شروق تحرج الإبداع وتفضح المؤسسات الثقافية


معين النجري –
ما ليس مقبولاٍ ولا معقولا.. أن يصبح اليمن الحبيب طلولا ….
بعيداٍ عن مصداقية المشاعر التي يقف عليها النص , وبعيداٍ عن الظروف الاستثنائية التي أنجبت هذا العمل, وبعيداٍ عن حياديته تماماٍ وعدم التلميح والتصريح إلى طرف ضد آخر أو تحميل أوجاع ومآسي اليمن الحبيب طرف محدد.

وبعيداٍ أيضاٍ على الاستغلال و التشويه التي تعرض لها هذا العمل من قبل كل الأطراف الموجودة على الساحة عندما حاول كل طرف إسقاطه على الخصم ليظهر هو المخلص و المخلص ومن يتحدث عنه النص الشعري بايجابية .
سأتحدث هنا عن العمل الإبداعي في أغنية ما ليس مقبولاٍ من جانب فني بحت.

مستوى راق
ربما هي المرة الأولى التي نجد فيها عملاٍ إبداعياٍ فنياٍ وطنياٍ بهذا المستوى من الحرفية الفنية في الفترة الأخيرة باستثناء الاوبريت سواء نبنيها الذي قدمه عدد من المطربين والمنشدين والممثلين والذي وقفة خلفه إمكانيات مادية ومالية كبيرة مقارنة بالإمكانيات التي أنتجت أغنية هذه الأغنية .
فللوهلة الأولى قد لا تصدق أن ما بين يديك عملاٍ يميناٍ خالصاٍ لم تتدخل فيه يد غريب حتى لو كان قريب أو شقيق, ابتداءٍ بالنص المفعم بالحيوية والسخط والافتخار والتهكم والأسى والحزن واللوم والأمل وزعها الدكتور عبدالعزيز المقالح على نصه القصير بخبرة لا تأتي إلا إلى ساحته هو فقط.
وقوفاٍ عند اللحن العبقري الذي فاجأتنا به الفنانة الرائعة شروق لتكشف للجمهور خاصة مما يقفون على مسافات بعيدة منها قدرات إبداعية في مجال التلحين على مستوى عالُ جداٍ ربما لا يوازيها إلا إمكانياتها الرهيبة في الغناء فلم يسبق أن وجدناها عند فنانتنا في كل ما قدمته سابقا سواء في الجلسات الفنية التي تسجلها الفضائيات بين حين وآخر أو في الحفلات الجماهيرية التي غالبا ما تكون مناسباتيه.
لقد وجدت شروق فرصة لتظهر ما لديها أو ربما جزء مما تملكه من إمكانيات صوتيه بعيداٍ عن توجيهات الملحن أو شروط المنتج, فحين يضع الفنان المجيد لحن أغنيته بنفسه يصبح أكثر قدرة على التعامل معها وتطويرها بشكل سريع حتى يستقر على لحظة الاكتمال عندما يشعر بأنه قد امتلأ بها بعد أن استكملت زينتها لتخرج إلى جمهورها وقد أخذت حقها من جميع تفاصيل مكونات العمل الفني الإبداعي.
فحين تحررت هذه الفنانة من صوت الملحن الخارجي وأصغت بإنصات إلى الملحن العملاق الذي يسكنها نجحت في التحكم بصوتها وإظهار طبقات صوتيه لم نعهدها عندها من قبل.
وأعتقد أنها قضت وقتاٍ مناسباٍ مع الكلمات واللحن وبطبيعة الحال ما تحمله من مشاعر وطنية لهذا البلد وخوفها كسائر أبنائه المخلصين على مستقبل اليمن وحرصهاٍ أيضاٍ على خروجه من أزمته بأقل الخسائر , لذلك جاء أدائها متقناٍ وصادقاٍ بحيث أعطاء كل جملة حقها لتصل إلى قلب المستمع كما يجب فيكون لها وقعها وتأثيرها الحقيقي فيأتي تفاعله صادقاٍ غير مفتعل.

رؤية إخراجية
لقد حرص مخرج الفيديو كليب لأغنية ما ليس معقولاٍ على أن يظهر الجانب السلمي لليمن رغم ما شهده اليمن من أحداث مؤلمة منذ أكثر من عام, صحيح أن المشاهد التي قدمها في بيت الثقافة مثلاٍ أو صنعاء القديمة خدمت الأغنية من حيث وضع المشاهد أمام صورة جميلة لليمن يراد لها التدمير وكأنها رسالة تحذيرية , ساعده على ذلك تحركات الفنانة شروق التي توحي بالقلق ونظراتها العباءة خوف وتوجس وترقب لتعزز الرسالة التحذيرية للمشاهدين من التفريط بهذا الوطن والانجرار إلى الفوضى والحرب والخراب.
على كل حال لم يكن بالإمكان أفضل مما كان بالنسبة للفيديو كليب خاصة والمخرج ملزم بمواصلة الحيادية التي بدأت في النص واللحن والأداء وحتى لا يحسب هذا العمل الوطني لصالح طرف ضد آخر وهو لم يكن كذلك .
أتفهم جيداٍ حساسية ودقة الموقف بالنسبة للمخرج , فلو أخطأ في مشهد واحد أو مجرد صورة ولو كانت صورة ثابتة كان يمكن أن ينسف حيادية العمل بشكل كلي ويصبح النص و اللحن والأداء والإخراج مركباٍ على تلك الصورة أو المشهد ولضعف قوة العمل وألحقه بالمناكفات السياسية .

صفعة مؤلمة
الوجه الآخر لهذا العمل الإبداعي المتميز ليس جيداٍ , فقد فضحنا بشكل علني من حيث لا ندري , وكشف سوءة المؤسسات الثقافية والفنية سواء الرسمية أو غير الرسمية .
لقد اثبت لنا الشيء المثبت في نفوسنا ,لكنه عزز الثقة بأننا بلد يمتلك مواهب فذة وقدرات فريدة , وان حاضره الفني يمكن أن يتجاوز ماضيه المشرق ويقدم أعمالاٍ خالدة ويستعيد مكانه الطبيعي في مقدمة المجتمعات العربية التي صنع لها المال فناٍ وأدباٍ وثقافة.
اثبت لنا أن قليلاٍ من الاهتمام بالمواهب الحقيقية وإتاحة الفرصة للمبدعين عبر توفير ولو الحد المعقول من الإمكانيات يمكن أن يصنع فناٍ يساعد الشعوب على الرقي بذائقتها الفنية , وتمدين المجتمع اليمني الذي مع الأسف تجره الأحداث والأنشطة المعادية للحرية والمدنية كل يوم إلى زاوية مظلمة وإذا ما دخلناها فلن نخرج منها بسهولة.

قد يعجبك ايضا