نفى حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم أي نية له للتحالف مع حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات البلدية القادمة مؤكدا على أنه سيخوض تلك الانتخابات بقوائمة ومشددا على أن المصالحة الوطنية تعد “خطأ أساسياٍ في استراتيجية الحزب” ويرغب في توسيعها.
وجاءت تصريحات محسن مرزوق الأمين العام لحزب نداء تونس صاحب الأغلبية البرلمانية ردا على أنباء تداولتها بعض وسائل الإعلام مؤخرا مفادها أن الرئيس الباجي قائد السبسي يميل إلى تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الحبيب الصيد “يكون فيها حضور كبير لحركة النهضة” في إطار “نوع من التحالف” بهدف توسيع الإسناد السياسي للحكومة.
وأثارت تلك الأنباء قلقا في الأوساط السياسية سواء منها المشاركة في الائتلاف الحاكم حزب آفاق تونس والحزب الوطني الحر وأيضا داخل الندائيين أنفسهم أو المعارضة التي يقودها الائتلاف الحزبي اليساري “الجبهة الشعبية” غير أن النداء وضع حدا لتلك الأنباء.
وقال مرزوق: ان “النداء ليست له أي نية في التحالف مع حركة النهضة” وأنه سيخوض الانتخابات البلدية بقوائمه.
وقال مرزوق: ان المصالحة الوطنية التي يقود جهودا لتحقيقها هي “مسألة نابعة من المبادرة التشريعية التي تقدم بها الرئيس قائد السبسي بخصوص المصالحة الاقتصادية” مشددا على أن “نداء تونس يعتبر هذه المسألة هامة وخطاٍ أساسيا في استراتيجية الحزب”.
وكان قائد السبسي قد اقترح على البرلمان إصدار قانون مصالحة يعفي من الملاحقة القانونية التونسيين المنسوبة إليهم جرائم فساد مالي شرط إرجاعهم الأموال العمومية المستولى عليها ما أثار انتقادات واتهامات للسلطات بالسعي لتبييض الفساد وتكريس الإفلات من العقاب.
ومن دوافع مبادرة قائد السبسي لاتخاذ مشروع القانون إنجاح مسار العدالة الانتقالية في مجال الانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام واستكمال المسار في أقرب الاجال الممكنة تلافيا للانعكاسات السلبية المترتبة عن طول أمد معالجة هذه الانتهاكات على الاقتصاد الوطني فضلا عن تسوية الوضعيات العالقة وتعبئة موارد من العملة الصعبة لفائدة الدولة بما يساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني.
ويقول الفصل الثاني من المشروع: “تتوقف التتبعات والمحاكمات وتسقط العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام باستثناء تلك المتعلقة بالرشوة وبالاستيلاء على الأموال العمومية”.
غير أن نداء تونس دافع عن مشروع المصالحة الوطنية باعتباره آلية ناجعة لتعزيز السلم الأهلي واستفادة البلاد من الكفاءات ومن رجال الأعمال بما يساهم في إنقاذ تونس من الأزمة التي تتخبط فيها.
وكشف محسن مرزوق أن “هناك نية لتوسيع مشروع المصالحة الوطنية هذا حتى لا يقتصر على الراغبين في الصلح المالي أو من لهم أموال في الخارج ليشمل كذلك كل الذين لهم أموال خارج ما أسماه بالسياق البنكي او خارج الحركية البنكية” على غرار من وصفهم بـ”الإخوة في الجنوب والغرب والشرق التونسي الذين يمكن الصلح معهم لتدخل أموالهم الى الجهاز المصرفي ويدفعون نسبة منها وعفى الله عما سلف”.
وردا على منتقدي مشروع قانون المصالحة قال مرزوق: إن “الاختلاف طبيعي في بلد ديمقراطي وأن من حق أي كان انتقاد المشروع خاصة وأن الانتقاد أصبح في تونس من الرياضات الوطنية المفضلة”.
ويرى مراقبون أن تمسك نداء تونس بتحقيق المصالحة الوطنية يتنزل في إطار “خيار سياسي استراتيجي” من شأنه أن يفتح المجال أمام رجال الأعمال والكفاءات للمشاركة في إنقاذ تونس من أزمة حادة وذلك من خلال تفعيل برامج تنموية وسياسية تساهم فيها كل القوى الحية بعيدا عن عقلية الإقصاء.
وكان نداء تونس قد رحب في وقت سابق بـ”جميع الوزراء والكفاءات” التي عملت في نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي لخدمة البلاد. وشدد على أنه من حق كل تونسي خدمة بلاده كاشفا عن أنه “استقبل هذه الكفاءات وسيواصل استقبالها” ما بدا مؤشرا على أن البلاد التي أنهكتها أزمة حادة خلال السنوات الأربع الماضية باتت في أمس الحاجة إلى “رجال دولة” يمتلكون الكفاءة والخبرة في إدارة بلد مهدد في كيانه جراء تنامي مخاطر الجماعات الجهادية.
وقال محسن مرزوق: إن “جميع الوزراء والكفاءات ورجال الأعمال الذين عملوا في النظام السابق مرحب بهم طالما كانت لديهم الرغبة في خدمة تونس وبناء المستقبل” واضاف: إنه “من حق كل تونسي خدمة بلاده ما لم يتورط في جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” مشيرا إلى أن “نداء تونس استقبل كفاءات كانت عملت في نظام الرئيس بن علي وسيواصل استقبالها”.
وهذه أول مرة يرحب بها نداء تونس بصفة علنية وصريحة برجال بن علي للمشاركة في الشأن العام بعدما تم إبعادهم عن واجهة العمل السياسي مند انتفاضة يناير 2011م.
ودعا مرزوق الأطراف التي تعارض مشروع المصالحة الوطنية إلى “الكف عن استخدام مقاربات التشفي والكف عن الفوضى والغوغائية”.
ويضم نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي عام 2012م لمواجهة الإسلاميين تيارات يسارية ونقابية ودستورية تدفع باتجاه فتح مجال العمل السياسي أمام كل الكفاءات التونسية وفي مقدمتها تلك التي عملت في نظام بن علي وتمتلك الخبرة في إدارة ملفات ساخنة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
ويقر المسؤولون التونسيون بأن الأزمة العامة بالبلاد أضعفت مؤسسات الدولة وجردتها من هيبتها في ظل غياب كفاءات قادرة على إدارة شؤون البلاد وتمتلك الخبرة في إدارة الملفات الحساسة.
وأكد مرزوق أن العديد من المنتمين لحزب التجمع المنحل موجودون في مفاصل الدولة وفي “مناصب عليا جدا” مشيرا الى أن “الدولة ترحب بكل شخص له قدرة على إعانة البلاد”.
ويرجع سياسيون عودة رجال بن علي إلى واجهة العمل السياسي إلى الاقتناع بأن إنقاذ تونس من الأزمة التي تعاني منها مند انتفاضة 2011م يستوجب حشد كل الكفاءات وفي مقدمتها عدد من الوزراء في نظام بن علي والابتعاد عن منطق الإقصاء والعزل السياسي الذي لا يخدم تونس.