تحقيق/ زكريا حسان –
الشئون القانونية ومجالس التأدية أوكار رعب وسلطات للاستغلال والتحرش
أوقات كثيرة تفرض ضغوط العمل ومتطلبات الأسرة على الممرضة أن تختار بين الوظيفة أو الأسرة فتجد نفسها بين خيارين أحلاهما مر لكنها في الغالب تختار الزوج والأبناء ومع مرور الوقت تكشف أنها لم توفق في الاختيار وبعد أن تفشل حياتها الأسرية تعود لتبحث من جديد عن فرصة عملها المفقودة الرجل الذي يتقدم للزواج من ممرضة هو أيضا يفكر ألف مرة في ليالُ ستأتي ولا يجد زوجته نائمة بجواره وبعمل مرهق قد لا يترك لحظات السعادة أن تقترب من بوابة حياتهما.
ملائكة الرحمة أكثر من يحتاجون إلى رحمة إدارات المستشفيات والمحيط الاجتماعي حتى لا يتحولون إلى فاقد الشيء لا يعطيه.
ألطاف الحبابي ممرضة ومسئولة دائرة المرأة بنقابة المعهد الطبية والصحية بمستشفى الثورة العام بصنعاء قالت: إن أسرتها لم تعترض على التحاقها بالتمريض لكن كثيرا من الأهل والجيران والأصدقاء انتقدوها بشدة والبعض أخبرها أن التمريض والزواج لا يجتمعان لكنها أصرت على العمل.
وتضيف أن الإعراض عن الزواج من الممرضات كانت في السابقة بنسبة أكبر لكن هذه النظرة تغيرت في الوقت الحاضر وصار الأمر طبيعيا.
شيخوخة مبكرة
المشاكل والصعوبات التي تواجه الممرضة كثيرا ومتشعبة ترى الحبابي بأن الممرضة تصاب بالشيخوخة المبكرة وبأمراض متعددة كانزلاق العمود الفقري والدوالي والكبد وغيرها نتيجة للإجهاد في العمل والدوام الذي يمتد من 8 ساعات إلى 16 ساعة وأحيانا إلى 24 ساعة تظل خلالها تتنقل من مريض لآخر وتقدم خدماتها لجميع المرضى وعلاوة على هذا فإن الظروف المعيشية الصعبة والراتب الذي لا يغطي الاحتياجات الأساسية تضطرها للبحث عن عمل آخر ويتضاعف حينها الإرهاق والمعاناة وتؤكد ألطاف أنه لولا وجود دوافع قوية كظروف معيشية قاسية للزوج أو الأب تجعلها تتناسى حياتها وصحتها لما بحثت الممرضة عن عمل آخر وتعتبر معاناة العمل يكون سببها الرئيسي نقص الكادر وسوء الإدارة مما يترتب عليه صعوبة تقديم خدمات رعاية وتكتفي بضرب الأبر والفحص فقط تشكو إحدى الممرضات بأن توقف راتب زوجها الجندي ضاعف أعباء الحياة عليهما وتراكمت الديون وإيجار البيت وصارا مهددين بالطرد في أية لحظة.
التمريض يسرق حياة المنتسبة إليه ويفصلها عن أقرب الناس إليها حتى الزوج والأبناء ويحرمها من أن تعيش حياة هادئة وتستمتع بأوقاتها معهم تشير الحبابي ‘إلى أن رحلة المتاعب تبدأ من الصباح الباكر وتعجز أحيانا عن القيام بواجبها وإعداد الفطور للزوج والأبناء أو توديعهم عند الذهاب للمدرسة أو العمل كما تجد نفسها محتارة أين تضع أطفالها الصغار عند ذهابها للعمل فظروف العمل الحالية لا تساعد الممرضة على توفير الجو العائلي فأبناء الممرضات يعانون من فقدات الحنان فهم طوال فترة عملها إما أن يكونوا عند الأهل أو الجيران وأحيانا لا يوجد مكان تتركهم فيه غير الشارع على الرغم من أن القانون يؤكد ضرورة وجود حضانة في أماكن العمل التي تتواجد فيها نساء إلا أن هذا القانون لم يطبق فتظل الأم مشغولة على أطفالها طوال اليوم.
عزلة اجتماعية
ومن حق الممرضة أن تعيش حياتها كبقية النساء وتشارك الناس في أفراحهم واتراحهم لكن طبيعة عملها الشاقة تعزلها عن محيطها الاجتماعي.
تذكر ألطاف الحبابي أن عمل الممرضة يفرض عليها عزلة اجتماعية ومن الصعب عليها حضور حفلات ومناسبات فالدوام الطويل وما يترتب عليه من إرهاق يجعلها غير مستعدة للمشاركة في أي مناسبات.
وتؤكد أنها لا تحضر إلا عندما تكون المناسبة تحص شخصاٍ قريباٍ جدا كالإخوة وتشير الحبابي إلى أن هذه العزلة والاغتراب التي تمتد إلى المنزل تضعها أحيانا مفترق طرق ويهدد حياتها الأسرية فالزواج يشعر أنها غير مهتمة به وبأنبائه وإنها مقصرة في واجباتها نحوهم وقد يدفعه هذا الشعور إلى البحث عن زوجة أخرى أو يصل الحال بهما إلى الطلاق.
تمضي الممرضة حياتها في رعاية الآخرين والمساهمة في توفير حياة كريمة لأسرتها على حساب نفسها ومع هذا لا تجد من يهتم برعايتها عندما تكون في حاجة للرعاية توضح ألطاف بأنه في حالة تعرضت الممرضة للمرض فإن المستشفى الذي عملت فيه لسنوات لا يقدم لها سوى الفحوصات وسرير الرقود وقد يكون الحال أسوأ في المستشفيات الخاصة وبحسب وصفها فإن إدارات التمريض تعاني من إهمال شديد من إدارات المستشفيات وينظرون إليها كإدارة ثانوية خاصة بالعبيد والجواري ولا يوجد لها أي تمثيل في الإدارية العليا ويكتفون بإدارة تمريض ليست لها صلاحيات ولا قدرة في الدفاع عن حقوق العاملين فيها.
مضايقات وتحرش
مع كل الاجتهاد والضغوط النفسية فالممرضة تتلقى الإساءات من المرضى تصل حد الشتم وانتقادات عن خدمات المستشفى والرعاية الطبية والإهمال وغيره.
تتحدث مسئولة دائرة المرأة بنقابة المهن الطبية والصحية بمستشفى الثورة العام بصنعاء وتقول أن المرضى يصبون غضبهم على الممرضة دائما ويلقون عليها اللوم في كل شيء لم يعجبهم بالمستشفى وقد يتلفظون بعبارات مسيئة وجارحة لكنها تعتبر المريض شخصاٍ مقدساٍ ولا يحق لها أن تغضبه لكن هذه الإساءات لا تقتصر على المريض فالمرافق قد يكون أكثر فظاظة مما يضطر الممرضة لاستدعاء المشرف وإخراجه من القسم.
وتضيف هذه المضايقات تصل أحيانا إلى التحرش من المرافق والاستمرار في ملاحقة الممرضة وابتكار أسباب ليظل وراءها أينما ذهبت وتحكي الحبابي أن أحد المرافقين استمر في مضايقة الممرضة طوال الليل بحجة أنه لم يستطع النوم مما اضطر الممرضة إلى إعطائه حقنة مهدئة لينام قبل أن يخرج من الحجرة.
مدراء ومسئولو المستشفيات لهم النصيب الأوفر في المضايقات التي تتعرض لها الممرضة وعادة ما يستخدمون سلطاتهم في إجبارهم على الخضوع لهم أو الصمت عن حماقاتهم.
مجالس الرعب
أن إحالة الممرضة إلى إدارة الشئون القانونية أو المجلس التأديبي يمثل حالة رعب وعقابأٍ نفسياٍ يصعب تحمله خوفا على سمعتها وأسرتها.
تؤكد ألطاف الحبابي أن دخول الممرضة إلى الشئون القانونية لارتكاب مخالفات في العمل بمثابة الدخول إلى بيت الأشباح والأكثر رعبا عند إحالتها إلى المجلس التأديبي فهنا ستجد نفسها عالقة لأشهر لأسباب لا تستحق كل تلك العقوبات وما يثير الرعب والقلق عند الممرضة ما يحكى عن ارتباط المجلس التأديبي بالأمن القومي والبحث الجنائي والسجون وتحقيقات تنتهك حقوق وكرامة الإنسان ووقوعها تحت هذا الضغط النفسي يجعلها مضطرة إلى توزيع الابتسامات والمجاملات ووضع مساحيق التجميل وتصبح فريسة سهلة للابتزاز والاستغلال بين من يدعي مساعدتها ومن يلوي ذراعها باستخدام ملف المخالفة ضدها في أي وقت.
وتتطرق الحبابي إلى أن إخفاء الممرضة للقضية عن أهلها خوفا من ردة فعلهم قد تعزي أشخاص على استغلالها واستخدام العنف معها وانتهاك إنسانيتها.
وتشدد على ضرورة وجود امرأة في المجلس التأديبي تعطي الحماية والأمان للموظفات وتدافع عن حقوقهن وتمنع ممارسات الابتزاز والاستغلال.
المناوبة
وتعد المناوبة من الأشياء المقلقة خاصة للمتزوجات لأنها ستجبرها على أن تمضي الساعات الطويلة بعيدا عن أطفالها وزوجها الغاضب.
توضح ألطاف الحبابي أن المناوبة إجبارية للموظفات وتكون بنظام الورديات وأحيانا تبدأ من الساعة الثالث عصرا حتى السابعة صباحا والغياب الطويل عن البيت يضاعف المشاكل المنزلية ويشحن الجو العائلي بالتوتر.
وتقول على الرغم من الجهود التي تبذله الممرضة في ساعات المناوبة وما يترتب عليه من مشاكل أسرية فإن استحقاقات المناوبة لا تتجاوز ستة آلاف ريال شهريا وتكون مناوبة الأعياد أكثر مرارة ففي حين تتجمع الأسر ويتبادلون الزيارات وينعمون بإجازة العيد يكون على الممرضة أن تمضي إجازة العيد أوساط المرضى وأقسام المستشفى وبمقابل ألف ريال لليوم الواحد أما الإجازة السنوية التي هي من حق كل موظف فترفض إدارة المستشفيات إعطاءها الإجازة بحجة ظروف العمل والاحتياج إليها وحين تطلب بمقابل مالي يرفض طلبها أيضا لعدم وجود ميزانية تسمح وفي كل أربع سنوات تلغى عليها إجازة سنة.
مهنة التمريض تضع المنتسبات إليها يقفن أمام تحدُ كبير للبقاء وتجعل حياتهن في مهب الريح فإدارات المستشفيات لا تراعي أن الممرضة في النهاية زوجة وأماٍ وربة بيت وعليها مسئوليات كبيرة تجاه أسرها وتربية أبنائها فتضع النظم الإدارية المناسبة للتوفيق بين عملها وأسرتها وتتعامل بروح المسئولية معها وتضع مكافآت عادلة لعطائها اللامحدود وعرفانا بخدماتها الكبيرة.