الوظيفة العامة.. بين معايير الكفاءة ونفوذ الولاءات الحزبية

استطلاع / رجاء عاطف . –

عدد من العراقيل والصعاب تقف أمام توزيع الوظائف الحكومية لطالب الوظيفة والساعي لها وتظل إشكالية الوظائف والحصول عليها قائمة في ظل وجود تلك الصعوبات قد يكون إحداها سبباٍ في العرقلة للحصول على وظيفة فمنها شروط الكفاءة أو معايير الاختيار وأخطرها احتكار الوظائف لجهة أو حزب..
من هنا تسعى الثورة خلال هذا الاستطلاع لمعرفة مدى العلاقة بين الحزبية وتوزيع الوظائف ولماذا لا يترك المجال للتنافس بين الكفاءات¿ فإلى التفاصيل:

في البداية أوضح الدكتور علي حسين العمار – الأستاذ المشارك بكلية الإعلام جامعة صنعاء – أنه لا توجد أي معايير يتم على ضوئها الاختيار للوظيفة سوى الحزبية والمحسوبية والنفوذ والجهوية والمناطقية والقبلية أو كل ما يمكن أن يساعد على تعيين الأقارب والأصدقاء والمقربين إلا ما ندر.
وأضاف أن كثيراٍ من مؤسساتنا فاشلة لأنها لا تضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولذلك فالعلاقة متينة ومتلازمة بين معيار الاختيار والحزبية والكل يعلم بأنه ومنذ زمن غير بعيد يكون هناك احتكار للوظيفة وفق المعايير المذكورة سابقاٍ حتى أن هناك توريثاٍ للوظيفة في أكثر من جهة.
وقال العمار: لن يصلح الحال إلا بتطبيق القانون على الجميع وأن يتم اختيار الشخص المناسب للمكان أو الوظيفة المناسبة والذي أحياناٍ يتم إيجاد وظيفة لأشخاص معينين وهذا لا يحدث في أي بلد في العالم متمنياٍ أن يعي القائمون على صناعة القرار ويغلبوا مصلحة الوطن على الحزبية والمحسوبية في اختيار الوظيفة وأن لا تكون حكراٍ على أحد لأن الجميع لم يعد سلبياٍ ويعي تصرفات كل صناع القرار السلبية.
انعكاس سلبي للأداء
ومن جانبه يقول العميد ثابت حسين – محلل سياسي: من أخطر وأكبر مشاكل الجهاز الإداري للدولة اليمنية العسكري والمدني أن اختيار شاغلي الوظائف وبالذات العليا منها يتم على معيار الولاء الشخصي أو الحزبي أو القبلي وأخيراٍ المذهبي في الفترة الأخيرة أي لا يبحث متخذ القرار عن الأكفاء والأكثر تأهيلاٍ ونزاهة وخبرة لشغل المنصب بل يبحث عن الأقرب منه والأكثر ولاءٍ له وبالتالي فإن هذا الاختيار ينعكس سلباٍ على أداء هذا الموظف الذي يضع نصب عينيه وهمه وشغله الشاغل كيفية إرضاء من عينه لعدم ثقته في نفسه كفاءة وخبرة وتأهيلاٍ ونزاهة ولذلك تأسس وتعشش الفساد المالي والإداري والأخلاقي في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية واليوم ووفقاٍ لمخرجات الحوار الوطني لابد من إعادة النظر في الوظيفة العامة على أسس وطنية وعلمية وهذا يعني معايير الكفاءة والتأهيل والنزاهة والخبرة مجتمعة وأخذها بعين الاعتبار نسبة الجنوبيين والمرأة والشباب وعلى أساس نفس المعايير التنافسية في إطار هذه الفئات.
عقلية الغنيمة
ويرى نشوان السميري – خبير ومدرب إعلامي أن العلاقة بين الحزبية والوظيفة العامة تنطلق من عقلية “الغنيمة” التي تشكل أحد مكونات العقل العربي وربما تتجاوز في مثالنا اليمني احتكار الوظيفة العامة إلى الهيمنة على كل مقدرات البلاد فيصبح الحزب المسيطر أو الفرد والجماعة الحاكمة متحكما بكل هذه المقدرات دون أن يراجعه أحد في ذلك خاصة تلك الأحزاب التي تأمل أن تصل إلى الحكم وتحصل -كما سابقها- على حصتها “الشرعية” في نظرها فقط من ثروات البلد وإمكاناته.
وقال السميري: لا يفوتنا أن عقلية الغنيمة موجودة في الممارسة السياسية الغربية ولكن في حدود نظمها القانون وتتعلق عادة بالمناصب الكبرى المحيطة بالحاكم دون المساس بالإدارة ومواقعها التي تم شغلها حسب معايير الكفاءة لا الولاء لذا نجد أنه من السهل بإمكان ملاحظة تغول كل حزب أو جماعة تمسك بزمام السلطة في بلادنا باعتبارها أصبحت حقاٍ أصيلاٍ لها وما يتبع ذلك من توزيع “الوظائف العامة” عادة كمكاسب سياسية وغنائم مفضلة الولاء والشللية والمحاصصة وحتى المجاملات العائلية أيضاٍ واحتكارها لكل حاكم وافد.
منوهاٍ بأنه لن يتحقق للكفاءات الموجودة في بلادنا أن تصل إلى مواطن صنع القرار في الوظيفة العامة وتحسن من واقعها الأليم سوى بتفعيل مبادئ الحكم الرشيد وتطبيق مبادئ وأولها تكافؤ الفرص وسيادة القانون والمحاسبة والرقابة ولن تكون الوظيفة العامة استناداٍ إلى الحكم الرشيد سوى العلاج الفعال في نظرنا لمداواة عاهة “الغنيمة” في المال العام والحكم التي تشوه وما تزال ممارسات الفاعلين السياسيين في اليمن منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962م حتى اليوم بكل أسف.
لا اعتبار للمصلحة العامة
محمد الغانمي – تربوي: في بلادنا لا اعتبار لمعيار الكفاءة في شغل الوظائف السيادية والعامة بل هناك علاقة بين الحزبية والوظائف تكمن في تقاسم الحقائب الوزارية بين الأحزاب وهي بدورها تعين شاغليها بما يوائم ولاءهم للحزب وقادته وبما يحقق الحظ الأوفر لهم من الطاعة والمكسب بغض الطرف عن كونه مؤهلاٍ لذلك أم لا ودون اعتبار للمصلحة العامة وعلى نفس السياق يسري معيار الولاء الحزبي في كل الميادين الخاضعة لتلك الحقيبة.
وأضاف أن ذلك الفشل نتيجة حتمية مادام الأساس غير مضبوط ولن تستقيم الأمور وتنهض البلد إلا بوضع المناسب في المكان المناسب وأنه لن يعطي التنافس بين الكفاءات حظه إلى أن يولد الوعي من المخاض الأليم وإلى أن يولد الجيل الجديد من الإنسان الكامل (إنسان العلم والحضارة) وإلا فإن الساحة سوف تظل مسرحاٍ للتقاسمات والاقتتالات وسيطرت الفصيل الأقوى والتعديلات المتكررة بلا جدوى وحظاٍ أوفر للكفاءة والبلد.
لم نصل لدولتنا
وتوافقه الرأي نجوى العاضي – نائبة رئيس دائرة المعلومات ودعم القرار في رئاسة الوزراء: بأنه لا يتم التوظيف بحسب الكفاءة أو المعايير وقالت للآن لم نصل في دولتنا إلى أن ننظر للكفاءة سواء للرجل أو المرأة بعين الاعتبار ومازال ذلك مغيباٍ في عديد من المجالات وبجميع التخصصات ولا ينظر لها بأي شكل من الأشكال إلا ما ندر وتعتمد على العلاقات والحزبية أو جهة ما ونادراٍ ما نجد الشخص المناسب في المكان المناسب.
مفهوم الوظيفة العامة
فيما أرجع صادق أبو شوارب – منسق طلائع شباب اليمن الثورية: أن السبب هو المفهوم الخاطئ لدى الساسة للهدف الحقيقي من الوظيفة العامة فهم يرونها أقرب الطرق للحصول على الثروة الشخصية أو الحزبية والمصدر الوحيد للهيمنة على أفراد المجتمع والبقاء في وجاهة المجتمع واعتبارها غاية في حد ذاتها يحصلون عليها تحت أي مبرر كان ومجرد الحصول عليها نجدهم يتوقفون في أماكنهم بدعوى الحفاظ على المنجزات التي حققوها وأهمها وصولهم للوظيفة العامة.
وقال: يجب أن يدركوا أن الوظيفة العامة وسيلة لتحقيق سعادة المجتمع ورفاهيته وأن يتعاملوا معها على أساس الكفاءة والنزاهة والحياد.
وختم حديثه بأن الفقر والبطالة وتدني التحصيل العلمي للسياسيين سبب رئيسي لجنوحهم نحو المحاصصة والتقاسم الحزبي للوظائف العامة بدلاٍ عن إخضاعها للمفاضلة.
ويرى بأن الوظيفة العامة ستظل أحد أهم مسببات الصراع الاجتماعي في اليمن والبلدان الفقيرة والمتخلفة حتى يتم إخضاعها للمفاضلة العلنية على قاعدة المواطنة المتساوية والمؤهلات العلمية والكفاءة والنزاهة والحياد.

قد يعجبك ايضا