يوميات قبيلي

أمسك مذحج سلاحه وأخذت عيناه تبحثان بحذر على كل السطوح المجاورة عن أي مصدر للخطر عاد ليتحرك ذهابا وإيابا أمام البوابة التي يحرسها.. لا يمكنه منع القلق من التسرب إلى نفسه, لكنه يعلم أيضا أنه لا يمكن أن يسمح للقلق بأن يستبد بها.. حراسته للشيخ هي مهمته.. الشيخ الذي يمكن أن يضحي مذحج بحياته من أجله.. بل من أجل القبيلة.. فالقبيلة كيانه.. فلا حياة للقبيلي من دون أفرادها ولا قبيلة من دون أفراد وعلاقة الترابط هذه قديمة وقوية ومخضبة بالدم.
يخرج الشيخ من البيت ويسير مذحج خلفه بخطوات واثقة ومتسارعة يصعد الشيخ إلى السيارة المعتمة.. ويصعد مذحج خلفه.. وتنطلق السيارة لم يعد شيخنا يتحرك كثيرا في هذه الفترة, لكن خروجه اليوم لضرورة نتيجة الأحداث الأخيرة في هذه الثورة, فلا بد من تجميع الكلمة لإسقاط المجرم ومن يعينه هذا المجرم.. تجرأ على مشايخنا في اجتماعهم.. يستحق العقوبة بكل تأكيد.. السبب الأول هو رئيس الدولة.. أي دولة.. وأي حكومة¿! ما أبسط أثرهما في حياتنا ـ إن وجد.. وليس علي أن أهتم بكل هذا ـ ما يهمني فعلا القبيلة.. وشيخ القبيلة.. والراتب الذي استلمه لكي أعيش إلى نهاية كل شهر.
مذحج وسط المعركة تصاعدت المواقف بين الثوار والمتشبثين برأس السلطة وأطرافها.. شيخنا علا صوته.. مثله مثل آخرين.. فكان الرد رصاصا وقذائف ضربت منزل الشيخ وما جاوره.. لا يمكن أن يؤدي هذا إلا إلى أن نتوحد أكثر.. ومن النذالة أن لا نفعل.. سنحارب عن الشيخ وعن أنفسنا.. عن كرامتنا وأهالينا.. نجرح.. تكسر عظامنا.. تدمى أجسادنا.. نموت ونموت أكثر.. لكن ما زالت قلوبنا جسورة.. والقتل لا يضعفنا ولا يثنينا.. نكسب بعض المناطق ونخسر البعض منها.. لكن ما بأيدينا أكثر مما خسرناه.. مع كل ذلك يبدو أن الحل ليس هنا.. يبدو أن الحل سيكون في مكان آخر.
وتمر الشهور.. وتميل كفة الرئيس وأعوانه نحو الخسارة وإن كانت لا زالت تتأرجح أحيانا وتضرب بحقد متهالك أحيانا أخرى لكنها في كل الأحوال تضعف وما الذي يهمني في كل هذا¿! يهمني أن كفة شيخي اعتلت.. تراه أحسن اختيار الكفة المنتصرة.. أم أحسن الانسحاب من الكفة الأخرى!!¿¿ خاطر بحياته وحياتنا نعم.. لكنه أحسن الاختيار يقولون أنه يحصل على آبار نفط.. ماذا يعني ذلك¿ مال كثير.. وهل هذا يهمني¿!! ما يهمني هي الزيادة البسيطة التي حصلت عليها فوق راتبي بهذه الزيادة سيتقدم زواجي بضعة أشهر.
هل سينقلب الشيخ على الثورة¿ هل يستفيد الشيخ من الثورة¿ قال يريدها مدنية.. قال يريد أن يعيش بطمأنينة.. وهل يستغني عنا¿!.. لا.. لا أظن ذلك.. “يستغني عنا”!¿ وماذا سيكون الشيخ إن فعل¿! لا أعرف.. ولا يهمني أن أعرف.. ما زال مذحج يسمع كلاما كثيرا هذه الأيام يقولون أن الدولة هي من يجب أن ترعى مواطنيها أن تهتم بالتعليم والصحة والتوظيف وتنوع مصادر العيش.. ويقولون كلاما آخر عن هذه الدولة التي لا تعنينا ـ يقولون إنها هي من تمنح رواتبنا!! وأنه يوجد الآلاف منا.. لم نعرفهم.. ولم يعرفونا!! هل هذا يعقل¿! هل هذا يحدث¿!.. أيضا لا أعرف.. و.. وهل يجب أن أظل لا أعرف¿!.

قد يعجبك ايضا