تاريخ العقلية الأوروبية

“مغامرة الفكر الأوروبي” هو عنوان الكتاب الجديد للباحثة والأستاذة الفرنسية الدكتورة جاكلين روس نقلته إلى العربية الأستاذة أمل ديبو.
يفتح هذا الكتاب أمام القراء العرب مجال  الدخول إلى التركيبة العقلية الأوروبية كما تنظر هي إلى ذاتها وتقرأ تاريخها وتحلله وتدرس تسلسله ففي ظل ما يفرضه التفاعل الحضاري في عالم اليوم من تواصل جعل الانفتاح على الآخر شرطاٍ ضرورياٍ للتقدم والمشاركة في صنع الحاضر والمستقبل أصبح من الأهمية بمكان أن تسبر الذات فكر الآخر ويتفهمه وأن تتلاقح الحضارات بسعي مستنير لتفادي الصراعات الحضارية وعواقبها الوخيمة  ولا يقتصر الانفتاح الثقافي على تبادل المستجدات من الآراء والأبحاث الفكرية والعلمية بل يتعداه عمقاٍ ليصل إلى التعرف إلى المكونات الأساسية لعناصر فكر الآخر في جذورها والبحث فيها.
يشكل هذا العمل عرضاٍ وافياٍ لمسار الفكر الأوروبي منذ تكوينه وحتى القرن العشرين بدرجة عالية من المسؤولية والجدية والاكتمال. وإلى جانب غنى المادة التي يحتويها ووفرة العلم والمعلومات التي يقدمها فإن العرض الذي ظاهره سردي ينتظم في مقاربة تظهر التفاعل بين الطبيعة والكون من جهة وعمل الإنسان الفكري الديني والحضاري فيها من جهة أخرى.
إنه كتاب مدخل تبرز فصوله المحطات المهمة في مسار الأفكار الغربية. من خلال عرض ثاقب وتحليل مفصل وعميق بلغة واضة ودقيقة تعطي جاكلين روس ملخصاٍ فريداٍ من نوعه: هو لوحة كاملة لعالم الفكر الغربي وفق مراحله المفصلية عبر العصور. فهو بمثابة رحلة عبر تكوين الفكر الغربي وتطوره إذ يصف انطلاقة التيارات الكبرى المؤسسة للفكر الأوروبي و يعرض لحوار الأفكار في ما بينها وديناميكيتها وصولاٍ الى تمزقات زمننا الحاضر وإعادة تركيبه.
 توضح المؤلفة “أن تطور الحضارات يبرز  في مجموعة من  الأفكار تمثل  قدرة الإنسان على توجيه كيانه ووجوده ومصيره. وما قدرة الإنسان اليوم المتعاظمة والمستفحلة إلا حصيلة بناءُ متصاعدُ توليفي أو تصادمي بين الأفكار والمواقف من جيل إلى جيل. لقد حصرت المؤلفة عرضها هذا في القارة الأوروبية العتيقة مما يدعو الباحثين والعلماء إلى العمل على استكمال الصورة والتوسع خارج الحدود الجغرافية ليضيفوا إليها مساهمات العوالم المجاورة والفاعلة في تطور الفكر الأوروبي والتي يهمنا منها بصورة خاصة إسهامات الحضارة العربية والإسلامية.
شكلت ترجمة هذا العمل الأكاديمي الجدي المكثف والمعمق تحدُ كبير بالدرجة الأولى من حيث المصطلحات. لذلك يضم الكتاب ملاحق ثمينة تثبت المصطلحات الأساسية والضرورية لمتابعة الفكر الأوروبي قي تطور مفاهيمه الفلسفية  كما يضم فهرسٍا مفصلٍا للمحتويات  وأيضٍا لائحة بالمصادر وفهرسٍا للأعلام.
 إن حاجة المكتبة العربية كبيرة  لكتاب يتناول الفكر الأوروبي في جذوره وتطوراته ويكون جامعاٍ دقيقاٍ ومفصلاٍ في الوقت نفسه. وقد أتت ترجمة عمل الباحثة في الفلسفة والمؤلفة الموسوعية جاكلين روس لتضيف إلى المكتبة العربية كتاباٍ أساسياٍ منهجيِاٍ تعليميِاٍ يسرد تطور الفكر الأوروبي متتبعاٍ نتاج أعلامه موضحاٍ أحياناٍ سياقاٍ جدلياٍ مظهراٍ الانقلابات والثورات الفكرية وكاشفاٍ أحياناٍ أخرى سياقاٍ انسيابياٍ مستفيداٍ من التتابع والتواصل بين الأفكار والتيارات الفكرية. وفي الحالتين الجدلية والانسيابية تظهر المؤلفة مدى المديونية التي يحملها الجديد بالنسبة للقديم رفضاٍ أو قبولاٍ نفياٍ أو تأكيداٍ لتنتهي إلى عصرنا الحاضر حيث يسائل العقل ذاته فتشير إلى إشكالياته حدوده ريبته والتحديات التي يواجهها.
من خلال بحثها توضح الكاتبة للأجيال القادمة أهمية القراءة الواعية والعميقة لما ورثوه من فكر وحضارة وهاجسها تعزيز الانسجام والوحدة  في غناها  وقدرتا على تكوين الذات.
وهذا المنحى في البحث مهم بالنسبة للقارئ العربي لأمرين:
أولاٍ: الخدمة التي يؤديها لكل طالب وباحث ودارس ومفكر من أجل الانفتاح على الآخر والتعمق بمعرفته والتواصل معه بغية المشاركة في صنع لا أوروبا فحسب بل في صنع مصير العالم الذي أصبح اليوم متحداٍ في السراء والضراء.
ثانياٍ: التحفيز على الانكباب على غنى الثراث الفكري العربي فإن هذه الدراسة للموروث الفكري والحضاري تساؤلاته والتحديات التي يثيرها تشكل نموذجاٍ ليته يصار إلى مثله لسرد قصة الفكر العربي بما فيه من روافد وإبداعات ومساهمات في صنع المصير الإنساني.
وضعت هذا الكتاب الكاتبة والمؤلفة الموسوعية جاكلين روس وهي أستاذة جامعية تعد الطلاب لامتحان الإجازة في الفلسفة. تحمل دكتوراه في الفلسفة والعلوم الإنسانية. لها مؤلِفات عديدة باللغة الفرنسية في الفلسفة وتاريخها وتطورها وطرق تعليمها كما أنها وضعت قاموساٍ فلسفياٍ. حالياٍ تعدِ كتاباٍ في عدة أجزاء يغطِي تاريخ الفلسفة وأيضٍا مجموعة أخرى تدرس فيها تاريخ الفكر.
الكتاب صدر عن مشروع كلمة للترجمة في أبو ظبي ومترجمة الكتاب أمل ديبو أستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت وتدرس باللغة الانكليزية الحضارات في حقبات أربع العصور القديمة العصور الدينية عصر النهضة الأوروبية وعصر التنوير وصولاٍ إلى القرن العشرين. وهي باحثة ومحاضرة في مواضيع ثقافية تربوية فنية واجتماعية. لها مقالات نقدية وفكرية وفنية نشرت في جرائد ومجلات محلية وأجنبية وترجمات عديدة .

قد يعجبك ايضا