قناة البحرين الإسرائيلية خنجر في القلب العربي

قبل عدة أشهر أعلنت مصر عزمها صنع معجزة جديدة وإنجاز آخر يضاف إلى قائمة الإنجازات التي حققها الشعب المصري قديماٍ وحديثا .. الإعلان تمثل في الانتهاء من التصاميم والدراسات وبدء تدشين العمل في شق قناة السويس الثانية والموازية للقناة الأولى التي تربط البحرين الأحمر والمتوسط.(1).

لكن ورغم أن مشروع القناة الجديدة سيمكن مصر من حل الكثير من المشاكل والصعوبات التي كانت تواجه العملية الملاحية في قناة السويس وتسعى من خلاله لإنهاء الحلم الإسرائيلي في شق قناة ملاحية أخرى عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض لتنافس قناة السويس المصرية إلا أن مثل هذه الافتراضات التي تأمل الحكومة المصرية من ورائها إطفاء جذوة الحلم الإسرائيلي لا تبدو مجدية حتى وإن ذهبت الحكومة المصرية لشق قناة بعرض مئات الأمتار وبعمق البحر الأحمر ليس لسنين وإنما لأن استهداف مصر لم يعد هدفاٍ إسرائيلياٍ وحلمها القديم لم تعد تملكه إسرائيل وحدها.(2).
سيناريوهات إسرائيل في استهداف مصر أصبحت تتشاركه اليوم مع دول عربية تتشارك مع إسرائيل الكثير من المصالح التي بلغت حد مشاركتها حلمها في شق قناة إسرائيل البديلة لقناة السويس.
قد يتساءل البعض عن عدم إقدام إسرائيل على تنفيذ مشروعها المتمثل في شق قناة تربط البحر الأبيض بخليج العقبة عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة ولماذا لم تقم بتنفيذه منذ سنوات طويلة¿
هل عجزت إسرائيل عن توفير التمويل اللازم لمثل هذا المشروع¿!
وهل فشلت في إيجاد شركاء دوليين¿! أم أنها تخشى ردة الفعل المصرية والعربية تجاه مثل هذا المشروع الذي سيكون بمثابة إعلان الحرب على مصر.
قد تبدو مثل هذه التساؤلات منطقية لحد ما, إلا أنها تظل بعيدة كل البعد عن الحقيقة ولم تكن ولن تكون سبباٍ يحول دون تحقيق الحلم الاسرائيلي على الاطلاق لأن اسرائيل تدرك أن قيامها بتنفيذ المشروع سواءٍ منفردة أو مع شركاء دوليين لن يحقق الجدوى الاقتصادية والسياسية من المشروع للأسباب التالية:
– تنفيذ المشروع مع شركاء عالميين من خارج المنطقة سيؤدي إلى فشل المشروع ويحوله إلى مشروع معادُ للمنطقة أي مشروع إسرائيلي.
– يعتبر النفط شريان الاقتصاد العالمي وباعتبار النفط العربي أهم سلعة تمر عبر البحر الأحمر فإن تنفيذ المشروع إسرائيلياٍ وبدون شركاء عرب سيؤدي إلى مقاطعة عربية ضد ممر إسرائيل المائي الذي سينظر إليه العرب كخطر يهدد الأمن القومي العربي.
ولهذه الأسباب وغيرها اجتهدت اسرائيل وسعت من خلال هذا المشروع لإيجاد شركاء من المنطقة العربية وخاصة الدول المنتجة للنفط وبحصولها على هذا النوع من الشركاء ستتمكن من انتزاع اعتراف عربي بوجودها في المنطقة ككيان سياسي وشريك اقتصادي وجار جغرافي لا يمكن الاستغناء عنه وهنا يمكننا القول لأنها نجحت في ما أرادته وتمكنت من تأسيس علاقات اقتصادية في ما بينها وبين بعض الدول العربية المنتجة للنفط وحققت ما لم تستطع تحقيقه على طاولة المفاوضات السياسية.
القناة العبروخليجية
 بعد إعلان مصر تدشين مشروعها الجديد المتمثل بشق قناة السويس الثانية أعلنت اسرائيل والأردن تدشين المرحلة الأولى لقناة البحرين والمتمثلة بشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت.(3).
لكن وبعيداٍ عن الأسباب والمبررات التي تقف وراء شق القناة والتي قيل أنها لتغذية البحر الميت بالمياه المالحة وإنقاذه من خطر الجفاف تبرز الكثير من التساؤلات الجوهرية:
– كيف ستتمكن دولة كالأردن يعتمد اقتصادها على المساعدات من تمويل حصتها في المشروع¿.
– ما هو العائد الاقتصادي الذي يدفع بلداٍ يفتقر للموارد المالية كالأردن للمشاركة في مثل هذا المشروع الذي سيكلفها المليارات¿
– وهل يوجد خطر يتهدد البحر الميت ليستدعي شق قناة وإنقاذ الأردن¿
– ما هي الدوافع الحقيقية التي أدت لأردن لخوض مثل هذه المغامرة الاقتصادية التي قد تؤدي إلى انهيار اقتصادها لعشرات السنين¿
– أما السؤال الأهم والأخطر فهو: لماذا تم استبعاد السلطة الفلسطينية ولم يتم إشراكها في المشروع.
وإذا ما توقفنا للإجابة على هذه التساؤلات سنكتشف الكثير من الحقائق التي تجتهد اسرائيل وشركاؤها العرب في إخفائها وإذا ما راجعنا واقع ما تعيشه المنطقة من تداعيات سياسية واقتصادية يمكننا التوصل لبعض الحقائق التي تفيد بأن الأردن ليست سوى مندوب وشريك صوري يمثل اقتصاديات كبيرة هي الشريك الحقيقي لإسرائيل في المشروع والممول الأبرز إن لم نقل أنها هي الممول الكلي للمشروع والذي تسعى من خلاله لتحقيق الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية وهذه الاقتصاديات هي الاقتصاديات الخليجية ممثلة في السعودية وقطر.
وبمراجعة المواقف والأحداث السياسية لهذه الدول سنكتشف أن اسرائيل لم تعد كياناٍ صهيونياٍ غاصباٍ في المفهوم السياسي والاقتصادي للكثير من الدول العربية سواءٍ دول الطوق أو دول الخليج أو بعض الدول العربية الأخرى والتي أصبحت تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية بلغت حد الشراكة مع اسرائيل.
وباستثناء اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن واسرائيل كاتفاقيتين فرضتهما ظروف الواقع السياسي والعسكري إلا أننا سنكتشف أن دولاٍ عربية أخرى قامت بإبرام اتفاقيات سياسية واقتصادية معلنة وسرية مع اسرائيل أدت في مجملها إلى بناء علاقات اقتصادية وتقارب سياسي كبير وأبرز هذه العلاقات علاقات دولة قطر بإسرائيل والتي انتهت بفتح مكاتب تمثيل لاسرائيل في الدوحة.
وباعتبار قطر إحدى دول منظومة مجلس التعاون الخليجي فإن دولة قطر لا تمثل نفسها فقط في أي تقارب مع اسرائيل وإنما تمثل كل دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ما يزال وجود الحرمين الشريفين في أراضيها يشكل لها حرجاٍ كبيراٍ أمام العالم الاسلامي ويحول بينها وبين الاعلان عن اتفاقياتها السرية مع اسرائيل وهو الإحراج الذي لم تشعر به الحكومة الاسرائيلية التي أكدت بعد الإعلان عن تشكيل تحالف عربي دعمها لهذا التحالف ضد إيران وأكدت كذلك أن هذا التحالف لا يشكل لها تهديداٍ وأن مصالحها مع السعودية قوية ومتينة.
ومن كل ذلك يتضح لنا جليا أن دول الخليج العربي هي الشريك الرئيسي وغير المعلن لإسرائيل والممول لمشروعها الاقتصادي الكبير المتمثل في قناة البحرين أو القناة العبروعربية  التي وقعت مع الأردن اتقافية تدشينها لربط البحر الأحمر مع البحر الميت كمرحلة أولى قد يطرح البعض تساؤلاٍ مفاده: لماذا تفعل دول الخليج ذلك¿ وما هو المردود الاقتصادي لها من وراء هذا المشروع..¿
الإجابة على هذا التساؤل يمكن معرفتها عندما تبدأ المرحلة الثانية من المشروع والتي تتمثل في شق القناة الثانية لربط البحر الميت بالبحر الابيض عبر أراضي الكيان الصهيوني والتي سيترافق شقها مع بناء موانئ لتصدير النفط العربي في البحر الميت والذي سيتم ربطه مع آبار الإنتاج الخليجية بأنابيب عبر الأراضي السعودية والأردنية.
قناة البحرين  المرحلة الثانية
المرحلة الثانية من المشروع العبروعربي تتمثل في الآتي:
1 – شق قناة ثانية تربط البحر الميت بالبحر الأبيض.
2 – بناء الموانئ والصهاريج وتأهيل شواطئ البحر الميت لاستقبال النفط والغاز العربي ليصبح البحر الميت المالك لأكبر وأضخم موانئ تصدير النفط في العالم..
3 – ربط البحر الميت بأكبر شبكة أنابيب مع آبار الانتاج في الخليج لنقل النفط والغاز الذي تنتجه دول الخليج  العربي.
الهروب من إيران
ماهي الدوافع التي تدعو دول الخليج لفعل كل هذا¿ الإجابة بسيطة جداٍ الهروب من إيران.. وباعتبار أن دول الخليج تعتبر المنتج والمزود الأول لاحتياجات العالم من النفط وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي فإن ظهور إيران كقوة عسكرية واقتصادية في منطقة الخليج أصبحت تشكل تهديداٍ لمستقبل الطاقة كما تتوهم دول الخليج أو كما أرادوا لها أن تتوهم وباعتماد دول الخليج على موانئها في الخليج العربي فإن نشوب أي صراع مع إيران ستكون نتائجه كارثية على الاقتصاد الخليجي والعالمي خاصة وأن إيران تمتلك اليد الطولى في الخليج وتسيطر على مضيق هرمز كبوابة وحيدة للخليج ويصعب تجاوزها وهذا هو السبب الأول.
أما السبب الثاني فيتمثل في اختصار المسافة والوقت وخفض تكاليف نقل النفط والغاز وبدلاٍ من أن يقطع النفط عشرات الآلاف من الكيلو مترات عبر مياه الخليج ثم البحر العربي ثم البحر الأحمر على ظهر الناقلات العملاقة سيتم نقله عبر الأراضي السعودية من خلال الأنابيب وفي مدة ومسافة قصيرتين وتكاليف زهيدة.
الخلاصة
من خلال هذه الرؤية الأولى يمكننا الخروج بالحصيلة التالية..
1 – قناة البحرين الاسرائيلية قناة عبروعربية.
2 – دول الخليج العربية الشريك والممول للقناة.
3 – تصدير النفط العربي سيتم عبر اسرائيل.
4 – مصر الخاسر الأكبر من القناة العبروعربية والقصور السياسي للحكومة المصرية يؤكد أن مصر تشارك دول الخليج في تدمير اقتصاد مصر.
5 – استبعاد السلطة الفلسطينية من المشروع يؤكد انعدام الوجود السياسي للدولة الفلسطينية في المستقبل..
6- لإنشاء مثل المشروع وإخراجه إلى حيز الوجود كان لا بد من ربيع عربي للقضاء على الدول الممانعة وإسقاط الجيوش العربية ولا تنتظروا ربيعاٍ عربياٍ في الخليج لأن الخليج هو من صنع ربيع الدمار العربي..

هامش:
1 – صحيفة الأهرام اليومي 30 /8 /2014م
2 – التينولاند كتاب لينودور هتزل
3 – روسيا اليوم عن وكالة الأنباء الأردنية

قد يعجبك ايضا