استطلاع/عبدالباسط النوعة –
المهندس شمسان: 005 مبنى تاريخي.. والأهالي والصندوق الاجتماعي مشاركون في ترميم »390« مبنى
»110« مبانُ لا زالت بانتظار الترميم
عروس فاتنة تحوي كل أوصاف وصفات الجمال رغم أن ميلادها يعود إلى ما قبل مئات السنين ومع هذا العمر الطويل لم تشيخ بل إنها ومع مرور الزمن تزداد بهاءٍ وحسناٍ مع أن المعروف عنها عداؤها مع كل ما جاءت به الحداثة من وسائل وأساليب التجميل والتطور بل إن هذه الوسائل الأساليب تمثل لها تشويهاٍ إذا ما اقتربت منها من يراها ويتأمل كل تفاصيلها ويشتم رائحة أصالتها ويبحر في أعماق دواخلها فحتماٍ يقع في الأسر إلى الأبد مهما كان حراٍ وجاب البلدان وغاب عنها فكم من أسارى لهذه الفاتنة ونحن منهم لم يستطيعوا التخلص من أسرها وقيودها وأغلالها مع أن أياديهم تمتد إلى حيث يشاؤون وأرجلهم تذهب إلى حيث يشاؤن لكنها الحواس هي المأسورة والمكبلة بالقيود أتدرون من هي هذه الفاتنة البالغة من العمر مئات السنين إنها مدينة بكل مكوناتها حضارة بكاملها شامخة تناطح السحاب مع أنها تقبع في وادُ ذي مستوى منخفض. مدينة شبام حضرموت ومهما تحدثت عنها وعن جمالها وفتنتها فلن تستطيع أن تفيها حقها وتظل الكلمات عاجزة عن وصفها بما تستحق أو بما هو فيها ونظراٍ للقيمة العظيمة لهذه المدينة التاريخية فقد كانت من أوائل المدن والمعالم التاريخية في العالم التي دخلت قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو المعنية بالاهتمام والعناية بالتراث في سائر البلدان عام 1986م وبهذا أصبحت مدينته شبام حضرموت تراثاٍ إنسانياٍ يهم البشرية جمعاٍ ماضيها وحاضرها ومستقبلها وليست وحدها شبام حضرموت من دخلت في هذه القائمة العالمية بل دخلت إلى جانبها مدينة صنعاء القديمة وتلتهما بسنوات قليلة مدينة زبيد ولا زالت هناك مدن ومعالم يمنية كثيرة تنتظر أن يأتي دورها لتنظم إلى القائمة كونها تستحق لكن للأسف الشديد المدن والمعالم اليمنية التي تنتظر أن تدخل القائمة باتت تنتظر أن تخرج مدينة يمنية من هذه القائمة وبالتالي قد تشكل هذه الخطوة إن حدثت لا قدر الله خيبة أمل لهذه المدن والعالم المنتظرة وقد تمثل لها الطريق إلى القائمة أكثر وعورة ومشقة فالمجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو سينظرون إلى اليمن بأنه بلد لا يهتم بالتراث ولا يحترمه وقد تكون هذه حقيقة والدليل على ذلك أن مدينة زبيد التاريخية تنتهك حرمتها التاريخية والحضارية منذ سنوات عديدة وربما منذ إعلانها في قائمة التراث العالمي في العام 1993م وبرغم الصيحات والنداءات التي أطلقتها اليونسكو ووضعها للمدينة في قائمة الخطر وتهديدها بشطبها نهائياٍ من قائمة التراث العالمي جراء الخراب والدمار الذي يطال مكوناتها التراثية التي من أجلها دخلت المدينة ضمن التراث العالمي وهاهي تمضي سنوات إحدى عشر بعد إعلان اليونيسكو وتهديداتها ودعواتها للجهات المسؤولة باليمن إلى الحفاظ على المدينة ومعالجة الاختلالات التي تستهدف تراثها إلا أن الجهات المعنية في اليمن تعاملت بلا مبالاة وتساهل بل وشاركت في هدم وخراب هذه المدينة .
فطوال هذه السنوات لم تستطع الدولة على الأقل وقف الاعتداءات والتخريب وها هي مدينة صنعاء القديمة باتت قاب قوسين أو أدنى من مصير زبيد كما يرى بعض المختصين والأكاديميين فمن ينقذ زبيداٍ الغارقة في بحر الخراب ومن يحمي صنعاء القديمة من براثن المخربين والفاسدين¿¿!!
ووحدها مدينة شبام حضرموت تبهج الصدر وتريح الفؤاد وتبعث الأمل في النفوس..
من أهم المدن التاريخية عالمياٍ
شبام حضرموت المدينة التي أطلق عليها اسم أول ناطحات سحاب في العالم وذلك بسبب أن معظم منازلها تتراوح عدد طوابقها بين »7–8« طوابق ومبنية من الطين الخالص حيث تستخدم اللبن في عملية البناء وتحوي الكثير من الخصائص والمميزات التي تنفرد بها عن سائر المدن التاريخية في اليمن فمدينتا صنعاء القديمة وزبيد التي تندرج معها في قائمة التراث العالمي مبنية من الأحجار والياجور بينما شبام حضرموت لا تستخدم الأحجار إلا في الأساسات فقط ولا تهتم كثيراٍ بها فهي تستخدم أي أحجار..
ويقول المهندس المعماري جميل شمسان القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية إن مدينة شبام حضرموت تعتبر واحدة من أهم وأثرى المدن التاريخية ليس على مستوى اليمن فحسب بل وعلى مستوى العالم كله ولهذا تعتبر من أوائل المدن التاريخية في العالم التي اندرجت في قائمة التراث العالمي في العام 1986م وتعتبر ذات تميز لأسباب تتعلق بطابعها المعماري ومنها أن البناء يتركز على مادتين أساسيتين هي الطين والخشب وهي مبنية باللبن بينما في صعدة ومدن تاريخية أخرى وكذا سور صنعاء نلاحظ أن نمط البناء مختلف مع أنه يستخدم الطين إلا أن هذا البناء في صعدة وغيرها يسمى بالزابور أو نظام المداميك وهي عبارة عن كتل طينية يتم وضعها فوق بعضها وتكون الكتلة الواحدة ذات ارتفاع ٥ سم وطولها يمتد على طول المبنى وهذه الطريقة في البناء قوية جداٍ وتستهلك الكثير من الوقت والجهد. أما بالنسبة للبن المستخدم في مدينة شبام حضرموت فهو يحتاج إلى حزمة أكثر من الزابور فاللبن عبارة عن قوالب مستطيلة يتم عملها من الطين بعد تخميره وخلطه جيداٍ بمادة التبن هذه المادة التي تعمل على تماسك وتداخل المادة الطينية ويضع بعدها القوالب أو اللبن والتي يتم بناؤها بطريقة فريدة حيث يكون عرض المبنى من الأسفل كبيراٍ ويقل هذا العرض كلما زاد الارتفاع حيث يصل في المتوسط إلى قرابة »50«سم في الأسفل وفي نهاية المبنى يقل إلى »25« سم تقريباٍ ولهذا تلاحظ أن معظم المباني الطينية في شبام ذات ميلان كبير إلى الداخل كلما زاد الارتفاع زاد الميلان..
البغلة
❊ وأثناء تجوالنا في مدينة شبام التاريخية لاحظنا أن معظم مبانيها تكون محصنة من الأسفل بمعنى أنه يتم وضع جدار صغير يقدر ارتفاعه بمتر أو أكثر يساند جدار المنزل وهذا الجدار يسمى »البغلة« هذه البغلة تشكل الحمى للمنزل من الأمطار وعوامل التعرية والبغلة وجدناها في كثير من المدن التاريخية خاصة مدينة جبلة إلا أن البغلة في مدينة جبلة وكما هو البناء تكون من الأحجار الصلبة القوية بينما البغلة في مدينة شبام حضرموت من اللبن ومع أن البناء يتم من خلال اللبن التي هي عبارة عن قوالب مستطيلة الشكل لا يلاحظ الزائر أن المنازل مبنية من القوالب ولا توجد إشارات أو فواصل توضح ذلك فالبناء بأكمله عبارة عن جدار واحد يحوي نقوشاٍ تفصل بين كل طابق والسبب في عدم ملاحظة القوالب في البناء أن كل منازل شبام حضرموت مطلية بالطين من الأسفل إلى الأعلى وهذا الطلاء الطيني أضاف بعدين الأول جمالي يتيح الحرية في التلوين والزخرفة والنقوش البديعة والبعد الثاني كما يقول شمسان بعد هندسي فني يتمثل بأن هذا الطلاء الطيني أو هذه الطبقة الطينية التي يصل سمكها إلى ٥سم تعتبر حامية للقوالب تحميها من عوامل التعرية وبالتالي تتأثر تلك الطبقة وهي تحتاج إلى صيانة مستمرة فإذا تأثرت الطبقة يمكن السيطرة على هذا التأثر بسهولة ولا تؤثر على المبنى بينما إذا تأثرت القوالب يكون الخطر قد بدأ يلوح على المبنى بأكمله..
أساسات بسيطة
وأضاف شمسان ميزة أخرى للبناء في مدينة شبام حضرموت يتمثل في أن أساسات المباني الشبامية تحوي مواد هامة هي الملح وأخشاب الروك التي تستخدم للسواك لأن هذه الأخشاب ولا تتأثر ولا تتآكل بينما الملح يعمل على تماسك التربة والروك يعمل على تماسكها بالتالي يشكلان معاٍ طبقة داعمة للبن خاصة إذا ما علمنا أن الأحجار التي تستخدم في الأساسات عادية ولا يتم الاهتمام بها «أي أحجار» وتتراوح عمق أساسات المباني في شبام بين 120-150 سم وهي أساسات ضعيفة جداٍ «قليلة» خاصة أن البناء التي يرتكز عليها يحوي العديد من الطوابق وبالتالي إلى أساسات عميقة في باطن الأرض..
التهوية
كذلك من المميزات الموجودة في المباني الشبامية أنها منازل باردة في أماكن حارة والسبب يعود إلى الطريقة الرائعة في عملية التهوية في تلك المنازل حيث تعتمد هذه العملية الفتحات الكبيرة و»النوافذ» الموجودة في كل طوابق البناء ويكون موقعها أعلى الطوابق وهذه الفتحات تجلب الهواء البارد إلى الغرف والهواء البارد يكون دائماٍ ثقيلاٍ وبالتالي ينزل إلى الأسفل ليطرد الهواء الحار الذي يرتفع إلى تلك الفتحات ويخرج لأنها فتحات كبيرة.
وشبام حضرموت الواقعة في وادي سحيق والموجودة كجزيرة في ذلك الوادي يبلغ عدد مبانيها »500« منزل رمم منها حسب ما يقول المختصون من هيئة الحفاظ على المدن التاريخية »390« منزلاٍ وكان التمويل موزعاٍ بين الأهالي الذين شاركوا بقرابة »60٪« والصندوق الاجتماعي للتنمية الذي شارك بالباقي وكان هذا المشروع عن طريق المنظمة الألمانية »GIZ« التي انتهى عملها في اليمن الأسبوع الماضي وبالتالي بقي »110« منازل بحاجة إلى ترميم فمن البديل للمشروع الألماني¿ وكيف سيتم ترميم ما بقى من منازل¿ هذا الموضوع وموضوعات أخرى حول شبام حضرموت نتناولها في الحلقة الثانية الأسبوع القادم.
❊ وتظل صنعاء القديمة وزبيد جرحاٍ غائراٍ في قلب كل يمني غيور على وطنه يحب أجداده ويعتز بماضيه ولهذا إلزاماٍ علينا أن نحافظ على هاتين المدينتين من العبث والإهمال ونسعى جميعاٍ إلى أن تظل صنعاء القديمة وزبيد تراثاٍ إنسانياٍ تعتز بها الأجيال القادمة .. ألا نستطيع أن نفعل ذلك هل نحن عاجزون إلى هذه الدرجة¿¿