تدهور الأعمال يفاقم معاناة المواطنين


لم يجد جمال سالم العبيدي أي خيارات متاحة أمامه للاستمرار في العمل بمشغله للخياطة حيث لم يعد يتخطى عتبة مشغله “كما يقول” سوى عدد محدود جدا من الزبائن والمتعاملين لديه الأمر الذي اضطره لإغلاق مشغله مؤقتا لعدم قدرته على توفير متطلبات المشغل والمصاريف اليومية له ولعماله.
جمال الذي يبحث عن عمل مؤقت لدى المشاغل والمحلات الكبيرة العاملة في هذا المجال نموذج واضح لوضعية الأعمال والمهن التي تمر بمرحلة صعبة وتراجع طبيعي نظرا لانخراط المواطنين بفترة تقشف واسعة ومحدودية السيولة المالية في الأسواق والأزمة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها اليمن.. ويقدر خبراء ومسؤولون أن نسبة انخفاض وتراجع الأعمال والمهن بما يقرب من 45% مرشحة للزيادة مع ما تشهده بلادنا من جمود سياسي وأزمة اقتصادية خانقة.

يقول خبراء إن توفر الأمن والاستقرار السياسي من المقومات الرئيسية لبيئة الأعمال الاقتصادية ونمو الأعمال والمهن التي تستقطب الكثير من الأيادي العاملة على وجه الخصوص فبدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن تعمل أو تنجز أي عمل أو تسعى إلى تحقيق أي هدف حتى على المستوى الشخصي فما بالك بالأهداف والطموحات العامة والتي تهم المجتمع من خلال تبني مشروعات اقتصادية إنتاجية وخدمية توجه الكثير من الاستثمارات لتوفر متطلبات المجتمع من السلع والخدمات الاستهلاكية المباشرة والوسيطة لأداء العمل.
ويقول الدكتور ياسين السلامي أستاذ إدارة الأعمال بجامعة صنعاء إن هناك أزمة سياسية يعاني منها المواطن بشكل كبير في الجوانب المعيشية ومحدودية الاستثمارات المحلية وتوقف الكثير من الأعمال وتسريح أياد عاملة وهو الأمرالأهم الذي يجب أن يأخذ في الحسبان لان ذلك قد ينسف أي جهود تبذل لمكافحة الفقر والبطالة.

تأثيرات
بحسب الدكتور ياسين فإن هناك الكثير من الاختلالات الهيكلية في البناء الاقتصادي للدولة فالإنتاج وتوليد الدخل والناتج المحلي والصادرات يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز الذي تصل إلى حوالي 80% تقريباٍ من الإيرادات الحكومية وما نسبته 95% من الصادرات اليمنية وما ترتب على تراجعها بشكل كبير نسبياٍ نتيجة للتفجيرات المتتابعة لأنابيب النفط والغاز.
ويرى ضرورة تنفيذ إجراءات سياسية راسخة لجعل القطاع الخاص في اليمن أكثر قدرة على المنافسة وأقل اعتماداٍ على الدولة ومواردها.
ويرى أن موارد اليمن العامة ستبقى محدودة خلال المستقبل المنظور كما أن قدرات الخدمات الحكومية ستحتاج لوقت أطول كي تتحسن وبالتالي تراجع المستوى المعيشي للمواطنين.

حلول
يضع خبراء العديد من الحلول لمعالجة العجز المالي وتوسيع الموارد العامة بدون الإضرار بمشاريع التنمية الاقتصادية وبمحدودي الدخل وأهم هذه الحلول في نظر الخبراء تتمثل في شفافية الإنفاق باعتباره الحل الأمثل لمعالجة العجز المالي وكذا تطبيق سياسة إصلاحات اقتصادية صارمة للحد من الفساد وهدر المال العام .
وهناك العديد من الخيارات لمعالجة الاختلالات المالية والإدارية ووضع الإجراءات اللازمة لتهيئة بيئة مناسبة لإنجاح برامج الإصلاحات الاقتصادية التي تشجع على تدفق التمويلات الخارجية لمشاريع التنمية الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتنمية الموارد الضريبية والجمركية والأهم تنمية الأعمال والمشروعات الصغيرة التي تتعلق بشكل مباشر بالحياة اليومية للمواطنين.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد يحيي الرفيق ضرورة التركيز على الجوانب التي تهييء بيئة أعمال آمنة لنمو الاستثمارات والأعمال والأنشطة وتوسيع هيكل الاقتصاد الوطني من خلال الموارد المتاحة الضريبية والجمركية واستغلال الموانئ والثروات الطبيعية .
ويؤكد أن هناك الكثير من الفرص لإصلاح العديد من الاختلالات تتطلب جدية وإرادة وهناك كما يقول فرص لمكافحة الفساد وإصلاح الإدارة المعنية بالنشاط الاقتصادي وتنمية الموارد .
ويقول خبراء كذلك إن الحكومة إذا كانت غير قادرة على إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية قد تكون قادرة على إجراء إصلاحات إدارية وتنفذ برامج إصلاحية بمفهوم الحكم الرشيد وإحداث نوع من التطور والتحسن في هذه الإدارات وبالتالي يتحسن معها الموارد والتقليص من النفقات ومحاربة الفساد وتنمية الأعمال.

أطر تنظيمية
يؤكد تقرير حديث للبنك الدولي أن استراتيجية النمو المستدام في اليمن تتطلب تسريع تنمية القطاع الخاص وتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتوسيع رقعة الأنشطة بما يسهم في تنويع الدخلويوضح البنك أن ذلك يمكن أن يتم من خلال تحسين مناخ الأعمال التجارية والاستثمار ومراجعة الأطر التنظيمية وغيرها من الوسائل وخاصة في ما يتعلق بالخدمات .
ويدعو البنك الدولي في نفس السياق إلى أهمية إجراء المزيد من الإصلاحات اللازمة في اليمن لتحسين نظام الإدارة المالية العامة لدعم النمو واستيعاب الموارد المتاحة بشكل أكثر فاعلية بالإضافة إلى تطبيق القوانين الضريبية وتعزيز الجهات الإرادية ومصلحة الجمارك بشكل كبير وشفافية تنفيذ الميزانية دون تدخلات اجتهادية وإقامة آليات فعالة للرقابة الداخلية تعتبر جوانب رئيسية ينبغي التركيز عليها خلال الفترة القادمة.
وعلى الرغم من تحسن آليات وأساليب الشراء والتعاقد لكنها بحسب خبراء البنك الدولي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام كون الفساد لايزال مستشرياٍ بصورة كبيرة ويرى البنك أن ثمة حاجة إلى إصلاح شامل لنظام الحكم لتمكين الخدمة المدنية في اليمن من أداء المهام الرئيسية وتقديم الخدمات على نحو فعال ويتطلب ذلك تعزيز المؤسسات الرئيسية في القطاع العام وكذا السياسات والإجراءات والقدرات على المستوى المحلي والمحافظة على المستوى المركزي مع العمل على اتخاذ خطوات عملية نحو تحسين تقديم الخدمات وضمان مزيد من المشاركة والسماع لصوت المواطنين المعنيين في الحكم المحلي .

قد يعجبك ايضا