> لم يحدث تاريخياٍ أن دعا حاكم يمني إلى تمزيق اليمن أو تركه اليمنيون يفعل
> “الشرعية” ظلت غاية استدعاء العملاء للخارج والبقاء ظل لشرعية الشعب
شخصياٍ لست قلقاٍ كثيراٍ على وحدة اليمن إلى درجة الفزع رغم كل ما قد يثير الهلع من مؤامرات عليها ومخططات ضدها لم تعد سراٍ وتداولها يجري علنا وأدواتها في الداخل تجاهر بتبنيها وتزعم “النضال” لإنفاذها على أرض الواقع حتى لو تطلب الأمر التحالف مع الشيطان نفسه!!.
لست قلقاٍ لأن وحدة اليمن وحدة وجود سابقة لوحدة الآباء والجدود لا يفصمها النكران ولا يبطلها الجحود ولا يلغيها تعاقب الدول وتباين النظم السياسية واختلاف الحدود في المكان نفسه الذي كان وسيظل يعرف باسم اليمن مثلما كل ما به من بشر وطير وشجر وحجر ينسب إليه ويحمل صفته وهويته: يمني.
لا خوف على وحدة اليمن فكل ما عداها لا يلغي عن المكان اسم اليمن ولا يسقط عن الكيان هوية اليمني. إنسان المكان ينحدر من نسل الجد يشجب بن يعرب بن قحطان واللسان وقبله قلم التدوين والبيان ظل واحدا يدعى خط العربية الجنوبية ويسمى “المسند” وأهدى اليمنيون به للإنسانية أول حروف أبجدية.
لم تكن أحداث الصراع في اليمن عبر التاريخ صراع هويات أو عرقيات أو شعوب بل كانت ولا تزال أحداث صراع سياسي ودورات عنف سلطوي لم تلغ اسم المكان ولا هوية الكيان ولا أنتجت بشراٍ جديد الدم والعرق واللسان بقدر ما ذهب المتصارعون وطواهم النسيان وما عادوا يذكرون في الذهن أو الوجدان.
ظلت الصراعات اليمنية الداخلية على السلطة ترفع شعار وهدف الوحدة وحدة الدولة ووحدة العقيدة منذ ما قبل ظهور الأديان السماوية بقرون عدة.. فقد كان لكل منطقة يمنية آلهة تعبد محلياٍ وآلهة قومية هي التي تتبناها عاصمة الدولة اليمنية ويغدو الملك مكرباٍ كان أو سميدعاٍ أو هميسعاٍ أو تبعاٍ كبير كهنتها.
لكن أحداٍ من هؤلاء السياسيين المتصارعين على السلطة التوحيدية لليمن سياسياٍ ودينياٍ لم يجرؤ على ادعاء الانسلاخ عن اليمن دماٍ وعرقاٍ هوية واسماٍ ولا دعا أي منهم إلى تمزيق اليمن إلى دويلات وعلى العكس ظل جميعهم يدعون هدف توحيد اليمن ويسعون إليه سلماٍ وحرباٍ تحالفاٍ وضماٍ أو فرضاٍ.
لم يحدث أن أعلن جزء من اليمن انفصاله عن اليمن الكبير إلا بدعم خارجي من قوى العالم المتصارعة على الهيمنة وبسط النفوذ على طرق الملاحة الدولية وأهم مضايقها الذي يطل عليه اليمن ويتحكم فيه وأعني مضيق باب المندب بجانب مضيق هرمز في الخليج العربي الذي ظل تحت السيادة اليمنية.
وعبر التاريخ الذي تحكيه لنا صحائفه على الحجارة بخط العربية الجنوبية (المسند) والبابلية والفرعونية والأشورية والبيزنطية (الرومانية)..الخ. ظل منفذ الخارج إلى داخل اليمن طامحو السلطة في اليمن فكانوا يستدعون الخارج ويتحالفون معه ويعترفون بشرعية احتلاله أو هيمنته مقابل اعترافه بشرعيتهم.
حدث ذلك مراراٍ عبر التاريخ باستثناء نموذج الملك سيف بن ذي يزن الثائر من أقصى جنوب اليمن وقصر حكمه “عبدان” في شبوة لتحرير صنعاء من الاحتلال الحبشي وطلب تأييداٍ سياسياٍ من “فارس” بوصفها أحد قطبي العالم حينها المقابل لقطب “الروم” الداعم سياسياٍ وعسكرياٍ الأحباش وأعوانهم في الداخل.
عدا ذلك تعددت أمثلة استدعاء فرقاء السلطة للخارج واستجداء الشرعية منه ففي شمال اليمن ظل الصراع محتدما بين الأئمة والسلاطين طوال 1100 عام تلت انهيار ما يسمى “الخلافة العباسية” واستدعى بعضهم الخارج للتغلب على منافسيه في الداخل فكان الاحتلالان الشركسي (الأيوبي) والعثماني (التركي).
كذلك مشايخ جنوب اليمن مثال جلي فقد أعانوا الاحتلال البريطاني عبر طلبهم إبرام اتفاقيات الصداقة فالحماية فالوصاية وبيع وتأجير أراض لسلطاته مقابل الاعتراف بهم سلاطين وأمراء وحكام ما عرف بمشيخات جنوب اليمن التي دخل الاحتلال البريطاني وهي أربع ودحر وقد غدت 23 دويلة!!.
كان الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن كما الاحتلال العثماني لشماله عبر أعوان لهما في الداخل طامحين في السلطة دعوه وأعانوه وظلوا عوامل دوام له مثلما كان الاستقلال عن الاحتلال العثماني ثم البريطاني باتحاد أيدي اليمنيين في جبهات الكفاح والنضال وخندق انتزاع استقلال السيادة والإرادة الوطنية.
الأمر نفسه يتكرر اليوم عبر استدعاء طامحي السلطة الخارج مقابل الاعتراف بشرعية حكمهم اليمن وممارسة الحكم لخدمة مصالحهم ومصالح هذا الخارج.. مع فارق أن جبهة الداخل اليمني اليوم أكثر اتعاظاٍ بعبرات الماضي ودروسه وأكثر وعياٍ وتتمترس في خندق استقلال السيادة والإرادة الوطنية وتبعاٍ الإدارة.
الخلاصة لا يؤيد اليمنيون أو يتذكرون سوى السياسيين الموحدين لليمن المعتزين بانتمائهم اليمني الساعين إلى استقلال سيادة اليمن وإرادته الوطنية وإدارته باتجاه صون كرامة اليمنيين وتعميم العدالة بينهم وتحقيق الكفاية من مقومات الاستقلال بالقرار:غذاء وكساء ودواء الخ وصولاٍ لبسط السيادة وبلوغ الريادة.
ولا يبغض اليمنيون وينسون سوى السياسيين الانتهازيين الخائنين لوحدة اليمن واستقلال سيادته وإرادته وإدارته الوطنية. مثل هؤلاء العملاء الخونة ظل اليمنيون عبر التاريخ يحتقرونهم ويناصبونهم العداء ويثورون عليهم وكان مصيرهم الإقصاء أحياء أو الإفناء مثلما آل ذكرهم نسياٍ منسياٍ وإن ذكروا فبازدراء.
لا يحق إذن لأحد أياٍ كان الحديث عن تمزيق اليمن أو التشكيك في وحدة وجوده وإنسانه وأمجاده عبر الأزمان. مثل هذا إن كان لا يعجبه اليمن وله خلاف مع الوطن نفسه لا يستحق الانتماء إليه مثلما لا يكن له الولاء وعليه أن يغادر اليمن غير مأسوف عليه ويبحث عن وطن بديل يمنحه اسمه وهويته إن وجد!.
alhakeem00@gmail.com