مخاطر العيش بين خرائب المباني القديمة

تحقيق وتصوير/ عبدالباسط النوعة –
{.. وضع المدن التاريخية في بلادنا من سيئ إلى أسوأ صحيح أننا نمتلك الكثير من المدن التاريخية تحكي بين ثناياها حضارات مختلفة فتلك مدينة اختطها سام بن نوح وأخرى اختطها الصليحيون وثالثة اخطتها الأئمة وهكذا وشاءت الأقدار أن نأتي نحن خلفاٍ لأجداد بنوا وعلوا وزخرفوا ونقشوا لنخرب ونطمس ما بنوه فمدننا التاريخية تعيش بين عبث وتخريب وهدم ولا يوجد من يحرك ساكناٍ باستثناء أصوات خافتة هنا وهناك سرعان ما تجد طريقها الحتمي للسكوت والدولة تلهث وراء أمور أخرى وتغض الطرف عن كل ما يمت إلى الماضي بصلة مع أن الحاضر ربما يكون أسوأ بكثير من الماضي ويا ليتها نجحت في الأمور التي تلهث وراءها “ما علينا” المهم أصبح تراثنا وتاريخنا متروكاٍ دون حماية واهتمام ليتلقفه حفنة من الجهلة وأصحاب المصالح كلُ يتعامل معه كيفما يشاء وبحسب قوانينه ولوائحه دون حسيب أو رقيب فبالأمس تحدثنا عن مأساة مدينة زبيد ذلك الجرح الغائر الذي لم يندمل بل يتوسع بمرور السنوات كذلك تحدثنا عن صنعاء القديمة وكيف أنها يمكن أن تلاقي مصير زبيد وها نحن نعاود التحدث عن حاضرة اليمن الشمالية مدينة صعدة القديمة وما حل بها من نكبات الحروب وآلات الدمار الهمجية.

تحدثنا في حلقة سابقة عن هذه المدينة وما حل بها والخراب الذي طال منازلها التاريخية أثناء الحرب السادسة في محافظة صعدة وكان نزولنا الميداني إلى المدينة للإطلاع عن كثب والالتقاء بالناس وتلمس الواقع الذي يعيشونه وأثناء تجولنا في المدينة وتحديداٍ في الأحياء المنكوبة التي أصبحت في أماكن عديدة بقايا مباني أو إطلال متراكمة فوق بعضها مشاهد من الأسى والألم اعتصرت قلوبنا ونحن نشاهد تاريخاٍ عظيماٍ يدفن ويغمر فوق بعضه خسارة ما بعدها خسارة وشاهدنا أناساٍ يبيتون في منازل مهدمة وآخرين في الطابق الأول من البيت المخصص للحيوانات “الحران” وفوقهم جبال من ركام يمكن أن يسقط عليهم بأية لحظة نساء وأطفال وشباب وشيوخ يسكنون في أماكن يمكن أن تكون مقبرة لهم.. من الذي يرغمهم على ذلك¿¿
لنترك المجال لأولئك الناس ليحكوا معاناتهم وإصرارهم على البقاء في منازل بهذه الخطورة مع أن الدولة أنشأت صندوقاٍ لإعادة الإعمار لكافة المناطق والمديريات التي تضررت جراء الحروب بصعدة.
سنوات من الانتظار
يقول الأخ عبدالله محمد طلحان عاقل حارة التوت: حالة الناس سيئة ومؤلمة إلى أبعد الحدود بعضهم عايشين في الخيام وبعضهم عايشين بين الخراب وآخرين استطاعوا أن ينفذوا بجلودهم ولديهم إمكانيات حيث قاموا بالاستئجار خارج المدينة القديمة والناس ومنذ سنوات ينتظرون أن تعمر بيوتهم ولكن صندوق الإعمار يحمل المدن التاريخية السبب في التأخير والمدن التاريخية تحمل الصندوق بالإضافة إلى أن الصندوق أحياناٍ يقول إنه لا يوجد لديه مال ولم نعد ندري أين الحقيقة!! وأهالي صعدة القديمة لا يعارضون أبداٍ أن يتم إعادة منازلهم بنفس النمط التقليدي القديم بل ويفضلون ذلك ولكن الياجور الصعدي غير متوفر في صعدة ولهذا اقترح أن يتم عمل محاريق خاصة للياجور في صعدة..
نداء استغاثة
والتقينا أيضاٍ عاقل حارتي الدرب والحاكم الوالد هادي محمد بشير والذي تحدث عن المعاناة الكبيرة قائلاٍ: حارة الدرب وحارة الحاكم من أكثر الحارات في صعدة القديمة قدماٍ وثراءٍ حضارياٍ وأيضاٍ نالها نصيب الأسد من التخريب والتدمير وهناك الكثير من الأسر مهددة بالموت في أية لحظة فهم يعيشون تحت ركام يمكن أن يقع فوقهم بأية لحظة والأطفال والشبان أصاب بعضهم الاكتئاب النفسي والأمراض البدنية بسبب عدم ملاءِمة المكان الذي يسكنون حيث اتخذوا من “الحران” والخيام مساكن لهم والمنازل التي يسكنون تحتها كل ساعة والخراب يتزايد بصورة مستمرة فمثلاٍ هذا البيت الذي أمامنا سقط أربع مرات في كل مرة تسقط أجزاء منه والمشكلة أن أهل البيت لا يزالون في الداخل يسكنون في “الحران” لأنهم بسطاء لا يملكون المال وليس لهم مكان يذهبون إليه وقد تعاون مهم في إزالة الركام الذي يتهدم ولا زال هناك الكثير منه وقد يسقط عليهم بأية لحظة «فليس كل مرة تسلم الجرة» حسبما يقول المثل ونحن نتكاتف ونتعاون لإزالة الركام ونبش المنازل المهدمة وإذا اعتمدنا على صندوق الإعمار في ذلك كنا قد متنا جميعاٍ..
ووجه نداء استغاثة إلى كافة الجهات المعنية ومنظمات حقوق الإنسان التدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فبعض الأسر وهي كثيرة تسكن والموت يحاصرها من كل الاتجاهات والمنازل التي يسكنونها يمكن أن تسقط فوقهم في أية لحظة لا سيما أن تلك المنازل مبانُ تقليدية تعتمد على الطين والياجور وتتأثر كثيراٍ بالمياه إذا تهدمت بعض أجزائها ومن الممكن إذا أمطرت ذلك إذن بكارثة قد تحدث لا سمح الله للكثير من الأسر.
وأكد أن معظم الناس مصرون على البقاء في منازلهم مهما كانت الظروف وكلهم ثقة بالله (موت موت – حياة حياة) خاصة أنهم لم يروا من يتجاوب معهم لا صندوق إعمار ولا مسئولون ولا منظمات حقوقية ولا هيئة مدن تاريخية وصندوق الإعمار يشتغل في المنازل التي لا توجد فيها سوى أضرار بسيطة (دكمة – ملاج – قمريات نوافذ) بينما المنازل المدمرة بشكل كلي أو المتضررة بشكل كبير لا يتم الاقتراب منها. إن هيئة المدن التاريخية تعمل أحياناٍ عرقلة بحجة التشوهات المعمارية والناس مضطرون جداٍ ومحتاجون كيف يعملون وأين يذهبون¿¿
لماذا استهدفت الأحياء القديمة¿
ويبدأ المواطن محمد حسين العركاضي حديثه بالتساؤل: لماذا تم استهداف الحارات الأكثر تاريخياٍ والأقدم في مدينة صعدة القديمة¿¿! ومحمد العركاضي من أهالي حارة الدرب ولديه منزل يعتبر من أقدم وأجمل المنازل في المدينة ويبلغ عمره حسب النص المكتوب أعلى بوابته «800» عام ولكن هذا المنزل العظيم أصبح مهدماٍ بشكل كبير ولكن الأخ محمد العركاضي لايزال حريصاٍ على السكن فيه يقول محمد: هذا المنزل كان يحوي نقوشاٍ وزخارف بديعة من الداخل وأيضاٍ على الجدران الخارجية ولاتزال بعض الشواهد ماثلة للعيان وقد تعرض هذا المنزل للقصف من قبل آلة الحرب المدمرة التابعة للدولة الأمر الذي تسبب في تهدم أجزاء منها ومازاد الطين بلة هو نشوب حريق داخل المنزل أدى إلى التهام الكثير من الزخارف والنقوش الخشبية فضلاٍ عن المخطوطات النادرة التي كانت تحويها صناديق خشبية تمثل قيمة حضارية هامة جداٍ وهذا المنزل تتساقط أجزاء منه بصورة مستمرة ودائمة فالداخل أصبح مخرباٍ بشكل كبير بينما الجدران الخارجية لا تزال معظمها قائمة وبحاجة إلى تدخل سريع جداٍ مالم فهي تسقط باستمرار والأدهى من ذلك أننا اتجهنا أنا وأسرتي إلى السكن في الجهة الشمالية من المنزل ولكننا نعيش في خوف دائم ورعب مستمر خصوصاٍ عندما نسمع في أواخر الليل حدوث بعض الانهيارات في أجزاء من المنزل ولكن ماذا نعمل وأين نذهب نواجه الموت ونحن مضطرون إليه والدولة لا تسمع ولا تهتم وصندوق الإعمار الذي وضعته لم يقدم لنا شيئاٍ لا نعلم لماذا هل هو إهمال أم وساطة ومحسوبية¿¿!
خلاف بين الصندوق وهيئة المدن التاريخية
ويضيف المواطن أحمد محمد الجذينة صاحب منزل متضرر في حارة الحاكم أن صندوق الإعمار قام برفع الركام من الأزقة وهذه مبادرة تحسب له لكنه أغفل بعض الأماكن التي يمكن أن تساهم في تجمع المياه في بعض الأزقة وهذه المياه لها تأثير سلبي كبير على المنازل كونها تتغلغل إلى الأساسات وتعمل على تسريع التهدم خاصة في المنازل المتضررة كما أنه يعرقل السير للأطفال والنساء والشيوخ لأن التربة شديدة التزحلق.. وتحدث عن الخلافات بين صندوق الإعمار وفرع هيئة المدن التاريخية حيث قال: مدير فرع الهيئة له عامان وهو ساكت لا يتكلم والآن يريد أن يعمل ويشتغل ويهتم بالتراث أين هو من زمان وصندوق الإعمار اتخذها ذريعة وقال إن هيئة المدن تعرقل عمله في مدينة صعدة القديمة لا ندري لماذا هذا الخلاف ربما اختلفوا على المصالح من يدري¿ ونحن الضحية.
ويقول المواطن علي حسين محيا من حارة الجربة: معاناتنا لا يمكن شرحها أو تصويرها فقد زاد الحال وأصبح يصعب تحمله وجهات الدولة تنظر وتراقب وكأنها تستمتع بما يحدث لنا وعاد الأمل إلينا مع التغيير الذي حدث بالبلاد أما صندوق الإعمار فهو يصلح لناس دون غيرهم ولا نعلم لماذا¿¿
الكل يبحث عن بدل إشراف
وناشد الأخ محمد أحمد النجار رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة أن ينظر باهتمام إلى هذه المدينة المنكوبة ويتفاعل مع معاناة الناس الذين يسكن بعضهم في العراء وقد ضاق بهم الحال والإعمار موقف والكل يبحث عن بدل إشراف بينما الإعمار موقف وبدل الإشراف يصرف وقد بدأ صندوق الإعمار بالأطراف ومنازل الوجهاء بينما المنازل المتضررة والتي يملكها أناس من العامة فلم يصل إليها الإعمار وهي كثيرة جداٍ والأمر متروك لضمائر الناس المعنيين من مسؤوليين ومؤسسات وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء باعتباره رئيس مجلس إدارة صندوق إعمار صعدة.
أسكن في منزل قريبي المهدم
المواطن عبدالسلام عبدالرحمن الذويت من حارة المصموط منزله مهدم بشكل كبير الأمر الذي أضطره إلى أخذ عائلته وأبوه الذي لا يستطيع الحراك والعيش في منزل أحد الأقارب وهذا المنزل الذي يسكنوه هو الآخر مهدم بشكل جزئي والسكن فيه يمثل خطورة كبيرة وقد شاهدناه بأم أعيننا وتسكنه الآن أسرتان كبيرتان.
وعندما سألناه: لماذا تسكنون في هذا المنزل الخطر¿ قال أين نذهب لا يوجد لدينا سوى هذا القريب نلجأ إليه ومنزلنا أصبح مهدماٍ ونحن نتابع الصندوق وهم يقولون لنا هذا الشهر هذا الشهر حتى مرت السنوات ولم يعملوا لنا شيئاٍ فلم نشتك حالنا إلا لله ومن يسمعنا ويلبي حوائجنا.
ما صرف لا يكفي أبداٍ
ومن الناس الذين تمكنوا من ترميم منازلهم وحظوا بخدمات صندوق الإعمار الأخ جمعان الذويت يقول: لدي بيتان متضرران ونعيش الآن في أحد المنازل المتضررة وتحديداٍ في “الحران” وقد استطعت أن أحصل على دعم من صندوق الإعمار للترميم والإصلاح وفعلاٍ بدأت الترميم حيث أعطاني الصندوق مبلغ مليون وسبعمائة ألف ريال لترميم وإصلاح أحد المنازل ولكن هذا المبلغ لم يكف أبداٍ حيث دفعت في هذا المنزل مبلغ ثلاثة ملايين ريال.
وأصر علينا الذويت أن ندخل إلى المنزل الذي يسكنون وفعلاٍ صعدنا إلى الطوابق العلوية وتجولنا في كافة أجزاء المنزل ولاحظنا حجم الدمار الذي حل به والتشققات المنتشرة في كافة الأنحاء والارجاء أما الجزء العلوي فهو مهدم والسكن يقع أسفل البيت ولا يوجد تهوية في ذلك الجزء الذي كان مخصصاٍ للأبقار والماعز والنوافذ عبارة عن شواقيص صغيرة جداٍ بالكاد يمر الهواء المحمل بالأتربة لقربه من سطح الأرض.

قسط عن كل موظف
وفي الأخير يؤكد أمين عام المجلس المحلي بمحافظة صعدة الأخ محمد العماد أن مدينة صعدة القديمة بشكل خاص ومحافظة صعدة بشكل عام ورغم انتهاء الحرب منذ سنوات إلا أن الخراب والدمار لا يزال كما هو باستثناء بعض الإعمار هنا وهناك بنسبة بسيطة جداٍ فرغم أنه تم خصم قسط عن كل موظف في الجمهورية لصالح إعمار صعدة فضلاٍ عن الدعم والوازنات الأخرى ولكن للأسف الشديد لم تصل لأبناء محافظة صعدة الذين لا يزالون يعيشون تحت الخراب والدمار ولا زالوا مشردين سواءٍ داخل المحافظة أو خارجها.
وناشد العماد القيادة السياسية ورئيس الوزراء إنزال لجنة تتكون من أصحاب الكفاءة والنزاهة لاستقراء أحوال أبناء المدينة القديمة الذين تضررت منازلهم ومهددين بالموت في أية لحظة ويمكن أن تحصل كارثة إنسانية كبيرة لأن منازلهم من الطين وتتأثر بسهولة بتقلبات المناخ إذا ما بدأ الخراب يتسرب إليها كذلك تستطلع أحوال الناس في كافة المناطق المتضررة في عموم المحافظة وتعمل وبصورة عاجلة على معالجة الحالات الحرجة والتي تحتاج إلى تدخل سريع.