تقرير مصير


عائشة الطويلي –
هذه الأثناء يمتلئ المكان بجملة من الحروف المتطايرة يظل يرددها في الذاكرة ليمسك بها جيدا خيفة أن تهرب وتختبئ في إحدى الزوايا , فيعود من معاناته السابقة في لملمتها إلى حسرة وخيبة لفقدانها , تقلب كفاه صفحات الكتاب يعدها عدا , يحدث نفسه خفية : بقي كذا وكذا صفحة , يتمنى أن تتزحلق هي الأخرى أو تحذف من المقرر .. !
ليته ينتهي من صف الكلمات والمقاطع والحروف , يبقى في قلق مستديم , يتذكر أن عليه مراجعة المقاطع , ينفخ في الهواء لتستدير عيناه نحو الهدف يحاول تذكر المعلومات السابقة تهرب من ذاكرته بعض تفاصيل كانت قد حاولت الهروب في غفوة غير معلنة, يستعيد السيطرة يقبض قبضة عزرائيل يسكت النسيان يتمركز حول زاويته المقصودة, يلتهم الكلمات ..الجمل تلو الجمل , بنفس عميق ينجز انتصارا ثم يعاود أدراجه المتبقية على قارعة الطريق .
تتحول غمامة هادئة حول عينيه تراقصها فتجرها أمامها لتقبض عليها فوق وسادة كان قد اتكأ عليها قبل لحظات , يحاول أن يفلت من قبضتها لكنها على ما يبدو قد ألقت بشباكها جيدا وصادت الفريسة وانتهى الأمر .
نام لساعات ثم أيقظه سعال مباغت ففزع لينظر محدقا نحو الساعة , لقد مر وقت طويل لم ينتهö بعد من بلع المقرر ينتابه شعور بالملل , يعاوده التثاؤب مرة أخرى .
يصرخ في وجهه: ليس مجددا , ينطلق مسرعا نحو حوض الماء يغمس وجهه بداخله يكرر المحاولة , يحدث نفسه : أريد أن أنتهي , أريد أن أنتهي ..!
يمسك الكتاب فتلسعه أشواكه , يستمر في المناورات بين كر وفر يصطحب معه مللا لا ينقطع , يقترب موعد الخطر يدخل قاعة المصير يتهيأ لمبارزة الأسئلة , يبدأ بسم الله وينتهي بالحمد لله , ليستعد مرة أخرى في مناورة قراءة أخرى لهم آخر كانوا قد أسموه بالاختبار ليستمر معه كل ذلك القلق والخوف والثقل .
أما الصنف الآخر من المتبارزين , لا يصيبهم هم ولا تهزهم رياح الخوف , فهم على يقين أن مقدرتهم في خوض المحنة ضعيفة ولن تمكنهم من التماسك ومن ثم الاستمرار , لذا ينام مبكرا لا يحمل في جوفه ما يحمله المستعد للمبارزة , فتسقط أوراقه ويموت مستقبله وتنتهي أحلامه ليبقى مستقبله معلقا كل عام, وحسرته تلسعه كلما التقى بزملائه القدامى وتأمل في حالهم وقارنه بحاله , طبعا الفرق واضح.. وشتان بينهما .

قد يعجبك ايضا