روسيا ˜البوتينيøةŒ والسعي لعالم متعدد الأقطاب



عبدالملك السلال
يعود فلاديمير بوتين إلى الكرملين وسط تساؤلات حول دور روسيا على مسرح السياسة الدولية في ظل المتغيرات المتسارعة على أكثر من صعيد وقد سبق لبوتين الذي ينظر إليه على انه زعيم روسيا الأوحد ­ رسم خارطة السياسة الخارجية لبلاده التي تتطرق لأبرز القضايا الدولية ومنها على سبيل المثال لا الحصر التأكيد على ضرورة انتهاج نظام عالمي جديد قائم يرتكز على التعدية القطبية وبما يضع حدا للهمينة الأمريكية على العالم الأمر الذي سيضع العلاقات الأمريكية ­ الروسية على المحك ولو رجعنا قليلا الى الوراء سنجد أن بوتين شدد في هذا الأمر على أنه لا يمكن تجاهل بلاده في القضايا الإقليمية والعالمية مؤكدا على ضرورة مراعاة مصالحها دون أن يغفل سعي موسكو لفهم مصالح شركائها وأخذها بعين الاعتبار ومما لاشك فيه أن فصول الصراع على التعددية القطبية التي تحظى بتأييد الصين ستأخذ اتجاهات مختلفة من التباين والشد والجذب مع الولايات المتحدة الأمريكية وعلى أكثر من صعيد وقضية لكنه لا يرقى إلى فترة ­ الحرب الباردة­ حسابات متداخلة وتدرك الولايات المتحدة وخلفها الاتحاد الأوروبي مخاطر التأزم في العلاقات مع موسكو وبكين في هذه المرحلة التي يقف فيها الاقتصاد الأوروبي والأمريكي على حافة الهاوية وحيث توجد أيضاٍ حاجةَ قصوى لعلاقات طيبة مع روسيا الاتحادية لتسهيل عمل قوات الناتو في أفغانستان والتي تعاني من أوضاع صعبة تتفاقم يوماٍ بعد يوم وها هو فلاديمير بوتين يعود الآن لرئاسة روسيا الاتحادية على قاعدة السياسة التي أطلقها أولاٍ في مؤتمر ميونخ عام 2007م حيث أكد آنذاك رفضه للقطبية الدولية الواحدة وللانفراد الأمريكي بتقرير مصير العالم مما اعúتبر حينها نقطة تحول في سياسة موسكو ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي فمنذ ذلك التاريخ تنظر روسيا إلى السياسة الأمريكية على أنها مصدر خطر مباشر على المصالح الروسيةأيضاٍ تحذر موسكو من سياسة واشنطن العاملة على نشر منظومة الدرع الصاروخي في عددُ من الدول وتعتبر ذلك تهديداٍ للأمن القومي الروسي كذلك أدركت موسكو أن الوجود العسكري في منطقة الخليج العربي وفي أفغانستان وفي جمهوريات آسيوية إسلامية يعد بمثابة تطويق شامل للأمن الروسي يتكامل مع امتداد حلف الناتو في أوروبا الشرقيةلكن السياسة الروسية البوتينية لم تكن بالضرورة عودةٍ إلى أجواء الحرب الباردة وإلى سباق التسلح بين موسكو وواشنطن بل من خلال السير بخطى ثابتة ولو بطيئة لاستعادة بعض مواقع النفوذ التي فقدتها موسكو عقب سقوط الاتحاد السوفييتي الآن تعود موسكو غير الشيوعية إلى منطقة الشرق الأوسط وهي دولة كبرى قادرة على المنح والمنع معاٍ أوروبا بيضة الميزان إن العالم يشهد اليوم هبوطاٍ متدرجاٍ لدور الإمبراطورية الأمريكية مقابل تصاعدُ ملحوظ لدور روسيا والصين وما حدث ويحدث من توتر وخلافات خاصة بين واشنطن وموسكو ليس مجرد غيمة عابرة تصفو بعدها العلاقات بين البلدين لكن أيضاٍ ما نشهده من أزمات سياسية بين البلدين ليست حرباٍ باردة جديدة بين قطبين دوليين فأبرز سمات الحرب الباردة التي سادت بين موسكو وواشنطن خلال النصف الثاني من القرن العشرين كانت قائمةٍ على مفاهيم ايديولوجية فرزت العالم بين معسكرين شيوعي شرقي ورأسمالي غربي وهذا الأمر غائبَ الآن عن الخلافات الروسية الأمريكية كذلك فإن الحرب الباردةقامت على تهديدات باستخدام السلاح النووي بين الطرفين كما حدث في أزمة صواريخ كوبا مطلع الستينيات وعلى حروب ساخنة مدمرة في دول العالم الثالث في سياق التنافس على مواقع النفوذ وهي حالات بعيدة كلها الآن عن واقع الأزمات الراهنة بين موسكو وواشنطن فأولويات روسيا الآن هي مصالحها المباشرة وأمنها الداخلي وأمن حدودها المباشرة في أوروبا وإصرارها على مواجهة أية محاولة لعزلها أو لتطويقها سياسياٍ وأمنياٍ كما حاولت واشنطن أن تفعل من خلال توسيع عضوية حلف الناتو وعبر مشروع الدرع الصاروخي وتتصرف موسكو حالياٍ مع إدارة أوباما على أمل أن تكون أكثر تفهماٍ للموقف الروسي من الإدارة السابقة وأن يحترم الرئيس أوباما السياسات التي أعلنها حينما تولى الحكم
لجهة وقف الانفراد في القرارات الدولية واحترام مرجعية الأمم المتحدة ورغم التباين والخلافات القائمة حالياٍ بين البلدين فإنهما يحرصان على إبقاء الصراع بينهما مضبوطاٍ بسقفُ محدد خاصةٍ في ظل الضغط الأوروبي العامل في هذا الاتجاه فأوروبا هي بيضة الميزان الآن في العلاقات الروسيةالامريكية وهناك عدة دول أوروبيةغربية وشرقية لا تجد لها مصلحةٍ في تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن ولا تريد أن تكون في حال الاضطرار للاختيار بين هذا الطرف أو ذاك فروسيا الآن هي مصدر مهم للطاقة في أوروبا وهناك مصالح تجارية واقتصادية كبيرة تنمو بين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي وهذا الموقف الأوروبي هو عنصر مهم الآن في ضبط ايقاع العلاقات الروسية­ الأمريكية ويمكن القول أن جولة بوتين الأولى لروسيا البيضاء وألمانيا وفرنسا غدا الجمعة من شأنها أن تعزز موقفة ضد سياسة واشنطن الاحادية في حالة حصولة على دعم هذه الدول لاسيما رئيس فرنسا الجديد هولاند الذي يريد ان يجري تغييرات على سياسة بلاده الخارجية إزاء الارتماء في احضان الولايات المتحدة لتستعيد فرنسا بعضا من وزنها وثقلها ­ داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه هذه الارادة في التغيير تتوافق حتما مع طرح ورؤى موسكو إزاء التفرد الأمريكي بالعالم إن روسيا بغض النظر عن نظام الحكم فيها لا يمكنها أن تكون منعزلةٍ أو محصورةٍ فقط في حدودهاهكذا كانت روسيا القيصرية وروسيا الشيوعية وهكذا هي الآن روسيا البوتينيةوهناك مصلحة لكل دول العالم في تصحيح الخلل في ميزان العلاقات الدولية والعودة إلى مرجعية دولية متوازنة في التعامل مع الأزمات القائمة الآن ووقف التفرد الأمريكي الذي حصل في ظل الإدارة الأمريكية السابقة والحروب التي خاضتها بلا مرجعية مجلس الأمن الدولي .

قد يعجبك ايضا