العدوان والحصار….. ألف بين قلوب اليمنيين

الكتابة على ضوء ذبالة متحشرجة يخفت ضوءها تارة ويقوى تارة أخرى, والعائلة مجتمعة في غرفة واحده يتبادلون الأحاديث والنكات وتعلو ضحكاتهم لتبدد وحشة الليل المخيف هيج في نفسي تساؤلات لم أجد لها جوابا. وحار عقلي ولا أجد منطقاٍ أو فلسفة تبرر العدوان الغاشم ….
أي سبب أقنعوا به ضمائرهم ليكسروا هيبة بلدهم وعزتها وينزعوا البسمة من شفاة أطفالها ويحرقوا قلوب نسائها وكهولها …. ما المنطق ليباد شعب بأكمله ولأجل من ليبقى فرد…. عشرة…. ألف …. فليذهبوا إلى الجحيم ولتبق اليمن وليحيا شعبها حراٍ أبياٍ رغم فقره تغافل العدوان وقوات التحالف عقوداٍ عما يجرى في فلسطين حتى ظننا أن هذه الدول الشقيقة لا تملك مقومات الدفاع عن بيت المقدس…. لم تحرك صرخات نساء فلسطين وغزة فيهم ساكنا ولم تهز لهم وجدانا. وبعد طول انتظار يظهر (الملك المفدى) والإبصار شاخصة والآذان منصتة والآمال متشبثة ببقايا النخوة العربية التي داسها حكام الخزي والعار يظهر ليندد ويستنكر العدوان الاسرائيلى ….. وكفى …. وتظل الجيوش في تكهناتها ولا تسلط إلا على شعوبها كما قال الشاعر أحمد مطر:
الأعداء بكل مكان
وجيوش التحرير لحد الآن
تهدم مبنى
تفتح سجنا
تزرع جبنا
تحصد خوفاٍ
تأخذ أنوار البترول
وتوزع خيرات القتل علينا بالمجان
رؤوس الثعابين
في هذه المرحلة الخطيرة والمؤلمة في تاريخ اليمن غربلت المواقف وبانت الانتماءات الحقيقية واستشرفت رؤوس الثعابين وباتت تلاحقها لعنات الجائعين والمنكويين …. ولا يعلمون أنهم بحصارهم ومحاولة التضييق على أبناء الشعب وتجفيف موارده الاقتصادية ما زادتنا ألا تماسكا وقرباٍ إلى الله . فالجوامع التي كانت تشكو قلة المصلين باتت ملأى. اجتمعت النسوة على حلقات القرآن والذكر والاستغفار والجار يتفقد جاره والقريب يسأل عن قريبه.
بصمة
رغم الحصار الخانق وانعدام المشتقات النفطية وصعوبة التنقل من مكان لآخر إلا أن بعض الجمعيات الخيرية والحملات الطوعية لازالت تتنقل من هنا لهناك ولو مشيا على الأقدام لتقدم خدماتها إلى المواطنين. وإحدى هذه الجمعيات حملة (فينا الخير) التي لم تحد عن خط سيرها وهدفها من تلمس حاجات المعوزين والمحتاجين وما أكثرهم في هذه الأيام وبالرغم من إمكانياتها البسيطة التي قد تدهشك الا أن أثرها يفوق اكثر الجمعيات التي استمرأت طلب الدعم من هنا وهناك باسم المحتاجين ولا يوجد لها أثر حقيقي على أرض الواقع.
لايزال العاملون بحملة”فينا الخير” مع صغر سنهم يعملون بصمت وصدق, وفي هذه الظروف الصعبة لاتسع الفرحة المختلطة دموع فقيرا تعاظم اليأس قلبه واستبد به وأطفاله يتباكون حوله يشكون الجوع بعد أن أيقن أنهم سيهلكون لامحالة. فالكل منشغل عنه فيفتح بابه على أصوات طرقات لم تألفها أذناه ليجد أمامه سلة غذائية من الدقيق والسكر والأرز والزيت وغيرها من المؤن ما تساعدهم على الحياة أياما أخرى.
هؤلاء الشباب لصغارهم من يستحقون التقدير وأولئك الذين فروا من اليمن يعيشون في أفخم الفنادق ويبيعون كل يوم جزءاٍ من إنسانيهم ستحاكمهم ضمائرهم وشعوبهم ولو بعد حين!!
مبادرات إنسانية
الخير باق مادامت اليمن ومهما كثرت المحن واشتدت المصاعب ولاتزال هنالك قلوب نابضة بالخير وتترجم اسمي معاني الانسانية التي لا تحتاج إلى مواعظ وخطب رنانة فذلك الرجل الميسر الذي اشترى (خزانا) كبيراٍ أمام بيته ويملأه يومياٍ ويدعه سبيلاٍ لأهل حيه لم يدفعه لهذا العمل الإنساني سوى ضمير حي وذلك المنظر يبعث بداخلك شعورا عميقاٍ بالأمل حين ترى تقاطر الناس من الصباح الباكر ليأخذ كل كفايته من الماء وهم يدعون له بالبركة وطول العمر آخر حدثتني عنه إحدى الجارات تكفل بنفقة سبع أسر فقيرة كفاهم عناء البحث عن لقمة العيش.
أما إحدى المبادرات الرائعة قامت بها عشر موظفات بقطاع أهلي تقاسمن مبلغاٍ من المال واشترين بثمنه عشرة أكياس من الدقيق وخمسة أكياس أرز ومثلها سكر ووزعنها بالتساوي لخمسين أسرة فقيرة..
تقول صاحبة المبادرة : كل يشتري ويخزن في بيته تحسبا من وقوع أزمة غذائية وفي هذا الحصار والعدوان أزداد الناس فقرا وبؤسا وكثير منهم على حافة الهلاك ولابد من مساعدتهم ولو تكفلت كل أسرة ميسرة بأخرى فقيرة أو بأكثر كل على قدر قدرته المالية لما كان هناك جوع وأزمة غذائية ولرحمنا الله بضعفائنا فالخير موجود كما قال رب العباد” بلدة طيبة ورب غفور”.
وتناشد هذه الموظفة أهل الخير بالتوجه لعقال الحارات لمعرفة مساكين الفقراء فهناك متعففون وأرباب أسر سرحوا من أعمالهم وهناك الجرحى ومن هدمت منازلهم جميعهم بحاجة لمد يد العون ف”لا يؤمن أحدكم حين ينام وجاره جائع”.
تقول إحدى الأرامل: أنا لا أملك ما أنفق به لكني حين أطبخ الطعام لي ولأولادى اقتسم منه يوميا لإحدى الجيران الفقراء. 

قد يعجبك ايضا