خالد الضبابي –
بلا جدال أصبحت السياحة بأبعادها الإستراتيجية وأهدافها التنموية خيارا أساسيا ومرتكزا قويا لتنشيط ونمو اقتصاديات الكثير من بلدان العالم خصوصا تلك الدول التي نالت الحظ الأوفر من الموارد السياحية وتوفر الأمن والاستقرار نتاج وعي تلك الشعوب وثقافتها التحضرية ومنظورها التنموي للحياة والمعيشة فكانت الرفاهية وتحسن المعيشة للأفراد الحصيلة الناجحة لبذرة النمو السياحي فازدهر الاقتصاد وزاد تدفق الحركة الاستثمارية نحو البناء والرقي والتقدم والسبب ببساطة هو الوعي المجتمعي لدى تلك الشعوب والتحول بالفكر العام نحو بناء الوطن بعيدا عن التعصب والتطرف والإرهاب وثقافة كره الآخر مهما كانت الأبعاد .
ـ نقول إن السياحة كصناعة عصرية أخذت بها معظم بلدان العالم المعاصر لتحقيق مفهوم التنمية الشاملة للشعوب ولن تزدهر كخيار اقتصادي وهدف تنموي وهم وطني إذا لم يرافقها تحول في الوعي والفكر المجتمعي حيث لا يختلف اثنان على أن الوعي ـ بمفهومة العام ـ هو أساس التنمية بل وعامل أساسي من عوامل النهضة والتطور الحضاري و يرى خبراء التنمية الدولية « أن الوعي رابط وثيق بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي يرتبط مفهومه بالتنشئة الاجتماعية للفرد في إطار المجتمع ومن خلال هذه التنشئة تتشكل سلوكيات وطباع الأفراد في إطار البيئة المحيطة « وبعد تشكل هذه الثقافة التي يكون مصدرها التربية الصحيحة يكتمل الفرد في إطار المجتمع بعدها نتمكن من إصدار الحكم الصحيح للشخصية المثقفة والمبدعة والقيادية … الخ ولن نذهب بعيدا عن هذه القاعدة الفلسفية عندما نتحدث عن « التربية السياحية « لكل أفراد المجتمع كونها نواة تشكل العقل السياحي للفرد الذي سيقوم على عاتقه تنمية السياحة وازدهارها في البلد لتصبح السياحة وسيلة من وسائل النهوض الحضاري والتنموي لجميع أفراد المجتمع .
ـ اليمن بلد جميل ويمتلك موارد سياحية عظيمة ( بشرية وثقافية وحضارية وطبيعية ) تؤهله لاحتلال الصدارة في خارطة السياحة الدولية ـ لكن ـ يقابل وفرة تلك الموارد السياحية ـ تدني مستوى الوعي المجتمعي بأهميتها والحفاظ عليها الأمر الذي يشكل عائقا أساسيا أمام نجاح الخطط الرامية لنهضتها والاستفادة من خيراتها « مصفوفة من التساؤلات والاستفسارات تقبع في أذهاننا عندما نتحدث عن السياحة في بلد يمتلك ثروة ضخمة من مواردها أهداها لنا المولى عز وجل لننعم بخيراتها ونحقق لأنفسنا عيشاٍ رغيداٍ وحياة يملأها الأمن والاستقرار وذلك ما تتطلبه حياتنا ومستقبل أجيالنا على الدوام .
ـ يعد مفهوم التربية السياحية مفهوما حديثا وربما غير متداول في الكثير من الكتب والصحف والمجلات التي تعنى بالنشاط السياحي في مختلف بلدان العالم المعاصر إلا أن البحث في أبعاد هذا المفهوم ودراسته يعد مرتكزا أساسياٍ للتنمية السياحية ونجاحها في بلدنا الحبيب اليمن والعمل على تعزيز ونشر مفهومه على كافة المستويات الشعبية والرسمية من خلال تضمينه في المناهج الدراسية المقررة على طلاب الجامعات والمدارس والمعاهد ووسائل النشر والإعلام المختلفة . تكامل واضح يبرز بين السياحة والتربية انطلاقا من العلاقة الوثيقة بين هذين المفهومين حيث التربية تساعد على نشر الثقافة بين أوساط المجتمع ترسيخ مفهوم التربية السياحية في عقلية كل أبناء المجتمع يعني رفع مستوى الوعي السياحي لدى الجميع والنتيجة ستكون بكل تأكيد هدفا للحفاظ على الموارد السياحية وتقبل الأخر أياٍ كانت جنسيته فيتعزز الأمن والاستقرار اللذان يمثلان قاعدة قوية للتطوير والجذب السياحي ومن ثم زيادة حجم الاستثمار في المشاريع السياحية كما أن إبراز التمايز القائم بين ثقافات الشعوب بمختلف العادات والتقاليد والتراث الشعبي يلعب دورا بارزا في توثيق مفهوم التربية السياحية فلماذا تبرز السلوكيات الخاطئة نحو السائح والمواقع السياحية ¿ حيث تنتشر القاذورات وتنعدم النظافة العامة ويكثر المتسولون قرب المواقع السياحية ونظرة البعض منا للسائح بنظرة مغايرة تحجبها الكره والنبذ فتمارس ظواهر سلبية ضد السائح أهمها : عدم الأمن والتطرف والإرهاب « كل ذلك نتاج وعي وتربية خاطئة رسختها عوامل وترسبات تشكلت بفعل فكر مغشوش وعقليات متخلفة لا تعي ـ للأسف ـ عوامل نهوض وانتشار الحضارة الإسلامية وبلوغها قمة النجاح وفرتها ظروف وعوامل احترام الآخر وإكرام الضيف مهما كانت جنسيته وديانته سلوكيات وأخلاق جاء بها الإسلام وحقق انتشارا وقبولا في كل أرجاء الأرض كل ذلك نتاج الوعي السليم والصحيح والفكر المستنير واعتدال الخطاب حيث تأتي التربية السياحة كضرورة أمنية ستمكننا بكل قوة من تغيير النظرة الدونية للسياحة لدى المجتمع وستقاوم كل الأفكار المغرضة لضرب اقتصادنا عبر استهداف السائح تحت حجة أن السياحة ضد الدين « متناسين أن الإسلام حث على السفر والتعارف بين الشعوب كما جاء في الآية القرآنية الكريمة ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لهذا نرى أن التربية السياحية للمواطن اليمني سيكون لها اثر بالغ الأهمية في كيفية تهيئته للتعامل مع السائح ومقاومة الأفكار الظلامية التي تحاول زعزعة الأمن والاستقرار في البلد .
كما أن التربية السياحية تأخذ منحى آخر وهو تعزيز الانتماء الوطني لدى المجتمع حيث تجعل الفرد / المواطن يشعر بأهمية موارده الاقتصادية الناتجة عن السياحة فيحافظ عليها ويعتز بآثارها مما يقود الجميع إلى إدراك أهمية الحفاظ على هذه الثروة كونها مكتسبات وطنية فيتحقق الولاء الوطني من خلال الاعتزاز بمظاهر الحضارة اليمنية . عندما تتحقق مفاهيم التربية السياحية وتبرز نتائجها ظاهرة للعيان وتتحقق أهدافها على واقعنا المعاش تصبح السياحة خيارا اقتصاديا وبعدا تنمويا وهما وطنيا يسعى الجميع لتحقيقها والاهتمام بها هنا نقول : إن اليمن السعيد … قصة السياحة نسردها معا ونعيش تفاصيلها معا كونها قضية وطنية جميعنا معني بتنميتها لأن الجميع سيستفيد منها دون استثناء .