
كتب/ المحرر –
قوى ترفضها كمبدأ وأخرى تقبلها بشروط وأكاديميون يؤكدون: اليمن كانت دائما فيدرالية
شكل النظام.. فيدرالية أو حكم كامل الصلاحيات.. فيدرالية في إقليمين أو ثلاثة أو خمسة.. كل سيأتي إلى طاولة الحوار ولديه رؤيته ما يعني أن الخوض في هذا الشأن أصبح أمراٍ لا مفر منه خصوصا مع ارتباطه بأحد أوجه الحلول للقضية الجنوبية.
على أن تباين الرؤى يتضح أن مردها نزوعات خاصة جدا ولذلك يغيب عنها أحيانا الموضوعية التي يمكن أن تقنع الآخرين.. والآخرين هنا لا تعني االمتحاورين وحسب وإنما أيضا رجل الشارع.. إذ أن هناك تخوفات من نتائج غير محمودة على الوحدة والتخوف يستند إلى مستوى الفهم والاستيعاب لمعنى الفيدرالية وما سيجري الاتفاق عليه في التقسيم للأقاليم وهو تخوف يبدو موضوعيا مع هذا التزمت في طرح رؤى واقعية لهذا الموضوع لا الاقتصار فقط على توضيح فوائد الشكل الذي يراه كل منا مناسباٍ.
أتصور أنه سيكون من المفيد الاستفادة من مخرجات مفكري الساحة والأكاديميين والباحثين وكذا رجال القانون لا أن يقتصر على ذات العقليات.. وفيما لم يتم إثراء النقاش برؤى منهجية فإنه سيظل في ذاك المربع الضيق من الفهم لذات الأحزاب التي حكمت واقعنا خلال المرحلة الماضية ولم تنجح في تقديم بديلا ناجعا لأوضاعنا المهترئة.
الطرح في هذا الشأن ظهر مبكرا في طروحات متناثرة هنا وهناك وإن كانت منشورات تذهب إلى أن أول ظهورها كان عام 1989م فحينها حسب نجيب قحطان الشعبي كان مطلب الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى الفيدرالية مع الجنوب سابقا ورفضته قيادة الحزب الاشتراكي حينها طارحة بدلا عنه مشروعاٍ أشبه بالكونفيدرالية حسب الشعبي.. وقبل سنوات قليلة قدم حزب “رأي” الفيدرالية في رؤى له للإصلاح السياسي.. ثم ليتواتر الخوض فيها خلال هذه المرحلة مع الاستعداد لمناقشة الأفكار المختلفة من أجل الخروج برؤى توافقية للإشكالات المختلفة والتي منها القضية الجنوبية.
الفيدرالية.. نعم.. لا
ابتداءٍ إلى أي حد يمكن أن تكون الفيدرالية مناسبة أو مرغوبة.. هناك من يرفض الطرح في هذا الموضوع معتبرا إياه مساسا بالوحدة وهناك من يقف على الخط المقابل ولكن بمحددات وعلى هذا النحو بدا أن هناك الكثير من التباين لدى أطراف وقوى سياسية حول هذا الأمر مصدره التخوف من أن يكون مثل هذا التوجه خطوة نحو الانفصال.
بسؤاله حول الفيدرالية قال الشيخ صادق الأحمر وهو أحد الأطراف الفاعلة في الحراك السياسي “ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا سنسير عليه فلا كونفيدرالية ولا فيدرالية هذه المسميات والتقسيمات غربية والأفضل أن نظل كما نحن عليه الآن أي نظام محافظات”.. وتقوم رؤية الشيخ الأحمر بدلا عن ذلك في معالجة القضية الجنوبية “على أن يتم توزيع خيرات البلاد على كافة المحافظات والمحافظة التي فيها خيرات تمنح لها نسبة زيادة من الخيرات”.. بينما يعارضها الكاتب حارث الشوكاني من زاوية تداول القضية الجنوبية وقضية صعدة معتبرا “هذه التسميات بطابعها العصبي الطائفي تمهد للطرح السياسي الإمامي الإيراني (الفيدرالية) بهدف إلغاء وحدة الدولة اليمنية للاعتراف بشرعية حركات التمرد في صعدة وفي الجنوب”.. أما مسئول الاتصال السياسي في جماعة الحوثي محمد ناصر البخيتي فيرى أن الفيدرالية هي الحل المناسب للقضية الجنوبية.. نافيا اعتبار ذلك مبررا للمطالبة بصعدة مستقلة تحت راية الفيدرالية من البْعد المناطقي.. قائلا “نحن لا ننطلق من مشروع مناطقي وننظر لصعدة كما ننظر لبقية المحافظات ومن حيث المبدأ نحن مع النظام الفيدرالي سواء أكان على أساس جنوب وشمال أو على أساس المحافظات أو على أساس ما يسمى بالأقاليم”.
وكان بيان صادر عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني رجل الدين يونيو الماضي أكد على رفض الفيدرالية.. ولا يبدو أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد الظاهري متفاعلا مع طرح الفيدرالية مستندا إلى أن اليمن دولة بسيطة.. وأشار إلى أن حاجة اليمن هو “مؤسسات حديثة تفعيل سيادة القانون وجود نظام حزبي سوي تداول سلمي للسلطة التسامح تجاه الآخر”.. مؤكدا على “انه في هذه المرحلة.. في هذه الفترة لا تعتبر الفيدرالية هي الحل المنشود.. ليست فاعلة لأن فكرة الدولة اليمنية غير راسخة”.. وقال “أنا أطالب بحكم لا مركزي فاعل”.. وفيما ذْكر أن مدينة المكلا ستستضيف مؤتمراٍ دولياٍ تحت عنوان «اليمن وخيار الفيدرالية».. ذكرت تقارير أن قيادات سياسية أوكل إليها في وقت سابق “الاطلاع على تجربة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وتقديم دراسة لإمكانية تطبيقها في اليمن”.. كما يعتبر الكاتب عبدالفتاح البتول (الدعوة إلى الفيدرالية استعجالاٍ من قبل بعض القوى السياسية التي قال إنها لا تدرك خطورة ما تدعو له).. وقال: يجب على الجميع إدراك أننا أمام قضية مصيرية وبالتالي علينا التعامل معها بدراية عالية ودون تهور أو تعجل في إطلاق الدعوات وقبل الحديث عن الفيدرالية علينا البحث في أسباب القضية الجنوبية ككل ومظاهرها ومن ثم النظر في المعالجات والحلول الممكنة.
تزامن غير مبرر
في المقابل يدعو الدكتور فؤاد الصلاحي “إلى نظام سياسي برلماني على قاعدة فيدرالية حتى نحل مشاكلنا في الجنوب وفي أكثر من مكان”.. مؤكداٍ أن “قضية الجنوب لا يوجد لها حل إلا بالفيدرالية”.. كما يؤكد أنيس حسن يحيى عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني على أن “الفيدرالية هي الحل لكل مشكلات اليمن وبشكل خاص القضية الجنوبية”.. لكنه يوضح أيضاٍ أن الفيدرالية كانت واحدة من ثلاثة خيارات تبنتها وثيقة للقاء المشترك أطلق عليها “وثيقة الانقاذ الوطني” لمعالجة القضية الجنوبية إلى جانب الحكم اللا مركزي الحكم المحلي الواسع الصلاحيات.
أما تزامن تداول التخوف من هذا الشكل من النظام فإن هناك من لا يبرره فالسياسي المعروف محمد عبدالمجيد قباطي يؤكد على أن “الخوف من كلمة فيدرالية ليس له مبرر في الواقع أبدا”.. لافتا إلى أن موضوع الفيدرالية “مطروح من قبل تسعين عاما منذ الإمام يحيى الذي وافق على إعطاء الجنوبيين دولة اتحادية وكل سلطان يحكم منطقته لكنه رفض النظام البرلماني أراد الإبقاء عليهم كاقطاعيات مثل المشايخ اليوم أما السلطة المركزية ففي يده هو”- حسب القباطي.. وأوضح النائب المؤتمري الشيخ محمد بن ناجي الشايف أنه لا يوجد أي مبرر للخوف من الفيدرالية.. وقال “إن الفيدرالية هي أفضل من الانفصال” وأضاف “علينا أن نقبل بالفيدرالية ونضع الأسس والمعايير الكفيلة بإنجاح هذه التجربة الحضارية بدلا من تجرع مرارة الانفصال”.. أما الدكتور عبدالله معمر أستاذ علم الاجتماع فيذهب إلى أبعد من ذلك ليؤكد بأن النظام ليس بغريب على اليمن مستخلصا من قراءته لتاريخ اليمن أن “اليمن لم تحكم مركزيا بشكل قطعي قبل 1918م وإنما خضعت لما يعرف حالياٍ بنظام الحكم المحلي أو الأقاليم الفيدرالية الاتحادية وعبر تاريخها الطويل لما عرف باسم (المخاليف)”.. ويقول عضو المجلس الأعلى للقاء المشترك الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ” دولة محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه في المدينة كانت دولة مدنية الرسول صلى الله عليه وآله سلم عمل فيدرالية لليهود فيدرالية للنصارى فيدرالية للوثنيين فيدرالية للمسلمين وجمعهم في القضايا العامة”.. مؤكدا على أولوية التركيز على ماهية الدولة التي نريدها قبل الطموح للفيدرالية.
على أن هناك من يحاولون تسريب شيء من التخوف من موضوع الفيدرالية ليس على الوحدة وإنما لحسابات لا تبتعد عنها المصالح والمكاسب التي يشعرون أن الوضع الجديد المفترض يمكن أن يحرمهم منها.. والفئة الأكثر اعتراضا على الفيدرالية حسب الأكاديمي والباحث نجيب غلاب “فهي فئة رجال المال والأعمال وبالذات المستفيدين من المركزية ولديهم علاقات سياسية مؤثرة ويتفق معهم في معارضة الفيدرالية الساسة أو الموظفون الكبار المالكون للثروة والسلطة. فالفيدرالية ستؤثر على نفوذهم وتراكم أرباحهم”.. ويضيف الباحث: وفي السياق نفسه يأتي شيوخ القبائل الراغبون في لعب أدوار متجاوزة لقبائلهم ولديهم رغبة في لعب دور يشمل الوطن كله ويأتي في مقدمة الرافضين للفيدرالية الممثلون البارزون والأكثر تأثيرا للمركز الديني القبلي المشاركون في السلطة والثروة أما أهم المراكز داخل الدولة والتي ترى في الفيدرالية تحديا للوحدة ولتأثيرهم فهم ضباط الجيش والأمن.