
المكونات السياسية في أي بلد ديمقراطي هي التي تقود التغيير للأفضل, وهي الأمل في بناء مجتمعات أقوى وأفضل, وليس أدل على ذلك إلا ما حدث في الدول المتقدمة, حيث أتت الديمقراطية بثمارها بسبب الوعي الثقافي والسياسي لمكوناتها السياسية قبل شعوبها..
ومن هذا المنطلق طرحت (الثورة) تساؤلا هاما على عدد من الأكاديميين والسياسيين, وهو هل المكونات السياسية اليمنية تمتلك القاعدة والخلفية الثقافية المطلوبة لإحداث التغيير للأفضل¿ وذلك ما سنحاول تلمسه في سياق الاستطلاع التالي:
في البداية أكدت المحللة السياسية والأكاديمية بجامعة صنعاء الأستاذة الدكتورة سعاد السبع أن كل مكون سياسي يمني يمتلك القاعدة الثقافية المؤهلة القادرة على إحداث التغيير لو أنه أتيحت لها فرصة المشاركة في صناعة القرار لكن المشكلة أن هذه القواعد مستبعدة ومغيبة عن المشاركة في التغيير لأن هذه المكونات السياسية لا تزال تحت سيطرة قيادات غير مدركة لأهمية التغيير بل ترى أن التغيير إلى الأفضل هو فقط التغيير الذي يمكنها من البقاء على رأس مكوناتها السياسية إلى ما لا نهاية أو هو الذي يحفظ مصالحها السياسية الخاصة.
وشددت الدكتورة السبع على أن التغيير إلى الأفضل لن تدور عجلته إلا إذا تولى مسئولية القرار في المكونات السياسية اليمنية قيادات ذات نظرة مستقبلية شاملة تؤمن أن الوطن للجميع وأن التغيير لن يكون للأفضل إلا إذا تم استثمار القدرات البشرية وشارك في التغيير الجميع كلا بحسب قدراته وكفاءاته.
إعادة هيكلة
ومن وجهة نظر مخالفة لرأي الدكتورة السبع تحدث المحلل السياسي والأكاديمي بجامعة ذمار الأستاذ الدكتور عبد الكريم زبيبة, قائلا: إن المكونات السياسية اليمنية -وبصراحة- فقدت القدرة على أن تكون لها تأثير على أحداث التغيير الايجابي في المجتمع, ولذلك لعدد من الأسباب أهمها: افتقار المكونات والأحزاب السياسية للثقافة, والاستراتيجية التي تحدد لها الرؤية والرسالة والأهداف الخاصة بالعمل لهذه المكونات حيث أصبحت عبارة عن تجمعات فئوية شللية عصبوية تجمعها المصالح لمراكز القوى في هذه الأحزاب والمكونات.
وطالب الدكتور زبيبة بضرورة إعادة هيكلة المكونات السياسية, وفق مراجعة واعية لخلفيتها الثقافية والإيديولوجية بما يحقق قيامها بخدمة الوطن بالشكل الصحيح. وفي إطار إتاحة الفرصة للقوى الشابة بها, لتقديم رؤية حديثة توافق المتغيرات المعاصرة, وتلبي إحداث التغيير المنشود منها في الرقي باليمن أرضا وإنسانا.
تشرذم ثقافي
وبتصنيف سياسي أرجع الأستاذ الدكتور أحمد حميد الدين -المحلل السياسي والأكاديمي بجامعة صنعاء- السبب في عدمش وجود القاعدة الثقافية لإحداث التغيير المطلوب من المكونات السياسية إلى إفرازات الواقع السياسي, قائلا: “أن الربيع العربي أفرز تكتلات سياسية قائمة على التحالفات بين اليمين واليسار مما أحدث تشرذما ثقافيا غير حقيقي بين قواعد معظم التكتلات اليمنية سياسيا, وأفرز ذلك تداخلا كبيرا بين ثقافات قواعدها, وعدم القدرة على خلق أقطاب كبرى رغم ما برز خلال فترات تاريخية وهنا من التكتلات السياسية الناشئة ما يمكن القول بافتقارها إلى القواعد المؤثرة في الساحة باستثناء تكتل “أنصار الله” الذي تمتد حاضنته لتشمل اغلب المناطق الشمالية للبعد المذهبي والسلالي والمظلومية التي يمثلها عند غصير البعدين السالف ذكرهما. إلى جانب التصنيف السابق برزت منذ تسعينيات القرن الماضي تكتلات جديدة أهمها تلك المتولدة من الفوضى الحاصلة بعد الوحدة مثل الحراك الجنوبي الذي أصبحت له جماهير في الجنوب ذات ثقافة انفصالية والتيار السلفي الذي نما على حساب حركة الأخوان نتيجة التأثير من دول الجوار”.
وحذر الدكتور حميد الدين من أن تكتلا متطرفا قد ظهرت له قواعد نائمة أو حواضن ثقافية في مناطق متعددة نتيجة الهزائم التي لحقت ببعض التكتلات السياسية والقبلية عسكريا ووجدت في تكتل القاعدة الملاذ الأخير للانتصار لها لأبعاد مذهبية وعنصرية لا تخفى على الكثير. وهذه القاعدة العدائية بين المكونات لا تقود إلى التغيير للأفضل.