الأطفال والحدائق .. قرب الحبيب وما إليه وصول

على دوي الانفجارات الهائلة التي تهز أرجاء العاصمة صنعاء ومختلف مدن اليمن, والتي زادت وتيرتها بشكل كبير مع أواخر الشهر الكريم, استقبل اليمنيون أول أيام عيد الفطر المبارك.
“الأسرة اليمنية” وجدت نفسها لأول مرة منذ عقود طويلة أمام ظروف استثنائية وبالغة التعقيد في ظل استمرار العدوان السعودي, وتزايدت وتيرة الغارات الجوية الوحشية للطائرات, والتي لا تتمتع بأي أخلاق أو معايير مع قدسية الزمان والمكان, ومع ذلك حاولت ربات البيوت التأقلم والتكيف مع هذه الأوضاع غير الاعتيادية من خلال الإصرار على رسم ألوان الفرح على وجوه أطفالهن واقتناء الضروريات من لوازم هذه المناسبة العظيمة.
وتؤكد ربات المنازل أن هذا العيد  استثنائي ومختلف ويحل في ظل أوضاع بائسة جراء العدوان والحصار الجائر, لذا فإن هناك عادات وممارسات لا شك ستكون غائبة.

الحدائق
ومن هذه الممارسات الفرائحية التي ستغيب عن مناسبة عيد الفطر المبارك لهذا العام – كما توضح الأمهات – اصطحاب الصغار إلى الحدائق العامة والمتنزهات.
تقول أْم رقية – أْمَ لخمسة أطفال – : في ظل استهداف طائرات العدوان السعودي للحدائق والأماكن العامة والحيوية أصبح ذهاب الصغار إلى الحدائق بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب.
وتضيف أْم رقية – الحريصة على إسعاد صغارها – : نحاول الحرص في هذا العيد على صغارنا خوفاٍ عليهم, وأيضاٍ نحاول إدخال السعادة والفرح بالعيد إلى نفوسهم, خاصةٍ وأنهم بحاجة إلى ذلك بعد أن مروا بأوقات عصيبة بسبب العدوان المتواصل, والكثير من الممارسات والعادات التي كانت تصاحب العيد نجدها مفقودة في عيدنا هذا, ابتداءٍ من “كعك العيد” وانتهاءٍ بعدم الذهاب إلى الحدائق, ومع ذلك نظل نحن الأمهات حريصات على توفير أجواء مريحة لأطفالنا خلال فترة العيد.
في المنازل
من جانبها تؤكد أْم سماح أنها تحاول ومنذ وقت مبكر إقناع أطفالها بأن هذا العيد سيكون خالياٍ من المنتزهات والحدائق, وأن اللهو واللعب ربما يقتصر على الحارة أو أمام المنزل وربما داخل البيت, ورغم كل الظروف العصيبة أحاول منح الفرح والسعادة لأطفالي, وأقوم باقتراح العديد من الألعاب لهم داخل المنزل حتى أأمن على سلامتهم بجواري.
وتضيف أْم سماح – معلمة في مدرسة الثورة بصنعاء – : إن هذا العيد مختلف كلياٍ عن الأعياد السابقة, فقد كنت أكرس كل وقتي في عطلة العيد للخروج مع أطفالي والتنزه معهم لتعويض انشغالي عنهم في بقية الأيام, ولكن هذا العام سيقتصر التنزه على الجلوس داخل المنزل, لأنه لم يعد هناك مكان آمن للتنزه, وسيكون هذا أول عيد بالنسبة لنا بدون حدائق أو متنفسات.
عيد مختلف
وتقول سميرة الحرازي – أْمَ لثلاثة أبناء – : إن هذا العيد غير الأعياد السابقة, فقد أتى على الشعب اليمني في ظل ظروف صعبة للغاية وفي ظل وجود حصار وحرب وقصف ولا أحد يمكنه الخروج بأمان مع أطفاله, حتى التجول في الشارع يعد مغامرة في ظل القصف المتواصل, والمنزل هو الخيار الوحيد أمام جميع الأطفال وذويهم خلال العيد.
وتضيف الحرازي : إن الجميع في هذا العيد ينشدون الأمن والسلامة, وأحاول جاهدةٍ توفير أجواء من المرح لأطفالي بشراء بعض الألعاب البسيطة لهم إلى داخل المنزل حتى يظلوا يلعبون بها خلال فترة العيد بدلاٍ من الخروج إلى الشارع أو الذهاب إلى الحدائق.
أما أْم أيمن – التي تسكن مع أطفالها في حي نْقم الشعبي – فقد قامت مع قريباتها بتزيين حوش منزلهم ببعض الزينة للأطفال, وعلِقن فيه “مرجيحة” واشترين بعض الألعاب بمشاركة أطفالهن حتى يتسنى لهم اللعب في الحوش مع أصدقائهم وأقاربهم والعزوف عن الذهاب إلى الشارع أو الأماكن العامة التي كانوا يذهبون إليها في الأعوام الماضية.
وتؤكد أْم أيمن : نحاول جاهدين إدخال السرور إلى قلوب صغارنا بالعيد, رغم كل المنغصات والظروف المعيشية الصعبة, حتى نعوضهم عن أيام الرعب التي عاشوها خلال الفترة الماضية, خاصةٍ في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك, والتي شهدت فيها العاصمة انفجارات عديدة وغارات للطائرات في كل وقت.
استعدادات رغم القصف
مسؤولو حدائق ومتنزهات أمانة العاصمة يؤكدون أنهم قاموا بترتيبات واستعدادات لاستقبال الزائرين خلال أيام العيد, رغم القصف الجوي العنيف الذي تنفذه طائرات العدوان السعودي على الأحياء والتجمعات السكنية والمرافق العامة.
ويقول المهندس علي محمد حْميد, نائب مدير عام الحدائق والمتنزهات بأمانة العاصمة : إن حدائق صنعاء باتت جاهزة لاستقبال الزائرين من الأسر والعائلات وأطفالهم, رغم أن هناك توقعات بأن مستوى الإقبال سيكون متدنياٍ للغاية بسبب الأوضاع الأمنية وتواصل العدوان الذي عمد خلال الساعات الماضية على تكثيف غاراته الجوية على العاصمة ومختلف المدن اليمنية.
وتمنِى حْميد أن تسير أيام العيد بسلام, وأن يتوقف العدوان حتى في هذه الأيام المباركة, وبما يتيح للأطفال الفرحة بالعيد وممارسة طقوسهم العيدية دون خوف من الصواريخ والقذائف وبدون أزيز الطائرات التي تملأ سماءنا بزمجرتها المزعجة منذ نحو أربعة أشهر على التوالي.
مشرفو الحدائق
مسؤولو ومشرفو الحدائق أكدوا من جانبهم أن الأوضاع الأمنية في ظل العدوان السعودي ساهمت إلى حد كبير في الوضع السلبي الذي تعيشه الحدائق والمتنزهات, خاصةٍ الحدائق الشعبية التي تقع وسط الأحياء السكنية.
ويقول عابد قاسم, مشرف حديقة البردوني بمديرية بني الحارث : إن مستوى الإقبال على حديقة البردْوني هذا العام هو الأقل منذ سنوات طويلة بسبب العدوان والحصار والآثار الناجمة عنهما, معتبراٍ أن انعدام المشتقات النفطية أثِر سلباٍ على وضع الأشجار ومستوى المساحات الخضراء المزروعة في الحدائق, حيث أن شحة الديزل جعلت الكثير من أشجار الحدائق تنتهي عطشاٍ, الأمر الذي ألقى بظلاله السلبية على المساحات الخضراء.
وفي ما يتعلق باستعداد حديقته لاستقبال الأطفال خلال أيام العيد, فإن حديقة البردْوني ذات الألعاب التقليدية البسيطة ستستقبل (المعيدين) الصغار الذين لن يكون إقبالهم بالصورة التي هي عليه كل عام.

قد يعجبك ايضا