حاورتها / افتكار أحمد القاضي –
> على أطراف الصراع تغليب مصلحة الوطن والالتفاف حول مخرجات الحوار لبناء الدولة المدنية
> الفساد يغذي الصراعات واستمرارها يقود في النهاية إلى انهيار الدولة
> النخب السياسية هرمت وتكلِست ولم تجلب لليمن سوى الانقسامات وتأجيج الصراعات
> تقادم الأحزاب وغياب الديمقراطية فيها جعلها عديمة الرؤى تجاه الكثير من القضايا
> حكومة الكفاءات تواجه تحديات معقدة وتحتاج لإسناد محلي ودعم دولي لتخطيها
أكدت الدكتورة بلقيس أبو أصبع – أستاذة العلوم السياسية بجامعة صنعاء وعضو اللجنة الشعبية لتقريب وجهات النظر بين المكونات السياسية والمجتمعية- أن جميع السيناريوهات مفتوحة في اليمن في ظل استمرار الأزمة الراهنة وتفاقم الصراع الذى لم ولن يتوقف في الوقت القريب بسبب تمسك أطراف الصراع بتصفيات حساباتهم ..
وقالت أبو أصبع في حديث لـ(الثورة): إن غياب الدولة سيؤدي إلى تشظي وانقسام البلاد التي تعيش اليوم مرحلة صعبة ومعقدة يحكمها الصراع القائم بين مختلف المكونات السياسية والطائفية وتأثيرات القوى الإقليمية والدولية .. وهو ما يجعل الأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت التي لن تكون سارة إذا لم تتحمل القيادة السياسية والحكومة وجميع الأحزاب والمكونات السياسية والمجتمعية في البلاد مسؤوليتها التاريخية في هذا الظرف الاستثنائي المعقد لإخراج اليمن من هذا الوضع الكارثي..
* كيف تقيمين الأوضاع التي تمر بها اليمن في الفترة الراهنة¿
– اليمن تعيش اليوم مرحلة صعبة ومعقدة فبقاء الدولة وزوالها يحكمهما الصراع القائم بين مختلف المكونات السياسية والطائفية وأيضاٍ القوى الإقليمية التي لها تأثير كبير على ما يجري في البلاد في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه اليمن حالياٍ والذي يجعل المستقبل أكثر ضبابية في استمرار هذه الأوضاع وتفاقمها فهناك على سبيل المثال صراع سعودي إيراني وآخر تركي ..وكل يريد أن يبسط نفوذه على المنطقة بغض النظر عن النتائج الكارثية التي ستترتب عن هذا الصراع. أمريكا أيضاٍ تعد طرفاٍ قوياٍ ومساهماٍ في تزكية القرارات التي تحدث في اليمن ولا ننسى الصراع الدائر في العراق وليبيا وسوريا والذي ساهم بشكل كبير في تعقيد الوضع في اليمن.
ولكن أعود وأقول إن المجتمع اليمني رغم الصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية فإنه مازال متمسكاٍ بهويته ويؤمن بها ويرفض أية تفرقة أو دعوات طائفية أو سياسية أو مذهبية وغيرها..
وعلى أطراف الصراع أن يعوا بأن الشعب لم يعد يجدي معه العنف والقتل والدمار كما عليهم أن يدركوا بأن الذي سيكسب في هذا الصراع هو أيضاٍ سيكون خسراناٍ لأنه راهن على جثث وأشلاء ونفوس محطمة وفقر مدقع يلتهم السواد الأعظم من أبناء الوطن وأوضاع أمنية واقتصادية لم تشهد البلاد لها مثيلاٍ من قبل.
*برأيك ما هو المخرج للأزمة التي تعيشها البلاد في ظل الفوضى القائمة¿
– المخرج للأزمة الراهنة يعتمد على القرارات الدولية والإقليمية بالمقام الأول ثم يأتي الدور الكبير على أطراف الصراع الذين يجب أن يْغلبوا مصلحة الوطن وعلى الجميع الإلتفاف حول مخرجات الحوار والدستور القادم اللذين بهما نستطيع أن نبني دولة مدنية حديثة ونحقن دماء أبناء هذا الوطن التي تراق بشكل يومي دون سبب فاليمنيون أصبحوا متعطشين للأمن والاستقرار ولديهم استعداد للتعايش السلمي مع جميع الأطراف واحترام التنوع المذهبي والطائفي والسياسي.
* كيف تصفين غياب الدولة المفاجئ¿
– غياب الدولة فاجأ الكثيرين بل جعلنا نعيش في حالة صدمة حتى هذه اللحظة. وما يزيد الطين بلة أن الدولة تظهر وتغيب حسب مزاجها وكأننا أمام لغز يصعب حله فالمواطن والمثقف والسياسي جميعهم أصبحوا في حيرة مما يحدث وبات الجميع مشدوهاٍ لما يجري ولا يجد تفسيراٍ منطقياٍ لما هو حاصل اليوم.
*ما هي السيناريوهات الأقرب للمشهد اليمني في ظل هذا الوضع¿
– جميع السيناريوهات مفتوحة في ظل تفاقم الصراع الذي لم يتوقف ولن يتوقف في الوقت القريب بسبب تمسك أطراف الصراع بتصفيات حساباتهم كما أن غياب الدولة قد يؤدي إلى تشظي وانقسام البلاد وقد يصل بنا الحال إلى شمال وجنوب أو إقامة دويلات صغيرة المهم أننا لن نتخلص من الصراع بل سيزداد في حال أي سيناريو محتمل ولكن أقول كما ذكرت سابقاٍ إن الشعب اليمني مازال متماسكاٍ ومتعايشاٍ مع بعضه رغم الاختلافات كما أن أي فصيل من فصائل الصراع لن يكون بمقدوره أن يعيد بناء دولة انهارت مؤسساتها كما خطط لها.
*كيف تقيمين دور الأحزاب والنخب في التعامل مع ما يجري¿
– للأسف الأحزاب لم تقم بدورها الحقيقي تجاه وطن يستنجد بالجميع لإنقاذه والسبب يرجع إلى غياب الديمقراطية داخل تلك الأحزاب أيضاٍ قيادات الأحزاب لم تتغير منذ أن أنشئت ولم تترك الفرصة للعقول الشابة أن تصل إلى رئاسة تلك الأحزاب وتتخذ قرارات ورؤى تخدم هذا الوطن أيضاٍ هناك أحزاب مازالت القبيلة هي التي تتحكم في قراراتها..
إضافة إلى الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على تلك الأحزاب بمعنى أن الأحزاب القديمة لم تتبنِ أي رؤية لحلحلة الأزمة الراهنة وهذا يؤكد أنه ليس لها قوة ونفوذ سياسي يمكنها من اتخاذ القرارات السياسية التي تلعب دورا مهما على الساحة.
وأعود فأقول إن النخبة السياسية في اليمن سلطة ومعارضة عانت وتعاني العديد من الانقسامات الفكرية والسياسية والأخلاقية والتي ظهرت جلياٍ في الأحداث التي تعيشها اليمن يوما بعد يوم وفي صراع هذه النخب الذي سيؤدي إلى انهيار البلاد. لأنها نخب بدت متصارعة ومنقسمة لم تستطع الاتفاق على مشروع وطني حقيقي يحقق الاستقرار والنمو سواءٍ على مستوى السلطة أو الأحزاب السياسية القديمة أو الجديدة أو الحركات السياسية الناشئة بل ظلت تؤجج الصراعات والانقسامات المناطقية والطائفية لتحقيق مصالحها الذاتية دون أن تلتفت إلى الوطن. نخب متعثرة إدارياٍ وتنظيمياٍ تتخذ من الديمقراطية شعاراٍ لها ولكنها لا تؤمن بها. نخب هرمت وتكلست خلال خمسين عاماٍ ولم تفسح المجال لجيل جديد من الشباب ذوي التأهيل العلمي القادر على فتح آفاق واسعة في ظل العولمة. نخب تركن وتعتمد على تجنيد أهل الثقة وليس أهل الكفاءة. وفي ظل هذه النخب وصراعاتها نكاد نفقد اليمن.
* اللجنة الشعبية التي أنشئت مؤخراٍ لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وأنت عضوة فيها .. هل هي قادرة على القيام بدورها أم أن مصيرها مثل بقية اللجان والهيئات التي تنشأ بين الحين والآخر ولم تقدم شيئا¿
– اللجنة أنشئت لتوحيد وجهات نظر المكونات وتم التوقيع على هذه المبادرة فالكل يريد الأمن والاستقرار والعيش بسلام وأمان وأعتقد مهما كان عمل هذه اللجنة إلا أنه ليس لديها القوة والنفوذ لتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء والمكونات وأعتقد أن إنشاء لجان للمساهمة في النصح وفي الرأي سيكون دورها قوياٍ وفعالاٍ. وعموماٍ فإن اللجنة ستستمر بعملها وسنبذل كل جهد في هذا الجانب من أجل التوفيق بين المكونات وحل الخلافات والصراعات القائمة.
ولاشك أن الهيئة الشعبية بحاجة إلى شباب للمساهمة في بناء الوطن ويكون لهم دور محوري لبناء المستقبل الجديد لليمن ومن أجل أن نستطيع إلزام مختلف الأطراف والمكونات من خلال تحالف واسع يضم مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية وغيرها وكذا لابد من تقوية دور المجتمع المدني في هذا الجانب بتفعيل الجانب التوعوي وتوجيه الرؤى والأفكار والإسهام في صناعة التحول في البلاد.
* مؤشر الفساد في اليمن إلى أين يتجه في ظل هذا الوضع¿
– الدولة عندما تمر بمرحلة انتقالية يزيد فيها الفساد وانهيار الدولة والأمن يصبح معضلة ومرتعاٍ خصباٍ للفاسدين .. ومؤشر الشفافية يكشف أن اليمن كانت في المرتبة 161 دولياٍ في قائمة الفساد لكنها اليوم تراجعت وأصبحت في المرتبة 175 ومعلوم أن الفساد واستفحاله يغذي الصراعات والصراعات تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الدولة.
لذا نحن بحاجة إلى إرادة سياسية جادة لمكافحة الفساد وتفعيل تقارير الأجهزة الرقابية وإحالة ما تكشفه من قضايا فساد إلى النيابات والمحاكم …. وينبغي أن يكون هناك ضغوط من الأحزاب ومنظمات المجتمع لمكافحة الفساد المستشري .
* عندما كنت في هيئة مكافحة الفساد طالبت بضرورة إيجاد محكمة خاصة بالفساد أليس كذلك¿
– لابد من وجود نيابة ومحكمة خاصة بالفساد لتسهيل إجراءات التقاضي وسرعة البت في قضايا الفساد مع إجراء تعديلات في التشريعات والقوانين تتيح محاكمة كبار المسؤولين وشاغلي الوظائف العليا في الدولة في حال ارتكابهم مخالفات وقضايا فساد. وينبغي تضمين الدستور الجديد مواد تتعلق بمكافحة الفساد وهي موجودة في مخرجات الهيئات المستقلة والحكم الرشيد.
* التكتلات النسائية برأيك ماذا قدمت للمرأة ودعم قضاياها¿
-التكتلات النسائية دعمت وناصرت المرأة حيث قمنا بتشكيل تكتلات نسائية ضمت خمسة تحالفات نسائية تحت مسمى (متطوعون من أجل مناصرة المرأة) تمثل سيدات الأعمال وتحالف أمل وتحالف النساء المستقلات لمناصرة ودعم قضايا النساء ونحن في هذه التحالفات نجحنا في مناصرة المرأة في مؤتمر الحوار لترسيخ الكثير من مخرجات الحوار لصالح المرأة وأقمنا عدة ندوات تتعلق بقضايا المرأة وحقوقها ونحن الآن في انتظار الدستور القادم الذى سيمنح المرأة حق المشاركة في جميع مفاصل الدولة والذي نرجو أن يكون لصالح دعم قضايا المرأة لكنه في حال تهميش قضايا وحقوق المرأة فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي.
* هل تعيين ثلاث وزيرات في الحكومة الجديدة تمثيل ينصف المرأة¿
– نحن نعرف أن مخرجات الحوار أكدت أن نسبة مشاركة المرأة في جميع المناصب لا تقل عن 30? لكننا نعتب على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هذا التمثيل الضعيف للمرأة رغم الوعود التي حصلت عليها المرأة من رئيس الجمهورية ومن الداعمين والسياسيين خاصة وأنها كانت من أهم الداعمين لمخرجات الحوار وشريكاٍ أساسياٍ في التغيير والبناء والتنمية. ويؤسفني القول إن الحكومة قامت بتعيين ثلاث لجان تضمنت لجنة خاصة بالاقتصاد ولجنة تنفيذ مخرجات فريق قضية صعدة ولجنة تنفيذ مخرجات القضية الجنوبية .. هذه اللجان الثلاث لم يتم تعيين امرأة فيها. ولا ننسى أن الثقافة الذكورية والعادات التقاليد المجتمعية لا تزال تضع النساء في أسفل السلم الاجتماعي حتى اليوم .
*حكومة الكفاءات برأيك هل هي قادرة على أن تحقق الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي¿
– حكومة الكفاءات تواجه مشاكل أمنية واقتصادية ستحدد مدى نجاحها من عدمه لكننا نأمل أن يكون بمقدورها تخطي كل تلك الصعاب ونحن لن نتهاون في دعمها كسياسيين ومثقفين وقادة رأي لأن المواطن يعلق عليها آماله ومطالبه التي تتمثل في تحسين الوضع الأمني والاقتصادي بعيدا عن الخداع والنفاق والمهاترات السياسية.
* كيف تنظرين إلى العنف الذي تواجهه المرأة اليمنية¿
للعنف أشكال مختلفة على سبيل المثال هناك عنف سياسي يتمثل في إقصاء المرأة من مراكز صنع القرار هناك أيضاٍ عنف ضد الصغيرات يكمن في زواجهن وإقصائهن من التعليم لذا فالنساء يواجهن أقسى أنواع العنف حتى على مستوى الخداع والنفاق فالنساء عندما يتشردن من بيوتهن يعد ذلك عنفاٍ لذا فالعنف للأسف تفاقم في السنوات الأخيرة بشكل كبير عما كانت عليه السنوات الماضية.
* ماهي الدراسات التي تعكف عليها الدكتورة بلقيس أبو أصبع في هذه المرحلة¿
– أقوم الآن بعمل دراسة أولية عن مكافحة الفساد في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية بالنظر إلى العلاقة بين الصراع والفساد ومراحل انهيار النظام .