أهمية التكامل الاقتصادي الإقليمي لدول الجزيرة العربية والخليج

غالب حسن البحري –
الجزيرة العربية تمثل إقليما موحداٍ مترابط جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتاريخيا تتميز بخصائص دينية وتاريخية واقتصادية جعلته من أهم الأقاليم في المنطقة العربية وتقع الجزيرة العربية بين قارتي آسيا وإفريقيا وهي عبارة عن هضبة مرتفعة ذات انحدارين أحدهما باتجاه الغرب والآخر باتجاه الشرق ويحدها من الغرب البحر الأحمر ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب ومن الشرق خليج عمان والخليج العربي ومن الشمال بلاد الشام والعراق.
وتقدر مساحة الجزيرة العربية 2640000كم2 تشكل مساحة صحراء الربع الخالي منها 500000كم2 ويقدر طولها بحوالي 2200 وعرضها بحوالي 1200كم ويقدر سكان الجزيرة العربية بنحو 57 مليون يتركز معظمهم في السعودية واليمن وبنسبة 82.4 من إجمالي السكان.
مناخ الجزيرة العربية حار جاف في المناطق الصحراوية وحار رطب في المناطق الساحلية ومعدل في المناطق الجبلية ويعتمد على مياه الأمطار الموسمية التي تسقط خلال فصل الصيف بشكل رئيسي كما تتميز بتربة الثروة الحيوانية من الابقار والأغنام والماعز والجمال والجزيرة العربية قبل الإسلام كانت خاضعة لحكم الدول التي قامت في جنوب الجزيرة وبعد الإسلام ظلت الجزيرة العربية موحدة تحت حكم الدولة الإسلامية حتى عهد الاستعمار الغربي الذي استخدم سياسة فرق تسود وقام بدعم الحركات المحلية والقبائل والعشائر المناهضة لسياسة آخر دولة إسلامية وهي الدولة العثمانية التي فشلت في إدارة الدولة الإسلامية والحفاظ على وحدتها وبدء العد التنازلي لسقوطها وتقسيم الوطن العربي الذي يمثل قلب الأمة الإسلامية من قبل الدول الاستعمارية الجديدة بريطانيا وفرنسا وكانت الجزيرة العربية من حصة بريطانيا التي قامت بتقسيمها إلى أكثر من 20 دولة بحسب القبائل والعشائر والسلطات والمشيخات التي كانت سائدة وتقديم الدعم والرعاية الكاملة لهذه الدويلات مقابل الولاء لسياسة بريطانيا ونتيجة لمقاومة الاستعمار والصراعات المحلية التي كانت تحدث بين القبائل والعشائر ظهرت دول جديدة تمكنت من توحيد نفسها مثل السعودية التي قام بتأسيسها الملك عبدالعزيز الرحمن آل سع ود بعد تغلبه على آل رشيد في نجد وعلى الشريف حسين ملك الحجاز وعلى الإدريسي في عسير ونجران وذلك عام 1924م واليمنفي جنوب الجزيرة العربية وفي شرق الجزيرة العربقية دولة الإمارات العربية التي كانت مقسمة إلى سبع جزر كل جزيرة تمثل دويلة تم توحيدها بعد خروج الاستعمار عام 1972م من قبل الشيخ زائد آل نهيان وسلطنة عما ودولة قطر ودولة البحرين والكويت.
وتعتبر اليمن مهد الحضارات التاريخية قبل الإسلام وبعده أستوطنها عرب الجنوب الذين سادوا الأرض ومن قبلهم قوم نوح وعاد وكانت مسرحا للحضارات القديمة مثل حضارات معين وسبأ وحمير وقتبان وحضرموت وغيرها من الحضارات وفي العهد الإسلامي لم يغيب دور اليمن في مناصرة الدين الإسلامي ونشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة في جميع أصقاع الأرض التي وصلها الرسلام وكان أهل اليمن من أوائل انصار الرسول عليه الصلاة والسلام والسباقون إلى فعل الخيرات والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن هذه هي صفات أهل اليمن وتاريخهم العظيم الذي يفتخرون به ويستمدون منه القوة والهمة في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمن واستقرار ووحدة الأمة.
الإنسان اليمني استطاع بقوة الإرادة والعزيمة أن يسخر تعقيدات الطبيعة التي يعيش عليها الخدمة وتأمين غذائه من خلال نحت المدرجات وإصلاحها في قمم الجبال وانشاء السدود والخزانات المائية لحفظ مياه الأمطار والاستفادة منها في استخداماته المنزلية والزراعية وهذا ما تؤكده المصادر التاريخية والشواهد الطبيعية التي ما زالت آثارها حاضرة حتى التاريخ.
وكانت اليمن عبر المراحل التاريخية في منطقة الجزيرة العربية تمثل مصدر قوة مادية وبشرية واقتصادية حتى عهد الحقبة النفطية التي تم اكتشاف النفط فيا واستخراجه من قبل الشركات الغربية التابعة للدول الاستعمارية الرأسمالية التي تتحكم باستثمار النفط وتسويقه ومن هذه الفترة التي غيرت طبيعة الحياة في منطقة الجزيرة والخليج وأدت إلى تباين مستوى المعيشة والتطور لدول المنطقة تغيرت العلاقة فيما بين دول المنطقة وخاصة مع اليمن لم يستقر وضعها السياسي ولم تتمكن من اكتشاف ثروتها النفطية التي مازالت مخزونة في باطن الأرض واختلاف نظامها السياسي عن نظام دول المنطقة, ذلك ما أدى إلى استبعاد اليمن عن منظومة دول المنطقة رغم معرفتهم بأهمية اليمن ودورها في دعم وتقوية التكامل الاقتصادي الإقليمي لدول الجزيرة والخليج وتأمين المنطقة من التهديدات الخارجية وتوفير الأمن الغذائي للسكان وتجاهل اليمن واستبعادها من التكتل الإقليمي لمنطقة الجزيرة والخليج لا يخدم دول المنطقة ولا يساعد على استقرارها وخاصة في ظل الصراعات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم ويغذيها ويحركها نظام العولمة الرأسمالي الذي يهدف إلى السيطرة على الاقتصاد العالمي وتدويل الصراعات السياسية والاقتصادية في كثير من دول العالم ومنها الوطن العربي الذي يشهد ثورات الربيع العربي كما يسميها الإعلام الدولي المعرب لإسقاط الأنظمة وخلق الفوضى لتبرير التدويل والتدخل لإدارة الصراعات والتحكم فيها تحت ذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان وبما يخدم مصالح الدول الرأسمالية التي تتبنى وتدعم الانتفاضات الشعبية ودفعها للخروج إلى الشارع لإضعاف الأنظمة والقوانين وتخريب مصالح الشعوب وفتح الأبواب للتدخلات الخارجية من قبل الدول الرأسمالية التي تتحكم بالقرارات الدولية.
اليمن بالنسبة لدول المنطقة تشكل عمقاٍ استراتيجياٍ لها كما كانت قبل الطفرة النفطية التي غيرت نمط الحياة لسكان المنطقة من حياة البداوة والمعتمدة على الرعي والصيد البحري إلى حياة الترف والبذخ والمضاربة المالية والعقارية المعتمدة على عوائد النفط التي تعود عليهم من الشركات المستثمرة للثروة النفطية فاليمن يتميز بقوة بشرية كبيرة ذات قوة وبأس شديد قادرين على العمل والإنتاج والتطوير والنهوض باقتصاد المنطقة, يمتلك فرص استثمارية واعدة متنوعة في جميع المجالات الإنتاجية والخدمية مفتوحة أمام الاستثمار الخليجي للاستفادة منها في توسيع القاعدة الإنتاجية وإنشاء تكتل إقليمي قادر على مواجهة تحديات العولمة وبناء قوة اقتصادية مؤثرة في المحيط الإقليمي وفي السوق العالمية التي تشهد منافسة حادة وصراع يتهدد اقتصاديات الدول الخارجة عن التكتلات الاقتصادية والغير قادرة على حماية اقتصادها بنفسها. وهذا ما يحتم على دول منطقة الجزيرة والخليج العمل على توحيد إمكانياتها وتشكيل تكتل إقليمي ويضم جميع دول المنطقة بدون استثناء بهدف الحماية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأن الزمن لا يرحم وصراع المصالح يتعاظم ونظام العولمة لحكم العالم يتوسع على حساب تهالك وتساقط الأنظمة الإقليمية وقوانينها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بسبب عجز الأنظمة عن توحيد نفسها وتغليب مصلحة شعوبها على مصالحها الذاتية وهذا ما تعاني منه الأنظمة التقليدية في إقليم الجزيرة العربية وغيرها من الأقاليم العربية التي تشهد انتفاضات شعبية ضد حكامها المتمسكين بالسلطة والثروة وحكم الشعب بالقوة.

> مدير عام مكتب التخطيط بمحافظة المحويت

قد يعجبك ايضا