بوتين وروسيا الجديدة

محمد القراري –
يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى منطقة الشرق الأوسط هي الأولى له منذ عودته إلى الكرملين بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في مايو الماضي¡ ليعيد بذلك التأكيد أن هذه المنطقة تعد بالغة الأهمية لروسيا الاتحادية ولا يمكن لموسكو أن تكون بعيدة عنها خصوصا◌ٍ في ظل ما تشهده من تطورات متلاحقة¡ إضافة إلى القضايا المزمنة مثل قضية فلسطين المحتلة والسلام المتعثر بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكثير من القضايا الأخرى ذات البعد الاستراتيجي المؤثر في رسم مستقبل العلاقات الدولية كالأزمة السورية وملف إيران النووي..
ولقد اختار بوتين تل أبيب محطته الأولى ثم رام الله في الضفة الغربية وغدا◌ٍ سيكون في العاصمة الأردنية عمان لإعطاء زيارته بعدا◌ٍ سياسيا◌ٍ.
الآن فلسطين المحتلة هي مركز ومحور القضايا كلها وأقدمها على الإطلاق¡ ولا خلاف على ذلك¡ إلا أن الزيارة لا شك تحمل رسائل أخرى مختلفة وهي أن روسيا موجودة في قلب أزمات هذه المنطقة وتريد أن تلعب دورا◌ٍ إلى جانب الدور الأمريكي الذي استفرد بموضوع السلام ومحادثاته¡ وظلت روسيا متواجدة فقط من خلال اللجنة الرباعية الدولية والتي تضم إلى جانبها أمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي برئاسة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والتي لم تقدم شيئا◌ٍ للدفع بالسلام نحو الأمام¡ بل ازداد تعثرا◌ٍ نتيجة التصلب والتعنت الاسرائيلي¡ ولهذا أراد الرئيس الروسي أن يقول أن بلاده موجودة ولديها الاستعداد للمشاركة بفعالية أكثر..
ü لكن وبحسب كثير من المراقبين الذين يعتبرون أن قضية السلام هي قضية تقليدية لذلك لم تتحدث التصريحات عنها في زيارة بوتين للشرق الأوسط¡لكنهم أشاروا إلى القضايا الجديدة والساخنة وهي الأحداث والتطورات التي شهدها العالم العربي نتيجة تغيرات ثورات الربيع العربي في عدة بلدان مثل مصر وتونس وليبيا وأيضا الأزمة السورية وما أخذته من أبعاد دولية آخرها اجتماعات الناتو على خلفية حادثة إسقاط طائرة تركية داخل الأجواء السورية .
واستطاعت موسكو إلى جانب بكين أن تكونا حجر عثرة أمام السعي الغربي في مجلس الأمن الدولي بهدف استصدار قرار دولي يتيح التدخل العسكري ضد دمشق¡ مثلما حدث في ليبيا ضد نظام العقيد القذافي والذي انتهى بمقتله على يد الانتفاضة المسلحة¡ رغم أن قرار مجلس الأمن كان الهدف منه حماية المدنيين ومنع العنف¡ الأمر الذي اعتبرته روسيا استغلالا◌ٍ سيئا◌ٍ من قبل الغرب والناتو خصوصا◌ٍ للمنظمة الدولية وقرارات مجلس الأمن وكررم أنها لن تكرر نفس الخطأ في سوريا وهو ما قوبل بانتقادات شديدة من الغرب وبعض الدول الغربية للموقف الروسي وتجييش الآلة الإعلامية وهو ما يحاول بوتين من خلال تحركاته في أوروبا وقمة العشرين بالمكسيك أن يدافع عنه..
البرنامج النووي الإيراني أيضا لا شك أنه حاضر وبقوة في هذه الجولة¡ برغم أن إسرائيل تهدد باستمرار بأنها ستلجأ للخيار العسكري لوقف هذا البرنامج الذي تؤكد طهران باستمرار أنه لأغراض سلمية بحتة وتصر على التمسك بحقها في الحصول على التكنولوجيا النووية¡ وقد استضافت موسكو آخر جولة من المحادثات في هذا الشهر ضمت إيران ومجموعة «5+1»الدولية «أمريكا – بريطانيا- فرنسا- الصين- روسيا- المانيا» بهدف البحث عن حل دبلوماسي لهذا الملف¡إلا أن النتائج لم تكن كما يتمناها الغرب لكنها أبقت جل المفاوضات قائما◌ٍ جنبا◌ٍ إلى جنب مع تهديد فرض حزمة عقوبات جديدة سيبدأ تطبيقها الشهر المقبل وهذا ما ترفضه روسيا والصين أيضا ..
من جميع تلك المعطيات نجد أن الهدف الأبعد لتحركات الرئيس الروسي المزعج للغرب وخصوصا◌ٍ واشنطن والتي تصفه وسائلها الإعلامية بالاستعراض.. هو تأكيد أن روسيا هذه الأيام ليست روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي التي كانت تكتفي بالرفض السياسي عبر التصريحات وتبقى متفرجة أمام الأحداث للوصول إلى صفقات في نهاية المطاف¡ بل يريد بوتين «لاعب الجودو» أن يقول: روسيا لها مصالح استراتيجية في هذه المنطقة ولن تفرط بها أبدا◌ٍ¡ كما أنها لن تسمح للغرب وأمريكا خصوصا◌ٍ بأن تتصرف كما يحلو لها¡ وسوريا مركز هذا التحول الجديد في مسار السياسة الروسية الجديدة..

قد يعجبك ايضا