغباتهم الدنيوية في اختيار الزوجة التي يتوافر فيها المال والحسب والجمال ويقدمون هذه الأمور على أهم المطالب كلها وهو “الدين” فيجعلونه آخر المطالب .
وقد ذكر الحديث هذه المطالب متدرجة مع نداء الرغبة والشهوة في نفوس الناس حتى إذا وصل إلى آخر مطالبهم وهو ما ينبغي أن يكون أولها لأنه أهمها حثهم عليه في صيغة الأمر بالظفر ووجههم إلى أهميته وحكمة الحصول عليه بقوله: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” .
ويشرح لنا د .علي السبكي أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالأزهر المدلول الديني والاجتماعي والنفسي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: مطالب كل رجل في زوجته لا تخرج عن: الجمال والمال والحسب والنسب والدين أو الخلق الحسن .
فالدين يأتي عند الكثيرين في مؤخرة المطالب مع أنه أهم المطالب التي ينبغي على راغب الزواج أن يجعله نصب عينيه فيتخير الزوجة الصالحة ذات الدين فهي التي تعينه على دينه ودنياه وآخرته وتصون شرفها وعفافها وتحفظ على زوجها كرامته فيأمن معها ويسكن إليها وتشرق بينهما المودة والرحمة ولذا نهى الإسلام عن أن تكون مطالب الحسن أو المال مقصودة لذاتها فإن الزوج لا يأمن معها الفتنة فقد يهلك المرأة حسنها وقد يطغيها مالها وهذا ما وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأِمة سوداء ذات دين أفضل” .
خير النساء
وكما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الزواج لأجل الجمال أو المال من دون مراعاة الدين فقد رغب في الزواج من المرأة الصالحة المتدينة الجميلة الأمينة ورسم الصورة المشرفة للزوجة المثالية في المجتمع الإسلامي فقال صلى الله عليه وسلم: “خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا أقسمت عليها أبرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك” .
وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن زواج ذات الدين نعمة كبيرة يتم بها شطر الدين فعلى من أتم الله عليه هذه النعمة أن يشكره عليها وأن يراعي حق ربه في استكمال الشطر الثاني مخلصا فيه العبادة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي” .
وإذا تحقق مطلب الدين في المرأة كما يقول د . محمد عبدالغني شامة أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر فلا مانع أن يجتمع معه المال أو غيره من الجمال والحسب أما مراعاة المال وحده من دون الدين فهذا ما نهى عنه الإسلام وحذرت منه الأحاديث السابقة وكذلك الحال بالنسبة للحسب أو الجمال .
فلا ينبغي أن يكون المال وجهة المسلم التي يقصدها من وراء الزواج ويجب على المسلم أن يسمو بالزواج وحكمته بعيدا عن المادة فالزواج ليس صفقة تجارية .
جميلة ومتدينة
لكن هل تِدِيْن المرأة يعني إهمالها لنفسها وعزلتها عن الحياة وعدم تمتعها بالطيبات¿
يقول د . محمد عبدالغني شامة: ليس المراد بالتدين تلك الصورة الشائعة بين الناس وهي أن تهمل المرأة نفسها فلا تتزين أو تنقطع عن الحياة الاجتماعية فتهرب من مواجهة الناس ولكن المراد بالتدين أن تحافظ على عرضها وشرفها وأن تطيع أوامر الله فلا تتبرج ولا تظهر من المفاتن ما يغري أصحاب القلوب المريضة فتدفعهم بهذا الإغراء إلى محاولة ارتكاب الفحشاء وأن تؤدي ما عليها من فرائض فإن فعلت ذلك فلا حرج عليها في أن تباشر من الأعمال ما يقيها شر السؤال ويحفظها من الوقوع في مأزق الفقر والعوز وذل الحرمان .
معنى ذلك أن تدين المرأة لا يعني عزلتها عن المجتمع وانطواءها على نفسها وحجزها بين الأسوار وإنما هو اتباع ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه ولا يتنافى ذلك مع خروجها إلى العمل والسعي إلى الرزق ما دامت لم ترتكب في ذلك محرما .
وهكذا نرى أن الإسلام يهدف إلى تنقية الزواج كانت نظرة الإسلام إلى الزواج وتنقية أسبابه من كل آفة تستبد بالزوج أو الزوجة من أجل توفير الرحمة والمودة بين الزوجين وتمهيد الحياة الزوجية لاستقبال الأبناء وتحقيق الحياة الطيبة لهم .
وتنكح المرأة كذلك لحسبها ويطلق الحسب في الأصل على الشرف بالآباء وبالأقارب وقال أحد العلماء: الحسب العقل الجميل للرجل وآبائه .
وتنكح المرأة كذلك “لجمالها” ولكن إذا تعارض الجمال مع الدين فلا خير فيه ويتبع جمال المنظر جمال الخلق هذا وفي الجمال عفة الزوج عن أن يمد عينيه إلى ما حرم الله وانشراح لصدره وسرور في حياته فخير النساء من إذا نظرت إليها سرتك .
عقاب إلهي
واقتصر الحديث على ذكر هذه الأمور الأربعة من دون غيرها كأن تكون الزوجة بكرا أو ولودا أو ذكية لأن هذه الأمور التي ذكرت هي التي اعتاد كثير من الناس اعتبارها في الزواج وطمعوا في تحقيقها وتقديمها على غيرها فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يظفروا به في قوله: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” . تربت يداك: أي لصقتا بالتراب وهذه العبارة كناية عن الفقر وهي هنا بمعنى الدعاء .
كما يخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الذي يريد الزواج مبتغيا به غير ما يقصد من تكوين الأسرة ورعاية شؤونها يعامل بنقيض ذلك فيقول عليه الصلاة والسلام: “من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله فيها وبارك لها فيه” .
من هنا يتضح لنا أن الوصايا النبوية الكريمة تؤكد كلها ألا يكون القصد من الزواج هو تحقيق غايات الدنيا بل الواجب أن يكون الدين متوفرا أولا فإن الدين هداية للعقل والضمير ثم تأتي بعد ذلك الصفات الأخرى وهي المال والجمال والحسب لأن صاحبة الدين لا تذله بمالها ولا تتعالى عليه بحسبها ونسبها بل تراعي حقوق زوجها وأولادها كما أمرها الله ووصِى به رسوله وذلك هو الفوز العظيم للأسرة كلها .