انشغال المعلمين بمهن أخرى فاقم تدهور العملية التعليمية


الثورة/ هشام المحيا –
في الوقت الذي بلغت فيه البشرية أوج التطور والرفاهية حتى تمكنت من غزو الفضاء ما تزال الكثير من المناطق اليمنية عاجزة -على الأقل- عن رؤية تلك الإنجازات أو رؤية الصورة الجديدة التي تتجلى بها البشرية في الوقت الحالي فضلا عن الحلم بالوصول إليها ومن تلك المناطق -المغلوبة على أمرها- مديرية القفر إحدى مديريات أكبر محافظة إب “عاصمة السياحة اليمنية مساحة وسكانا بعد أن أحجمت مشاريع البنية التحتية الضرورية من طرق ومراكز صحية وتعليم ومياه صحية عن ملامسة أحلام غالبية السكان التواقين إلى الخروج من عنق زجاجة الحرمان من جهة أخرى يعاني أبناء المديرية ممن منحتهم الدولة بعض حنانها -وهم قلة قليلة- من عدم فاعلية ما أنجز من مشاريع تنموية وبالتالي فقد تمكن الفقر والعوز والفاقة والجهل من إحكام قبضتها على سكان المديرية… في السطور التالية تجدون تلك المعاناة بكل تجلياتها وتفاصيلها…نتابع

في الشمال الغربي من محافظة إب “عاصمة السياحة اليمنية” تقع مديرية القفر إحدى أكبر مديريات المحافظة مساحة وسكانا حيث تقطنها حوالي20 ألف أسرة تضم تحت سقوفها ما يقارب 130 ألف نسمة ويتوزعون على مساحتها المقدرة بحوالي 676 كم2 .

صورة مصغرة للوطن
تعود اليمنيون على “القسمة الضيزى” خصوصا فيما يخص مشاريع البنى التحتية حيث تحل التنمية الشاملة والمستدامة بكل ثقلها على مناطق قليلة وهي التي يسكنها المسؤولون في الدولة بينما تتعمد الغياب عن الغالبية وقد تمثلت لنا مديرية القفر نفسها على هيئة صورة مصغرة لما يحدث في الوطن الكبير فلم تتساوِ مديرية القفر مع باقي مديريات المحافظة حيث حظيت الكثير من تلك المديريات برعاية القيادات المتعاقبة على السلطة المحلية فوجدت نصيبها من مشاريع البنى التحتية وإن لم تكن هذه المشاريع بالشكل المطلوب أما مديرية القفر فأقرب الظن أن السلطة المحلية نسخت لها وضعا من اسمها فهي مقفرة جدباء من الاهتمام إلا بالنادر “والنادر لا حكم له” فالسكان هنا ما يزال غالبيتهم غارقون في بحور المخافة والفاقة والعوز والجهل حتى أن الناظر إلى مديريتهم لن يشك لحظة واحدة من أنها بقية مما تركته القرون الوسطى.
حالة مرثية
لن تحتاج الكثير من الوقت والجهد -عزيزي القارئ الكريم- لتكتشف حجم المعاناة التي يقاسيها أبناء المديرية فمبجرد وضع إحدى قدميك على مداخلها سترتسم أمامك لوحة واضحة تلخص كل ما تبحث عنه لكن بالمقابل ستحتاج الكثير من الوقت والجهد وربما المال لتصل إلى أعماق وتفاصيل تلك المعاناة لذا انصحك بالاقتراب لتقرأ تلك التفاصيل ففي الداخل بالتحديد في قراها وعزلها ستجد عذاب الحياة بألوانه محفوراٍ على أكف الشباب ومسطراٍ على جباه الطفولة أما أعلى آيات الحرمان والمهانة والشقاء فستجدها عند النصف الآخر من ذلك المجتمع “عند النساء” حيث تمتهن حياة المرأة إلى درجة أن الفرق بين مهامها وبين مهمة الحيوانات -أعزكم الله- لا يكاد يكون كبيرا.
الصورة عن قرب
تعاني الكثير من عزل المديرية كعزلة رحاب ونجد البرح وبني جربان والسبل وبني مفتاح وقيدان وبيت العلاف من الكثير من مشاكل في شتى مناحي الحياة ولعل أولها صعوبة التواصل نظرا لعدم وجود شبكة طرق متكاملة معبدة تربطها ببعضها البعض فأغلب الطرق الموجودة حاليا عبارة عن طرق ترابية صخرية محفرة شتاء ومهددة بالانهيار صيفا ورغم ذلك فهي لا تربط سوى بعض العزل ببعضها فضلا عن غياب شبه كامل للطرق التي يفترض أن تربط القرى ببعضها البعض وعموما يمكن القول إن الطرق في هذه المديرية تخضع لفلسفة “الوجود مثل العدم”.
لم تكن الطرق هي جل المشكلة فغالبية السكان يصارعون من أجل الحصول على المياه من الآبار القليلة المتواجدة على بعد مسافات بعيدة عن المساكن ورغم كل هذا العناء إلا أن تلك المياه ملوثة للغاية وبالتالي فهي غير صالحة للاستخدام وفوق هذا وذاك تجد بعض العزل نفسها مضطرة لاستخدام مياه الآبار المكشوفة والتي لا تتوقف الحيوانات بأنواعها كالبقر والحمير وحتى الكلاب عن الشرب منها وربما التحمم فما الذي يمنعها إن وجدت فرصا كهذه من جهة أخرى وفي الوقت الذي تقاتل فيه هذه العزل من أجل الوصول إلى آبار المياه الملوثة تجد عزلا أخرى نفسها في حالة افتقار لتلك الآبار وتشتد معاناة هؤلاء في فصل الشتاء -حسب إفادة من التقيناهم من السكان.
وتستمر الحكاية
أما الشق الآخر للمعاناة فيتمثل بالمستوى التعليمي والثقافي للسكان فمن خلال ما رصده كاتب السطور فإن المستوى التعليمي للكثير ممن تخرجوا من التعلم المدرسي أو للكثير من الذين ما زالوا في الصفوف الدراسية متدنُ للغاية فبالنسبة لمن أكملوا الدراسة فيعاني الكثير منهم من ضعف بالغ في القراءة والكتابة العربية وهو ذات الأمر الذي يعاني منه عدد كبير من طلاب المدارس حاليا كما تعاني المدارس عموماٍ من ارتفاع نسب التسرب خصوصا بين الفتيات ويرجع تدني المستوى التعليمي في المديرية إلى عوامل كثيرة أفصح عنها عدد ممن التقيناهم من السكان وقد لخصها لنا الشاب عبدالله الأديب بقوله: “غياب المعلمين المتخصصين في الكثير من المدارس وعدم كفاءة وكفاية المدارس في المديرية فضلا عن إشكالية توزيعها بشكل عشوائي” ويرجع الأديب سبب عزوف الكثير من الطلاب عن مواصلة التعليم خصوصا الطالبات إلى سقوط هيبة التعليم وبالتالي غياب مسألة الشعور بأهميته في نفوس الطلاب والطالبات وذلك بعد انشغال بعض المعلمين بالعمل في مهن أخرى كبيع القات والبناء والرقم وغير ذلك من المهن البسيطة التي لا تليق بمكانة الرسالة التعليمية السامية من جهة أخرى لعب المستوى المعيشي المتردي للأسر دوراٍ كبيراٍ في عزوف الشباب عن الدراسة بهدف البحث عن فرص عمل يسدون بها رمق الحياة .
أما الصحة فحدث ولا حرج فرغم قلة المرافق الصحية في المديرية إلا أن أغلبها تعاني من إهمال رسمي ليس له مثيل حيث تفتقر لأبسط المقومات الطبية من كوادر وأدوية وحتى أجهزة إسعافات أولية وبالتالي فإن طريق الموت هي المسلك الإجباري الذي يسلكه الكثير ممن تلدغهم نوائب الزمن “الأمراض” .
نتيجة مأساوية
ولأن “الحال هنا من بعضه فقد واصل السكان حياتهم على الطريقة البدائية “طريقة الآباء والآجداد” حيث تستخدم الدواب “الحمير” كوسيلة رسمية للمواصلات ونقل البضائع الاستهلاكية للكثير من الأسر ولأن مهام “الحمير” هنا ثقيلة فقد أجبرت الكثير من النساء على تخفيف هذا العبء بتوليها أمر جلب الماء من أماكنها البعيدة أصلا عن غالبية المساكن وأحيانا يقوم بهذه المهمة الأطفال واليافعون بعد هروبهم من مدارسهم كما يتوغل كابوس الجهل وسط عدد كبير من شريحة الشباب -فضلا عن كبار السن الذين لم يجدوا الفرصة للتعليم- بعد أن وجدوا أنفسهم مجبرين على الهجرة إلى المدن أو إلى معسكرات الجيش للبحث عن فرص عمل تضمن لهم بقاء الروح في الجسد والغريب في الأمر أن يحدث كل هذا دون وجود ما يسميه العالم “دولة” إلا من الاسم وبعض الأثر ولهذا وحتى لا ننكر الجميل فإنه يبقى في ذمتنا حق الاعتراف لحكوماتنا المتعاقبة وللمجلس “المْحلِى” -عفوا- أقصد المِحلي بوجود أثر الإنجازات في هذه المديرية ببنائها عدداٍ من المدارس المتهالكة وإيفاد معلمين يعملون بنظام “شريحتين” أعني معلماٍ حيناٍ وسباكاٍ أو بناء أو رقِاماٍ أحياناٍ أخرى كما أوجدت الحكومات –مشكورة- بعض المستوصفات المعطلة إلا ما ندر.

قد يعجبك ايضا