تدهور الصحة الإنجابية للمرأة الريفية


تقرير / شوقي العباسي –
تمثل قضية رعاية المرأة الريفية عالماٍ يخفي الكثير من الأسرار والمعاناة التي قلما يجري الحديث عنها كونها لا تثير الفضول كما هو عالم السياسة المثقل بالصراعات والانفعالات التي تتشنج لها كل الحواس ومن أهم المشاكل الخطيرة التي تعاني منها المرأة الريفية في اليمن هي الصحة الإنجابية التي لا يعرف عنها المواطن الشيء الكثير.
خدمات الصحة الإنجابية تشمل العديد من المكونات تبدأ بالأمومة المأمونة وتغطي مراحل الحياة من الميلاد والطفولة إلى مرحلة انقطاع الطمث ثم الكهولة وتشمل جميع الخدمات الموجهة لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض والعلاج والتأهيل وتشمل أيضا الحق في اختيار شريك الحياة وتوقيت الزواج لكل من الرجل والمرأة.
أحمال متكررة للمرأة الريفية
في بلادنا حصول المرأة الريفية على الخدمات الصحية ليس بالمستوى المطلوب فالمرأة في الريف تعاني من قلة الخدمات الخاصة بالصحة الإنجابية حيث تشير العديد من الدراسات والمؤشرات الصحية إلى انخفاض حجم النساء اللاتي يلدن في المستشفيات والمراكز الصحية مقارنة باللاتي تتم ولادتهن في المنزل بالإضافة إلى أن العديد من الدراسات تظهر عدداٍ كبيراٍ من النساء المتزوجات يكون لديهن حمل لا يتجاوز سنة ونصف السنة عن الحمل الآخر.
وبينت الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص أن هذه الحالات ترتبط بالموروث الاجتماعي للمجتمع الريفي في بلادنا والرغبة في إنجاب اكبر عدد من الأولاد لزيادة عدد أفراد العائلة واستغلالهم في مجالات العمل المختلفة بالإضافة إلى الاعتقاد السائد بأن عدد الأبناء يشكلون سنداٍ للعائلة .
عوامل عدة تؤثر في وعي المرأة
وبحسب الدراسات السكانية فان عدة عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية تؤثر في وعي المرأة واتجاهاتها إضافة إلى وعي الرجل ووعي الأسرة بشكل عام نحو تفضيل الإنجاب المتكرر وأن ذلك يرفع من مكانة المرأة داخل الأسرة وفي حالة عدم إنجاب المرأة يتجه الزوج برغبته ورغبة أهله إلى الزواج بأخرى فالنسبة 45.6 % تعبر عن وعي المرأة الريفية بأن مكانتها الاجتماعية في الأسرة – لدى زوجها وأهله – تتزايد إذا ما أنجبت عدداٍ أكبر من الأولاد الذكور في حين تنخفض النسبة إلى 3.1 % لتعبر عن تدني مكانة المرأة في الأسرة إذا أنجبت فقط إناثاٍ-بحسب دراسة أعدها ملتقى المرأة للدراسات- وذلك يعني في دلالته أن الإنجاب ليس عملية خاصة يقررها الزوجان فقط كما هو الحال في المجتمع الحضري في كل دول العالم – بل يعتبر في غالبية المجتمعات النامية ومنها اليمن خاصة في مناطقها الريفية عملية يهتم بها الآباء والأمهات إضافة إلى الزوجين .
وغالباٍ ما يلجأ الزوج الذي تتأخر زوجته في الإنجاب إلى الزواج من امرأة أخرى ويكون الدافع ليس فقط الإنجاب للأولاد بل ما يضفيه ذلك من مكانة اجتماعية للأب وعن شعوره بتحقيق امتداد له ( وريث ) يشكل سنداٍ وعوناٍ وإرضاء لطموحه وكبريائه إضافة إلى ذلك فإن المرأة التي تنجب إناثاٍ كثيراٍ ما يلجأ الأزواج إلى الزواج مرة أخرى سعياٍ وراء إنجاب الذكور وذلك يعكس منظومة المعايير والقيم في الثقافة التقليدية التي تقلل من مكانة المرأة ودورها في المجتمع وفي الأسرة وهي رؤية نمطية لا تستند إلى خصائص علمية ومنطقية بقدر ما تستند إلى قوة الموروث الاجتماعي الذي لا يزال يؤثر في وعي الأفراد والجماعات ( ذكوراٍ وإناثاٍ ) ليس فقط تجاه عمليات الإنجاب بل يشمل طرق الرعاية الصحية وتحديد العلاقات كما أن الأسرة الريفية تتدخل في عملية الإنجاب من حيث حث المرأة وزوجها على ذلك وفي حالة تأخر الإنجاب حثهما على استشارة طبيب أو عرضهما على أحد الفقهاء أو الممارسين للطب الشعبي .
المحيط الأسري للمرأة الريفية
يلعب المحيط الأسري للمرأة الريفية دوراٍ كبيراٍ في خلق توجهات واهتمامات جديدة للمرأة أو إعاقة ذلك وتدعيم ماهو سائد في منظومة العادات والتقاليد من توجهات واهتمامات ترتبط بحاجات المرأة صحياٍ واجتماعياٍ كما يمكن القول أن غياب الخدمات الصحية الحديثة في الريف اليمني يلعب دوراٍ في استمرار الثقافة الصحية التقليدية والممارسات الشعبية ويرتبط ذلك ببيئة المرأة الريفية التي تعيش فيها ضمن تجمعات سكانية تتصف بالتشتت والإقامة في قمم الجبال ضمن بيئة جغرافية وعرة وقاسيـــــة مما يزيد من جهل المرأة بوسائل تنظيم الأسرة وبأهمية الصحة الإنجابية خصوصا أن الثقافة التقليدية السائدة في المجتمع الريفي تمنع وتحظر النقاش أو الحوار حول المسائل الإنجابية ومجالاتها المختلفة الأمر الذي يجب أن تركز عليه الحملات التوعوية من خلال استهداف الرجال ضمن الفئات المستهدفة في حملات التوعية الخاصة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة لان الرجل يسيطر على عملية اتخاذ القرارات داخل الأسرة بما فيها القرارات الخاصة بصحة المرأةكما
ان الثقافة التقليدية في وعي الرجل والمرأة لا تزال تخلق تردداٍ من الذهاب إلى المستشفيات والمراكز الصحية في حالة الولادة وفق عدم الرغبة بأن يكون الأطباء الرجال هم المشرفون على ولادة النساء وهكذا تبرز المحددات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كعوامل فاعلة ومؤثرة في تفضيل الولادة المنزلية.
أهمية التوعية
وعليه يمكن القول أن على الدولة وهي تنفذ سياساتها الإنمائية ومنها ( السياسة السكانية ) العمل على إضفاء الشرعية القانونية والدينية على عملية تنظيم الأسرة وإبراز ذلك من خلال نشره وتعميمه في جميع مناطق البلاد من خلال وسائل الإعلام المتعددة ومن خلال عمليات التوعية المباشرة وإذا كانت نسبة استخدام تنظيم الأسرة لا تتجاوز 23% من إجمالي النساء في سن الإنجاب وهو معدل منخفض إذا ما قورن مع العديد من الدول ومنها الدول العربية وهذا ما يجعل اليمن من أكثر الدول المرشحة لاستمرار النمو السكاني بشكل كبير وبالتالي فإن الهدف المرسوم في الخطة الخمسية والبرامج والسياسات السكانية والصحية برفع نسبة الاستخدام إلى 35 % لبلوغ أهداف الألفية يتطلب ضرورة تغيير المواقف التقليدية المناهضة لتنظيم الأسرة وخلق تجديد لدى المرأة والرجل في معارفهم واتجاهاتهم نحو الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وتشجيع الرجل على تحمل مسؤولياته بشأن سلوكه الإنجابي وبشأن التزامه الأسري وهذا يعني ضرورة مساندته للمرأة تجاه وعيها واهتمامها بصحتها الإنجابية وباتخاذ القرارات الخاصة بتنظيم الأسرة .
ومن خلال الدراسات والمسوحات الصحية والسكانية التي أعدتها العديد من الجهات المعينة والمنظمات أن حوالي 7 نساء يتوفين يوميا لأسباب تتعلق بالحمل والولادة وأن النسبة الكبيرة من عدد الوفيات تكون في المناطق الريفية وهناك الكثير من النساء في الريف تتراوح أعمارهن بين 15- 30 سنة ينجبن كل عام في البيوت على يد المولدات الشعبيات وبدون إشراف الأطباء بسبب عدم وجود مستوصفات أو مستشفيات كافية في معظم المناطق الريفية تقدم خدمات التوليد وهذا الإهمال يؤدي إلى وفاة المرأة او الطفل أثناء الولادة.
الزواج المبكر
وبحسب الدكتور رامي المقطري ضابط مشاريع في التحالف الوطني للأمومة المأمونة فان الكثير من الناس في اليمن وخاصة في الأرياف يقومون بتزويج الولد وعمره 15 – 18 سنة وتتزوج البنت وعمرها 15 سنة وفي اغلب الأحيان يكون زواج الأقارب هو السائد لافتاٍ إلى أن الأسرة الجديدة تتحول إلى عبء مضاف على العائلة الكبيرة (الأهل) بسبب انتشار البطالة والفقر وعدم تأهل الشباب للعمل وعدم امتلاكها الموارد المادية لإعالة نفسها بالإضافة إلى عدم الوعي بكيفية تربية الأطفال الجدد ففي هذه الأعمار يصبح الزوج والزوجة مع مولودهم عالة على رب الأسرة فيتحمل الشاب عبء العائلة في سن مبكرةوما أن يبلغ الشاب (25) عاما حتى يصبح لديه 3 ـ 4 أطفال وتنشغل المرأة بإطعامهم ونظافتهم ومدارسهم وبسبب كثرة الأولاد والولادات داخل الأسرة يعجز الوالدان عن توفير الحياة المريحة لهم ويواجهان صعوبة في الإنفاق عليهم وعدم رعايتهم.
وأوضح أن من أهم سلبيات الزواج المبكر هو حرمان الفتاة من التعليم وحصول ولادات متعسرة ـ قيصرية ـ وحمل عالي الخطورة – مشاكل تعدد الولادات – وعدم نضج الفتاة ما يحول دون القيام بالواجبات الزوجية ناهيك عن تدهور الصحة الإنجابية وانتشار الأمراض بسبب كثرة الحمل والولادة والزواج المبكر والالتهابات وغيرها من الأمراض الفيروسية.
وأشار إلى أن من أهم أسباب تدهور الصحة الإنجابية للمرأة في المناطق الريفية هو نقص الدعم الحكومي لتطبيق قرار مجانية الولادة وتوفير خدمات الصحة وكذلك بطء التقدم الاقتصادي والاجتماعي في الريف والصعوبة في التنفيذ على مستوى القطاعات الصحية وعدم تخصيص موارد كافية للصحة العامة عموما والصحة الإنجابية خصوصاٍ وكذلك التغيرات السريعة المتلاحقة على الصعيد الديموغرافي والوبائي إضافة إلى الفقر حيث أن اغلب المواطنين في الريف غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية ووعورة الطرقات وغيرها من الأسباب مشددا على ضرورة العمل على رفع الوعي الصحي عند الأمهات وتقديم الرعاية الصحية للام الحامل والطفل الوليد وكذلك للفتيات وخاصة في المناطق الريفية التي تعاني من
نقص في الخدمات مما ينعكس سلبا على صحة المرأة ويتسبب لها الكثير من المضاعفات الصحية.
ودعا إلى دعم قدرات الجمعيات والمنظمات الأهلية في المجالات الاجتماعية والتثقيفية وتنفيذ برامج وطنية في مجال الصحة الإنجابية وتشكيل فريق عمل من الجمعيات للعمل على نشر مفاهيم الصحة الإنجابية في المجتمع والسيطرة على المشكلة السكانية بالتوعية حول تنظيم الأسرة وخصوصا في الأرياف التي يمثل سكانها 75% من سكان اليمن ولا يحصلون حتى على 10% من الخدمات الصحية مقارنة بسكان الحضر الذين يمثلون حوالي 25% من سكان اليمن ويحصلون على أكثر من 85% من الخدمات الصحية الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية ضرورة العمل على تعديل هذه العملية وتصحيحها وفق منظور التنمية الشاملة الذي يعتمد العدالة الاجتماعية في المساواة والتكافؤ بين الريف والحضر في توزيع الخدمات الصحية والتعليمية.

قد يعجبك ايضا