“الثورة نت ” ينشر نص كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الجهادي الفريق الركن محمد الغماري

الثورة نت /..

نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في استشهاد القائد الجهادي الكبير الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري 29 ربيع الآخر 1447هـ/ الموافق 21 أكتوبر 2025م.

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَـــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَــــوَات:

السَّــــــــلامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَــــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتُــهُ؛؛؛

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23].

صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم

بالأمس ودَّع شعبنا العزيز شهيده القائد الجهادي الكبير، رئيس هيئة الأركان العامة، الشهيد العظيم العزيز/ محمد عبد الكريم الغماري، وأُقيمت مراسم الصلاة والتشييع له ولابنه الشهيد حسين، ولرفيقيه معه كذلك، وبحضورٍ شعبيٍ واسعٍ جدًّا، ومميَّز، يعبِّر عن استمرار وثبات شعبنا العزيز في إطار موقفه العظيم، وتحركه في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في ثباته على موقفه في الجهاد في سبيل الله، نصرةً للمستضعفين، وابتغاءً لمرضات الله “جَلَّ وَعَلَا”.

وفي هذه العلاقة الحميمية ما بين شعبنا العزيز ومؤسسته العسكرية، بقادتها، وكوادرها، وأفرادها، هذه المؤسسة التي هي على علاقةٍ قويةٍ وحميميةٍ بشعبها؛ لأن شعبها يدرك أنَّها مؤسسةٌ له، هي ذراعه الضارب في مواجهة الأعداء، هي تعبِّر عن توجهاته، عن مواقفه، تتحرك في إطار تطلُّعاته، ليست في اتِّجاهٍ آخر، كما هو حال الكثير من الجيوش العربية، التي تنظر إليها شعوبها على أنها مبنيةٌ ضدها، ومؤسسةٌ لتكون خصماً لها؛ لإخضاعها، لتركيعها، للطغاة والظالمين والجائرين.

شعبنا العزيز يرى في مؤسسته العسكرية، في قوَّاته المسلَّحة من الجيش والأمن، أنَّها قوَّةٌ له، وأنَّها منه وإليه، تعبِّر عن تطلُّعاته، عن توجهاته، عن موقفه، تتحرَّك معه في إطار الموقف الواحد، الذي يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والذي ينطلق من منطلقٍ يعبِّر عن هوية هذا الشعب، عن انتمائه الإيماني، عن توجُّهاته الإيمانية والقرآنية، التي تتطابق تماماً مع قول رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”:((الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، فالحضور الشعبي العظيم والواسع له دلالاته المهمة، ومنها هذه الدلالات.

الشهيد وسائر الشهداء في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)،وما قبل ذلك في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، الشهداء في هذه المراحل كلها، هم عنوانٌ أساس من عناوين الموقف الصادق والعظيم لشعبنا العزيز، الذي حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى في مواجهة طاغوت العصر (أمريكا، وإسرائيل)، وفي نصرة الشعب الفلسطيني، والتَّمَسُّك بقضايا الأُمَّة الكبرى، التي هي في إطار المسؤوليات الكبرى لهذه الأُمَّة.

ولذلك عندما نتحدَّث عن موقف شعبنا في هذه الجولة المهمة: جولة العامين من الصراع والمواجهة الشرسة جدًّا بين هذه الأُمَّة، ممثلةً بأحرارها، بالمجاهدين منها، بالذين يعبِّرون عن الموقف الأصيل.

– الأصيل إسلامياً.

– الأصيل إنسانياً.

– الأصيل قرآنياً.

– الأصيل في التعبير عن حقيقة الأُمَّة، عن حقيقة القضايا التي هي قضايا هذه الأُمَّة.

– الأصيل في المسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة من كل جوانبها، وبكل أبعادها وحيثياتها.

هذا الصراع في المواجهة بين هذه الأُمَّة، وبين عدوها اللدود، المجرم، الحاقد، السيئ، المستكبر، الظالم، عدوها الصهيوني بأذرعه، التي تتحرك لاستهداف هذه الأُمَّة، وفي مقدِّمتها: إسرائيل، اليهود الصهاينة، ومعهم الأمريكي، الذي هو شريكٌ لهم في كل إجرامهم، وطغيانهم، ومؤامراتهم، وشريكٌ لهم في أهدافهم، ومخططاتهم، وهو راعٍ أساس لهم أيضاً، وكذلك من يدعمهم من الغرب، من يقف معهم من الغرب وغير الغرب، حتى على مستوى بعض الأنظمة العربية والإسلامية.

هذه المواجهة الساخنة جدًّا على مدى عامين، تميَّزت فيها مواقف الأحرار، الذين استجابوا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتحرَّكوا بالدافع الإيماني، والدافع الإنساني، والدافع الأخلاقي، لاتخاذ الموقف الصحيح، المفروض دينياً، لنصرة الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأَعِزَّاء، فكان الموقف اليمني من أبرز هذه المواقف، بمميزاته الكثيرة، التي تحدثنا فيما مضى عن الكثير منها، ونتحدَّث أيضاً- بالإشارة مجدداً- عن نقاطٍ مهمةٍ في ذلك.

موقف تحرَّك فيه بلدنا رسمياً وشعبياً بكل صدق، وببذل أقصى الجهد على كلِّ المستويات، اتَّجه شعبنا العزيز صادقاً مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أولاً، صادقاً في نصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف معه بكل ما يستطيع، دون توانٍ، أو تخاذلٍ، أو تقصيرٍ وتفريطٍ متعمَّد، وقدَّم الشهداء، منذ البداية في الانطلاقة في هذا الموقف قدَّم الشهداء، واستمر في تقديم الشهداء طوال هذين العامين: شهداء من القوَّات المسلَّحة، شهداء من أبناء الشعب العزيز، شهداء في مواجهة ساخنة، مواجهة حقيقية مع الأعداء، وكانت هذه العطاءات، وهذه التَّضحيات، من المصاديق الجليَّة الواضحة لصدق موقف هذا الشعب، صدق موقفه على كلِّ المستويات، ومن ذلك: الموقف العسكري، والنصرة على المستوى العسكري للشعب الفلسطيني ومجاهديه.

وعندما تحرَّك شعبنا العزيز في هذا الموقف العظيم، الذي هو موقفٌ مشرِّف، موقف فخرٍ، وشرفٍ، وعِزٍ، وكرامةٍ، وأداء واجبٍ مقدَّس، تحرُّكٌ في الاتِّجاه الصحيح، ليس فيما لا يستحق منه التضحيات ولا العطاءات؛ ليس في موقفٍ هامشي، أو موقفٍ عابث، أو موقفٍ مستهتر، وليس في موقف المتهور؛ بل انطلق في أعلى مستويات الرشد والحكمة والمسؤولية.

أعلى مستويات الحكمة: عندما نتحرَّك في إطار تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهدايته، وتوجيهاته الحكيمة قطعاً، التي هي في أعلى مراتب الرشد والحكمة، هل هناك أعلى في مستوى الرشد والحكمة من حكمة الله، من هداية الله، من تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يقدِّمه الناس، فيما لدى الناس من رؤى، من أفكار، من تحليلات، فيما لديهم من نتاج فكري أو ثقافي؟ هل هناك ما هو أعلى من هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو أحكم الحاكمين، عالم الغيب والشهادة، وفي إطار ما رسمه لنا من منطلق رحمته بنا، وهو أرحم الراحمين “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك فشعبنا العزيز حينما انطلق من منطلقٍ إيماني، مستجيباً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار أداء مسؤوليات هي مسؤوليات مقدَّسة، هي فرائض دينية، افترضها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على عباده، هي أداء مشرِّفة، ينال بها الشرف، والمجد، والكرامة، والعزَّة، ليست في الاتِّجاه الذي من تحرَّك فيه، فهو يتحرَّك في مواقف مخزية، معيبة، هي عارٌ عليه، هي خزيٌ له، كالذين تحرَّكوا في اتِّجاه معاكس: في إطار نصرة العدو الإسرائيلي إعلامياً، مادياً، في إطار تثبيط الأُمَّة عن اتِّخاذ أي موقف، وتشويه كل موقفٍ صحيح لمواجهته ونصرة الشعب الفلسطيني… وغير ذلك.

ولذلك هذا الموقف العظيم، وبهذا المستوى الكبير من الاهتمام، من العطاء، من التَّضحية، من تقديم الشهداء في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من الزحم الهائل في الحضور الشعبي العظيم والواسع، والأنشطة الكثيرة، من: وقفات، ومظاهرات، ومسيرات، وعطاء مالي من أقسى الظروف، وما ترافق مع ذلك من جهدٍ عملي، من جهدٍ على كل المستويات، هذا الموقف العظيم سيبقى صفحةً نورانيةً بيضاءً مشرقة في تاريخ شعبنا العزيز، يتوارثها الأجيال، وهذا الموقف سيبقى مدرسةً للأجيال اللاحقة، مدرسةً معطاءة، تزوِّدهم باليقين، والبصيرة، والعزم، تستنهضهم لمواجهة التحديات كيفما كانت، للثبات في كل الظروف، والتجاوز لكل الصعوبات دون كلل، ولا ملل، ولا فتور، ولا عجز، مدرسة قيمية وأخلاقية، ومدرسة في الهمة العالية، في الصبر والثبات، وكل القيم العظيمة.

وفي هذه المدرسة هؤلاء الشهداء الأَعِزَّاء، الذين ارتقوا فيها في أداء مسؤولياتهم ومهامهم الجهادية، هم نجومٌ مضيئة في هذه المدرسة، ستتطلع إليهم كل الأجيال؛ باعتبار ما كانوا عليه من تفانٍ في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما حملوه من مواصفات وقيم إيمانية راقية، ارتقت بهم في أدائهم، في ثباتهم، في روحيتهم المعنوية، في عطائهم العظيم في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك شعبنا العزيز في انطلاقته العظيمة والمباركة والخالدة، في هذا الموقف المشرِّف، بالرغم من الظروف القاسية جدًّا، وبالرغم من حجم التَّحَدِّي، وهذه الانطلاقة بمستوى فاعليتها العالية، بالتكامل الكبير على المستوى الرسمي والشعبي، حازت من المميزات ما انفردت به، في إطار هذه الملحمة التاريخية في مواجهة العدو الصهيوني، اليهودي، الحقود، المجرم، الظالم.

الجيش اليمني، والقوَّات المسلَّحة على مستوى الجيش والأمن، جيشٌ مجاهدٌ في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، انطلق مع شعبه في إطار هذه الهوية الإيمانية، وبالروحية الجهادية في سبيل الله تعالى، ببصيرةٍ عالية؛ ولهـذا كان جزءاً أساسياً من هذا الموقف.

أين هي الجيوش العربية والإسلامية، التي عِدادها أكثر من خمسةٍ وعشرين مليوناً، وليس لها صدى، وليس لها أثر، وليس لها موقف، ما عدا الحالات الاستثنائية المتعلِّقة بالجمهورية الإسلامية في إيران، ما عدا قوى المقاومة والجهاد، التي تحرَّكت من أبناء هذه الأُمَّة؟! لكن أين هي الجيوش، بضباطها، بقادتها، بكوادرها، بكل ما يمتلكونه من خبرة، وقوَّة، ومهارة، ومعرفة، ورتب عسكرية عالية؟ أين هم؟! أين أثرهم؟! أين دورهم؟! ماذا قدَّموه للأُمَّة في مرحلة من أصعب المراحل، وفي ملحمة من أكبر الملاحم، وفي أحداث ومعركة كبرى، هي من أهم الأحداث والمعارك التي تستوجب حضورهم، وإسهامهم، وعطائهم، وموقفهم؟! غائبون، هم غائبون عن هذه الأحداث بكلها، خارج نطاق التغطية كما يقال؛ لأن الوجهات ثانية، الأسس والمنطلقات ثانية، لم ترتقِ بهم إلى أن يكونوا في مثل هذا المستوى من الموقف، في الاتِّجاه الصحيح، في الزمن الصحيح، في الحركة، في الاتِّجاه الذي ينبغي أن يتحرَّكوا فيه، وأن يتوجَّهوا فيه.

ولذلك هذه القوَّة العسكرية، وهذه المؤسسة، هي- كما قلنا- منطلقةٌ مع شعبها بالروحية الإيمانية والجهادية التي ارتقت بها؛ لتكون في مستوى الموقف الذي ينبغي أن تكون فيه، جيش مجاهد، يحمل الروحية الإيمانية، والقيم الإيمانية، والروحية الجهادية، وهذا ما هو كفيلٌ بالارتقاء بأيِّ جيش لأن يكون في مستوى مواجهة هذه التحديات والمخاطر.

وكما قلنا: هذا التَّوَجُّه، وهذه المدرسة صنعت رجالاً على مستوى عظيم، فالقيم الإيمانية هي قيم راقية، قيم تبني الإنسان في اتِّجاه الكمال الإنساني، ليكون عنصراً خيِّراً فاعلاً في هذه الحياة، يتحرَّك بإيجابيةٍ عالية، يتحرَّك بفاعلية في إطارٍ صحيح، في الاتِّجاه الصحيح المجسِّد لتلك القيم العظيمة؛ ولـذلك:

– يبقى للشهداء أثرهم العظيم فيما أنجزوه، فيما بذلوه من جهد، فيما قدَّموه، في إطار ما قبل الشهادة، في إطار جهادهم، وأدائهم لمهامهم ومسؤولياتهم

– ويبقى لهم أيضاً الأثر الكبير جدًّا، بالقيمة العظيمة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لتضحياتهم، وشهادتهم، وما يكتبه الله لهم على ضوء ذلك، ما يكتبه لهم في واقع أمتهم، في واقع وخدمة القضية التي يضحون من أجلها.

– وهكذا أيضاً في الأثر العظيم فيما تستلهمه الأجيال، بل فيما يستلهمه حتى رفاق دربهم، وتستلهمه أُمَّتهم منهم فيما كانوا عليه من عزم، وقيم، وأخلاق راقية جدًّا، لها أثرها الكبير في النفوس.

ونحن في تجربتنا، على مدى كل هذه الأعوام في المسيرة الإيمانية والقرآنية والجهادية، لمسنا الأثر الكبير للشهداء:

– وجدانياً: في وجدان الناس، في وجدان أُمَّتهم، في وجدان رفاقهم.

– وشعورياً.

– وكذلك قيمياً: على مستوى الأخلاق والقيم، على مستوى الروحية، والعزم، والهمة، والاستعداد العالي للتضحية… وغير ذلك.

فلذلك نتحدَّث هنا عن بعضٍ من المعالم البارزة في شخصية شهيدنا العزيز، الشهيد/ محمد عبد الكريم الغماري “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وهي بعضٌ مِمَّا اتَّصف به هذا المجاهد العظيم، الذي ينتمي إلى هذا الشعب في مدرسته القرآنية، وتوجهه الإيماني:

· في مقدِّمة هذه المعالم البارزة في شخصيته: الروحية الإيمانية والجهادية:

وهي غائبة عن الكثير من الجيوش في العالم الإسلامي، ولكن- كما قلنا- فيما يتعلَّق بجيش هذا الشعب، انطلق في إطار الهوية لهذا الشعب (الهوية الإيمانية) انطلاقة إيمانية بوعيٍ قرآني، بارتباطٍ وثيق بكتاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحينما حمل الروحية الإيمانية والجهادية؛ تجلَّت هذه الروحية في الانشداد العظيم نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، محبةً لله، خوفاً من عذاب الله في حالة التفريط، أو التقصير، أو التواني في أداء المسؤولية، تجلَّت هذه الروحية في الثقة العظيمة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي من أهم تجلياتها، من أهم التجليات الإيمانية في الإنسان: ثقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولذلك كان الشهيد عظيم الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يؤدِّي مهامه الجهادية في مواجهة أعداء الله، وأعداء الإنسانية، دون اكتراثٍ بما هم عليه من إمكانات وقوَّة.

ما الذي أثَّر على الكثير من الجيوش العربية والإسلامية، في موقفها من الأمريكي والإسرائيلي؟ انعدام الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، دائماً يحسبون حساب الإمكانات، ما يمتلكه العدو من إمكانات وقدرات عسكرية… وغيرها، ثم يرون أنفسهم لا يمتلكون بمثل ما يمتلكه العدو، ولا يحسبون حساب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولا حساب وعده، وعده الحق بالنصر لمن يتحرَّكون في سبيله بإمكاناتهم وقدراتهم؛ ولـذلك بهذه الحسابات التي ينسون فيها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”،{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة:67]،{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر:19]، يتَّجهون اتِّجاهاً ثانياً: اتِّجاه الهزيمة، اليأس، الضعف.

بينما نرى في الاتِّجاه الإيماني، أول ما يحسبه الإنسان المنطلق في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو يحسب حساب معيَّة الله، قيمة أن تكون مع الله، والله معك، يحسب حساب وعود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي لا يخلف وعده:

– حينما قال:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].

– حينما قال:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47].

– حينما قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].

فمن أهم التَّجليات للروحية الإيمانية، والانطلاقة الإيمانية، والروحية الجهادية، مع الانشداد العظيم نحو الله، والانطلاق برغبة في الجهاد في سبيله، هي: الثقة به، بوعده الحق، بهدايته، فيما رسمه لنا من هداية، فيما حدَّده لنا من مواقف؛ باعتبار أنها هي المواقف الصحيحة، هي المواقف التي فيها نجاتنا، عِزَّتنا، كرامتنا، فلاحنا في الدنيا والآخرة، هي المواقف التي يمكن أن يقف الله معنا فيها، ويعيننا، وينصرنا، ويؤيِّدنا، وهو خير الناصرين.

فالشهيد “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” كان ينطلق بثقة عالية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في أداء المهام الجهادية دون تردد، وينطلق معه رفاقه في المسؤولية والجهاد بهذه الروحية العظيمة، وبالتَّوَكُّل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يعون قيمة التَّوَكُّل، ما معنى أن تتوكَّل على الله، الذي أمرنا بأن نتوكَّل عليه:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:122].

ولذلك لم تكن الظروف الصعبة، ولا المقارنات بين ما يمتلكه العدو في مقابل ما نمتلكه، ولا حجم المعاناة، ولا العوائق، ولا بساطة الإمكانيات، بالشكل الذي يمكن أن يؤثِّر على هذه الانطلاقة، أو على مستوى الموقف، أو على مستوى التَّحَرُّك، بل كان التَّحَرُّك بفاعلية عالية، بثقة تامَّة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، باستعدادٍ تامٍ للتضحية.

· من المعالم البارزة أيضاً في شخصيته: الإخلاص لله، والتجرُّد من أي أهداف أو حسابات شخصية:

وهذا من أهم ما في التربية الإيمانية: أن الإنسان ينطلق في أداء مسؤولياته المقدَّسة، وفي مقدِّمتها: الجهاد في سبيل الله تعالى، بكل إخلاصٍ لله، من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وطاعةً لله “جَلَّ شَأنُهُ”، أهدافه وغاياته مرتبطة برضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما وعده الله به، ويرى في ذلك الهدف الأسمى من أيِّ هدفٍ آخر، والغاية العظمى فوق كلِّ غاية، وهذا من الرشد الإيماني، من مظاهر الإيمان، ومن تجليات الهداية: أن يرتبط الإنسان في الغايات والأهداف بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فوجهته نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه ميزة مهمة جدًّا.

ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]،{جَاهَدُوا فِينَا}فيما تعبِّر عنه هذه المفردة المهمة(فِينَا):

– من عمق الإخلاص لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

– والتَّجرد التام من أي غايات أو أهداف لدى الناس، أو هنا أو هناك.

– وأيضاً على مستوى التفاني في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الانطلاقة الجادَّة التي هي في أعلى مستويات الجد، والبذل، والعطاء، والتفاني، والإقدام.

وهذه مسألة مهمة جدًّا؛ ترتقي بالإنسان المجاهد في أداء مهامه الجهادية، يحظى فيها برعاية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهداية من الله “جَلَّ شَأنُهُ”، ويكون لهذه الهداية أثرها في نفسية الإنسان، وأثرها في تدبيره، في خططه، في حركته العملية… في جوانب كثيرة جدًّا في مسيرته وأدائه.

· من المعالم المهمة جدًّا التي كانت بارزةً في شخصية شهيدنا العزيز “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”: روح المبادرة والمسارعة في أداء المهام الجهادية:

– وهذه من أهم وأعظم القيم الإيمانية من جهة.

– ومن أهمها في النجاح العملي، والتأثير العملي، والفاعلية العملية، والأثر في مقام العمل، في تدارك الكثير من الأمور، الحيلولة دون الكثير من الإخفاقات، وتحقيق الكثير من النجاحات.

– وهي روحية مهمة يربِّينا عليها القرآن الكريم، عندما نجد في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، نجد هذا التعبير الذي يشدُّنا إلى المسارعة في الأعمال الصالحة، وفي مقدِّمة الأعمال الصالحة: الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من أعظم الأعمال الصالحة، من أهم الأعمال الصالحة، من أهم فرائض الله “جَلَّ شَأنُهُ”.

– ومن أهمها فيما يتعلَّق بالإيجابية الكبرى لروحية المسارعة والمبادرة، والتَّحَرُّر من حالة التباطؤ، والتثاقل، والتواني.

المسارعة ذات أهمية كبيرة جدًّا في قيمتها العملية، في أثرها العملي، في مقام الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للتباطؤ والتثاقل مخاطر، مخاطر تؤدِّي إلى إخفاقات، تؤدِّي إلى نجاحات للأعداء، تؤدِّي إلى فوات أشياء كثيرة؛ ولـذلك للمسارعة: أهمية عملية من جهة، وقيمة إيمانية في القرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالمنزلة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي تعبِّر عن رغبة عالية من جهة، رغبة إلى الله، رغبة في ما وعد الله، وعن وعي عملي، وعي بأهمية الأمور، بقيمة الأمور التي نبادر فيها، بمخاطر التواني، والتثاقل، والتباطؤ، وما ينتج عنه، فهي من تجليات الرشد، والبصيرة، والوعي، والحكمة، والإدراك، الإدراك العميق والواعي، وفي نفس الوقت هي من القيم التي تُبَيِّن تحرُّر الإنسان من العوائق النفسية، والتَّرَسُّبَات النفسية، التي تجعل الآخرين يتباطؤون، يتثاقلون، لا يتحرَّكون برغبة ولا بمسؤولية في أداء مهامهم؛ لأن لديهم ترسُّبات نفسية، هي علل نفسية مؤثِّرة على نفسياتهم، من أطماع، أو عقد، أو عوائق أخرى، أو عدم استيعاب لقدسية المهام الجهادية… أو أي عوائق أخرى.

لكن لأهمية روح المسارعة، قدَّم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، في الدعوة إليها، والترغيب فيها، ترغيباً عظيماً جدًّا؛ هذا يدل على أهميتها، فجعل المسارعة في الأعمال الصالحة، وفي مقدِّمتها: الجهاد في سبيل الله تعالى، المهام الجهادية على المستوى التفصيلي، على أنها مسارعة إلى مغفرة الله، مسارعة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وهذه من الأشياء المهمة جدًّا في التربية الجهادية، وفي الأداء الجهادي، في المدرسة الجهادية، لها أهمية قصوى، وينبغي ترسيخها.

· من المعالم البارزة في شخصية شهيدنا العزيز “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”: الأداء للمسؤولية الجهادية بتقوى الله:

الأداء القائــم على أســـاس التقـــوى:

– التقوى من حيث الاهتمام والحذر من التفريط: فتميَّز أداؤه بالجِدِّيَّة، بالمبادرة، بالاهتمام الكبير، بالحذر من التفريط والتواني.

– وكذلك في التَّحَلِّي بصفات المتقين.

فهو يؤدِّي مهامه الجهادية ليس بالروتين العسكري، والتقاليد العسكرية المعروفة في الجيوش؛ بل بما هو أرقى منها، ويتميَّز عنها، كما قلنا: بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من حيث الاهتمام، والجِدِّيَّة، والمثابرة، والعناية، ومن حيث أيضاً المواصفات الراقية التي وصف الله بها عباده المتقين، في تعاملهم، في التزامهم، في حذرهم من المعاصي… في أشياء كثيرة، في كل ما تتناوله التقوى في واقع الإنسان:

– من حيث الانضباط العملي على أساس القيم والتعليمات الإلهية، والحذر من مخالفتها.

– ومن حيث الجِدِّيَّة العالية في أداء المسؤولية، والحذر من التفريط فيها.

– ومن حيث المواصفات الراقية.

وهذا شيءٌ مهم؛ لأن البعض قد يؤدِّي مهامه العسكرية كعسكري، يعني: يكتفي بالتقاليد والأعراف التي هي مرتبطة بالجانب العسكري، والأداء العسكري، أعراف معروفة عالمياً، اهتمامات معروفة عالمياً، انضباط ومستوى من الانضباط والاهتمام متعارف عليه عالمياً؛ ولكن هناك ما هو أرقى من ذلك بكثير، هو: التقوى، التقوى في حالة الروحية لدى الإنسان، في القيم، في الاهتمام، في الأداء العملي المميَّز.

· من المعالم البارزة أيضاً في أدائه، وفي واقعه، وفي شخصيته: الصبر:

وما أعظم الصبر! من أعظم وأهم القيم الإيمانية على مستوى مسيرة الإنسان الإيمانية بشكلٍ عام، وفيما يتعلَّق بالجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بشكلٍ أكبر، أهميتها كبرى وقصوى إلى أعلى مستويات الأهمية، هذه القيمة المهمة: الصبر؛ ولهـذا أتى التأكيد عليه كثيراً في القرآن الكريم، وأتى أيضاً في القرآن الكريم ما يرغِّب في الصبر، ما يربينا على الصبر، الصبر في الإطار العملي، في إطار أداء مسؤولياتنا والتزاماتنا الإيمانية.

فتميَّز بالصبر والتَّحَمُّل في كل الظروف، صبر على المعاناة النفسية والجسدية، وهذا مِمَّا يحتاجه الإنسان كثيراً في أداء مهام كبيرة، من مستوى موقع المسؤولية الذي كان فيه، يحتاج الإنسان إلى صبر كبير، المعاناة التي يعانيها الإنسان في أداء مسؤولية كهذه، في ظروفٍ كهذه، من موقعٍ كذلك الموقع، كم هناك من المعاناة النفسية أولاً، كم هناك من العوائق، كم هناك من الصعوبات، كم هناك من التحديات، كم هناك من الأمور المتعبة؛ ولـذلك يحتاج الإنسان إلى الصبر على المستوى النفسي والمعنوي، والصبر كذلك في تحمُّل الأعباء على المستوى الجسدي؛ صبر على المعاناة في سبيل الله، على الصعوبات، على المخاطر، على العوائق، صبر على الشدائد.

وشهيدنا العزيز فيما عرفناه شخصياً عليه، كان على مرتبة عالية من الصبر، في التَّحَمُّل النفسي، والتَّحَمُّل في الأعباء النفسية والجسدية في المهام الجهادية، في مرتبة عالية، أكثر من مسألة صابر.

القرآن الكريم يصف عباد الله المؤمنين في مراتب الصبر، فيقول عن بعضهم:{صَبَّارٍ}،{صَبَّارٍ شَكُورٍ}[إبراهيم:5]، وهي مرتبة أعلى من مسألة صابر، في أداء مهامه الجهادية.

شهيدنا العزيز فيما عرفناه عليه-ولا نُزَكِّي على الله أحداً- فيما عرفناه عليه: كان بهذا المستوى العالي من الصبر، صبورٌ بما تعنيه الكلمة، وصبَّار، يصبر على شدائد، وعلى شدائد أكثر منها، وأكبر منها، وأصعب منها، يصبر على معاناة كثيرة، وعوائق كثيرة، ومتاعب كثيرة، يتحمَّل نفسياً وجسدياً، وبالصبر الجميل، الصبر الجميل في أدائه، في تعامله، في روحيته، وهذه من أهم المميِّزات الإيمانية، صبر الربَّانيين، الذين قال الله عنهم في القرآن الكريم:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146]، يعني: من يقابلون الشدائد، الصعوبات، العوائق، بالصبر العملي، صبر في إطار استمرارية وعمل، انشدادهم إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” انشداد عظيم.

البعض من الناس يتأثَّرون بالشدائد سلباً، بالعوائق، بالتحديات، بالتَّضحيات، هي:

– إمَّا توهنهم.

– أو تضعفهم.

– أو تكسر من عزمهم وإرادتهم.

– أوتحطِّم نفسياتهم ومعنوياتهم.

ولكن الربَّانيين، الذين ارتقوا في مستواهم الإيماني إلى هذا المستوى العظيم من الانشداد إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والذوبان في سبيله، يواجهون كل تلك المؤثِّرات سلباً على غيرهم بالصبر العملي، ويلجأون إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في أن يمدَّهم بالمزيد من الصبر، والله علَّمنا في القرآن الكريم أن نطلب منه، أن ندعوه، أن نلتجئ إليه؛ ليُمِدَّنا بالمزيد من الصبر:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة:250]، في القرآن الكريم يقول الله:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}[النحل:127]، الإنسان بحاجة إلى الله في ذلك.

· من المعالم البارزة في شخصية شهيدنا “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”: التفاني في سبيل الله، وبيع النفس من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:

وهذا من شأن المؤمنين، الصادقين، المجاهدين في سبيل الله، ينطلقون وقد باعوا أنفسهم من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله هو مالكٌ لأنفسنا، هي مِلْكٌ لله؛ ولكن الله- لعظيم فضله، وواسع كرمه- فتح لنا المجال أن ندخل في صفقةٍ معه، في بيع ما يملكه منه، هو يملك أنفسنا، ويتيح لنا المجال أن نبيعها منه، وبيع بأي ثمن؟ بأرقى، وأعظم، وأسمى، وأقدس ثمن: رضوانه والجنَّة، ليس هناك شيءٌ في الدنيا لدى أي جهة، ولدى أي شخص، ولدى أي طرف، ولدى أي قوَّة، ولدى أي دولة، مِمَّا يغري الناس لبيع أنفسهم، لبيع مواقفهم، ليضحوا بحياتهم في سبيله، أرقى وأعظم وأسمى مِمَّا قدَّمه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو قدَّم رضوانه ثمناً، والجنَّة، الجنَّة التي هي أرقى نعيم مادي، أرقى نعيم في مستواه، وبخلود، ومن دون أي منغِّصات، وحديث الله في القرآن الكريم عن هذا الثمن، عن تفاصيله، حديثٌ عظيم، ومهمٌ، ومؤثِّر في القرآن الكريم.

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، قال أيضاً:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]، فمن مظاهر كرم الله الواسع، ورحمته العظيمة: أن يفتح لعباده هذا المجال، رحيلهم من هذه الحياة محتوم، نهاية هذه الحياة في الدنيا محتومة، ولكن فتح الباب لعباده لاستثمار هذه النهاية التي لا بدَّ منها للإنسان؛ لأنه ليس هناك خلود وبقاء في الحياة على الأرض لبني آدم، للناس، للبشر، الكل راحلون؛ ولهـذا قال الله لرسوله:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:34]،{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26]، ولكن استثمار هذه النهاية على أرقى مستوى بالشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانتقال إلى حياة الشهداء، التي هي حياة حقيقية، بكامل مشاعرهم، في نعيم وضيافة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أعدَّها لهم، كما أكَّد في وعده الحق، وهو القائل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[آل عمران:169-170]، في حالة رزق، وفرح، واستبشار،{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:170-171]، وهي ميزة للشهداء، هي ميزة ميَّزهم الله بها في القرآن الكريم، وقدَّمها كميزة للشهداء والشهادة.

روحية التفاني في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لها أهمية كبيرة جدًّا في مستوى الأداء الفاعل، في مستوى الإقدام، والجرأة، والعمل في الظروف، في المخاطر الكبرى؛ لأن الإنسان ينطلق متحرِّراً من قيود الخوف.

ما الذي كبَّل أُمَّتنا الإسلامية وقيَّدها؟ من أكبر المؤثِّرات هو حالة الخوف، الوَهْن الذي قال عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”:((حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَّةِ المَوْت))، هذه الحالة من الخوف، والرعب، والنظرة لدى الناس بأن تشبثهم بهذه الدنيا، بهذه الحياة، سوف يحفظ لهم بقاءهم فيها، وأنَّ فيه السَّلامة لهم؛ مع أنَّ النتيجة مغايرة تماماً، أكبر الكوارث على هذه الأُمَّة الإسلامية في طول تاريخها، وأكبر الخسارات من القتلى والجرحى بالملايين، هي في كل المراحل التي تخلَّت فيها بشكلٍ تام، أو يكاد أن يكون تاماً، عن مسؤولياتها الجهادية في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

على كُلٍّ، في مدرسة الإيمان والجهاد والقرآن، يُصْنَع هذا التَّوَجُّه، هذه الروحية تترسَّخ، ينطلق الإنسان وهو يحملها، متحرِّراً من قيود الخوف والذعر، ومنطلقاً بتفانٍ، بأداءٍ عالٍ، برغبةٍ كبيرةٍ، وانشدادٍ عظيم إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

· من المعالم المهمة في شخصيته “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”: الرشد، والحكمة، والتوازن النفسي، والوعي، والتقدير للهدى:

يعني: جانب نفسي، وجانب إدراكي؛ وهي من أهم المواصفات الإيمانية والإنسانية في الكمال الإنساني، في الكمال الإيماني، في مسيرة الإنسان في هذه الحياة بإيمان على مستوى عام، وأيضاً في مواقع المسؤولية بمستوى أكثر أهمية، وفي إطار الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يفتقر الإنسان من أهم ما يفتقر إليه: إلى هذه المواصفات: كيف يحمل الرشد في فكره، يحمل تفكيراً ورؤيةً مبنيةً على الرشد؟ هذا نحتاج فيه إلى الارتباط الوثيق بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالقرآن الكريم، بالاستيعاب للمفاهيم القرآنية، مفاهيم من حكمة الله أحكم الحاكمين، تصنع الإنسان حكيماً، يمتلك رؤيةً صحيحة، ليست رؤية مزاجية، أو استنتاجية من حالة غير سليمة، غير صحيحة، أو تلقَّفها ممن هبَّ ودب، تلقَّفها كما هو حال الكثير من الناس، كثيرٌ من رؤاهم، من نظرتهم، من تقييمهم، من تفكيرهم، مِمَّا تلقَّفوه بشكلٍ عشوائي، ومن غير أسس صحيحة، ولا موازين صحيحة، ولا معايير صحيحة، ولا أسس صحيحة، فيمتلكون رؤية غير راشدة، وتفكيراً غير سوي ولا صحيح؛ ولهـذا ارتباط الإنسان الوثيق بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بإصغاء، وتفهم، وتجرُّد تام، يعني: لدى الإنسان حرص على أن يتقبَّل هدى الله، أن يطبع تفكيره ونظرته بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالمفاهيم الصحيحة التي هي من القرآن الكريم، وأن يتجرَّد من استنتاجاته الشخصية، نظرته المعوجة، أو مِمَّا يتلقَّفه الناس من هنا وهناك بشكلٍ عشوائي.

فحالة الرشد، والحكمة، والتوازن النفسي، وهذا جانبٌ مهمٌ جدًّا؛ لأنه لا يكتمل للإنسان أن يكون حكيماً وراشداً في تصرفاته، إلَّا أن يمتلك مع الرشد الفكري التوازن النفسي، وإلَّا يمكن للإنسان أن يعرف حتى بأن تصرُّفه خاطئ، ويتصرَّف وهو يعرف أنَّ ذلك التصرف خاطئ، فالتوازن النفسي: حينما يمتلك الإنسان نفسية حليمة متوازنة، لا يستهتر ويتجاوز الحدود في حالة الغضب، ولا في حالة الخوف، ولا في حالة الرضا، متوازن مع كل حالاته النفسية، لا يتصرَّف لا بشكلٍ طائش، ولا بشكلٍ مستهتر، ولا بشكلٍ عابث في مقام المسؤولية؛ بل يبقى محافظاً على توازنه، يتصرَّف بمسؤولية، بمقتضى الحكمة، بمقتضى الحق، بمقتضى ما يقتضيه الحق، والتعليمات الإلهية، مهما كانت الظروف، هذه من المعالم التي عرفناها جليَّةً في شهيدنا العزيز.

· من المعالم البارزة في شخصيته: حُسن الخُلق، وسِعة الصدر، والاحترام للناس:

وهــذه أيضـــاً هـي:

– مواصفات إيمانية، ذات قيمة إيمانية عالية في علاقة الإنسان بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

– وفي نفس الوقت ذات قيمة إيجابية في الحياة.

– وفي موقع المسؤولية.

من أتعب الناس في مواقع المسؤولية من لا يمتلكون هذه المميِّزات، مَنْ أخلاقهم سيئة، مشاكسون، متعبون، نزقون، ضيِّقو النفوس، يصعب معهم مناقشة أي موضوع، أو أي مسألة، أو أي قضية، لا يتحمَّلون أن يدرس الإنسان معهم أبسط موضوع، يعيشون حالة التوتُّر، الانفعال، الغضب، الطيش، يكاد أن ينفجر في أي لحظة، هذه حالة تؤثِّر على أداء الإنسان حينما يكون في موقع مسؤولية، وكلما كبرت المسؤولية، وافتقد الإنسان هذه المواصفات؛ كلما كانت إشكاليةً كبيرة في أدائه العملي.

ولـذلك كلما كبرت مسؤولية الإنسان، تحتاج إلى أن يكون حسن خلق، يمتلك حسن الخلق، ومكارم الأخلاق بشكلٍ عام: صدق، وفاء… وكل القيم، ومع ذلك: حسن التعامل مع الناس، والاحترام لهم، الاحترام للناس من أهم ما في حسن الخلق.

وهذا معروفٌ به شهيدنا العزيز في تعامله مع الناس، مع رفاق دربه في المسؤولية والجهاد، مع المجتمع، من عرفه في إطار علاقة، ومعاملة، ومعرفة مباشرة؛ يدرك ما يتميَّز به في هذه المواصفات المهمة.

· من المواصفات المهمة التي تميَّز بها، هي: الابتكار والتكيُّف مع الظروف:

وهذا شيءٌ مهم في مدرسة الجهاد، والإيمان، والتقوى، ولها أهميتها الكبيرة جدًّا، عندما ينطلق الناس في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لهم ظروفهم الصعبة، معاناتهم الكبيرة، يواجهون الكثير من التحديات، لكن بالروحية الإيمانية والجهادية، هم مصمِّمون على أداء مهامهم ومسؤولياتهم، مهما كانت الظروف صعبة، مهما كانت الظروف شديدة، مهما افتقدوا لكثير من الإمكانيات، فهم يتكيَّفون مع الظروف، ويبتكرون ما يلائم ويدعم الموقف من مستوى ما هم عليه من الظروف، وهذا هو الذي يساعد على تحويل التحديات إلى فرص؛ لأن البعض من الناس قد ييأس، قد يصاب بالإحباط، قد يضعف، قد يتراجع؛ لأنه لا يمتلك الحلول تجاه بعض الأمور؛ لكن بعقلية الابتكار، بتفكير الابتكار، وبالهداية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يأتي الإبداع، تأتي الوسائل، يأتي المسار البنَّاء، الذي يبني الناس فيه قدراتهم بالتدريج، ويعطيها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الفاعلية العالية.

وهذه من المواصفات المهمة، التي أيضاً ينطلق فيها ويحملها من رفاقه، من أسهموا إسهاماً كبيراً جدًّا في تحقيق نقلة فارقة في القدرات والإمكانات، بالرغم من الظروف الصعبة جدًّا، لكنهم لم يستسلموا، ولم يهنوا، ولم ييأسوا، ولم يحبطوا؛ بل اتَّجهوا بالاعتماد على الله، بالثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعملوا؛ فتحقَّقت النتائج المهمة جدًّا، كما قلنا: نقلات فارقة، وقفزات كبيرة جدًّا هيَّأها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بفضله وكرمه، وهو يكافئ، ويعين، ويرعى، ويهدي، ويتدخَّل،{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:69]، في كل المجالات، في كل المجالات، بكل ما تعنيه مفردة(سُبُلَنَا).

ولهذا كان لهذه الروحية: روحية وعقلية الابتكار، التكيُّف مع الظروف، التحويل للتحديات إلى فرص، أهمية كبيرة جدًّا في صناعة هذه النقلة.

لهذا- كما قلنا- هذه المعالم، وغيرها الكثير أيضاً من المواصفات الإيمانية الراقية، هي مدرسة، مدرسة قرآنية، مدرسة قائمة على التوجه الإيماني، والانطلاقة الإيمانية، لها هذه النماذج من الشهداء، والقادة الذين ينطلقون من نفس المنطلق، وإن تفاوتت المستويات، لكن هذه المدرسة مستمرة في إنتاجها، ونماذجها التي تتحرَّك في إطار هذه المسؤولية المقدَّسة، والأداء العظيم.

ولهذا شهيدنا العزيز “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” هو من النماذج الراقية في هذه المدرسة، وهو أيضاً من رجال هذا البلد، هذا الشعب، الذين سيخلِّدهم التاريخ، الشهداء العظماء، الذين ضحُّوا بأنفسهم في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في أداء مهامهم المقدَّسة والعظيمة، الذين أسهموا في نقلات كبيرة، وفي إطار مواقف كبيرة، يخلِّدهم التاريخ؛ ليكونوا ملهمين للأجيال، ليكونوا مدرسةً واقعيةً قائمة في الواقع، ويرتبط بهم الناس أيضاً في الاستلهام من إسهاماتهم الروحية والقيمية والأخلاقية.

له أثره في إنجاز ما قد أنجزه، بجهوده، بسعيه، بسعيه الدؤوب، باهتمامه، بمتابعاته، وله إسهامه وأثره في بركة التضحيات هو ورفاقه الشهداء، وما يكتبه الله بهذا العطاء: بعطاء الشهادة؛ لأن الله يكافئ على عطاء الشهادة مكافأة كبيرة:

– للأُمَّة التي احتسبت، وقدَّمت، وصبرت.

– للشهداء أنفسهم في خدمة القضية التي تحرَّكوا فيها من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واستجابةً لأمره.

هذه التضحيات، وهذا العطاء ازداد بها الشعب والجيش المجاهد (القوَّات المسلَّحة في الجيش والأمن) ثباتاً وصموداً، ليس لها أي أثر سلبي يكسر من معنويات أو إرادة هذا الشعب، لا في قوَّاته المسلَّحة، لا في تعبئته، ولا في جماهيره، وهذا ما يجب أن يستوعبه الأعداء جيِّداً.

في كل ما مضى، قدَّمنا من الشهداء في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الكثير من القادة، من الأفراد، من الكوادر، من أبناء شعبنا العزيز، ارتقوا شهداء، ولكن في كل هذه المراحل الماضية، سواءً ما قبل العشر سنوات من المواجهة، أو في هذه الجولة، أو في العشر السنوات نفسها، كان المسار مساراً تصاعدياً، مسار ارتقاء، مسار يتميَّز به الأداء الجهادي، والتحرُّك في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مسار بناء، وتعاظم للقدرات، وتراكم للخبرة، واستفادة من التجارب.

لو كانت الشهادة في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تؤدِّي إلى الوَهْن، وإلى الضعف، وإلى الانكسار للإرادة؛ لكانت هذه النتيجة قد أنهت وجود هذه الأُمَّة المجاهدة منذ البداية، منذ الجولة الأولى التي استشهد فيها- آنذاك- شهيد القرآن، مؤسس مسيرتنا، وقائد مسيرتنا، السَّيِّد المجاهد شهيد القرآن/ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ”، ورفاقه العظماء في هذا الدرب العظيم والمقدَّس، ولكن استمرَّت هذه المسيرة، نمت، تعاظمت، قادت هذا الشعب العظيم في إطار هويته الإيمانية، امتدت بركاتها، صوتها، صداها، أثرها، على مستوى عالمي، وفي دورٍ عالمي، كما هي في توجُّهها القرآني ذات توجُّه عالمي.

ولذلك في كل المراحل الماضية، بكل العطاءات والتضحيات، إنما ازداد أبناء هذه المسيرة، وازداد أبناء هذا الشعب العزيز بهويته الإيمانية المقدَّسة، ثباتاً وارتقاءً:

– في بناء القدرات العسكرية: بفضل الله تعالى وصل وضعنا إلى مستوى غير مسبوق، أستطيع القول: أنَّ اليمن هو البلد الأول في كل البلدان العربية، في كل الدول العربية، في الإنتاج الحربي والصناعة الحربية، من المسدس إلى الكلاشنكوف، إلى سلاح المدفعية، إلى القناصات، إلى الطائرات المسيَّرة، إلى الصواريخ بأنواعها، والمسار في التصنيع الصاروخي أيضاً، والإنتاج الصاروخي، هو في مسار تطوير مستمر… وهكذا بقية القدرات، وهذا إنجاز كبير جدًّا، في مجال الطائرات المسيَّرة كذلك، هناك إبداع وتطوير مستمر… في مختلف أنواع السلاح المهم.

– في البناء والتأهيل للقوَّة البشرية: تحقَّقت نجاحات كبيرة جدًّا، مع البناء الإيماني، والتربية الإيمانية، والتثقيف القرآني، ومع المهارة العسكرية والتدريب والتأهيل على كلِّ المستويات، على كل المستويات، بما في ذلك المستويات القيادية، وضعنا في هذا الجانب فيما قد تحقَّق غير مسبوق بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

– في التعبئة كذلك: والإنجاز كبير جدًّا في التعبئة، التدريب لأكثر من مليون مجاهد مع التثقيف القرآني، مع التربية الإيمانية، والروحية الجهادية، والعمل في التعبئة سيستمر- إن شاء الله- بوتيرة وزخم كبير.

من نعمة الله علينا وعلى شعبنا هذا المسار الإيماني، المجسِّد للهوية الإيمانية، والمتحرِّر من العبودية للطاغوت، هو مسار للنجاة في الدنيا والآخرة.

أعداء الأُمَّة يسعون لاستعبادها بمخططهم الصهيوني، وتجلَّى سوؤهم، وإجرامهم، وطغيانهم إلى مستوى فظيع جدًّا خلال هذين العامين، وأكثر من أي وقتٍ مضى، وبالمشاهد اليومية عرف العالم أجمع، في مختلف البلدان، في كل القارات، سوء العدو اليهودي الصهيوني، سوء الصهاينة بكلهم: الأمريكي، والإسرائيلي، والبريطاني، ومن يرتبط بهم، في مستوى ما هم عليه من الإجرام، من الوحشية، من الحقد، من التجرُّد من كل القيم الإنسانية والأخلاقية، من الانفلات عن كل الضوابط والأعراف بين البشر، الإجرام الرهيب في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، في العدوان على شعوب أُمَّتنا، وهذه مسألة في غاية الأهمية، ما يُبنَى عليها هو: اليقين التام بصوابية الموقف الذي نحن فيه ضد ذلك العدو، ضد جرائمه، ضد مخططاته التدميرية الهدَّامة، التي يعبِّر عنها بـ [إسرائيل الكبرى]، ويعبِّر عنها أيضاً بـ [تغيير الشرق الأوسط]، يزيدنا يقيناً وإيماناً بما هدانا الله إليه في كتابه الكريم، رأينا تجلياته في الواقع بأعلى المستويات- كما قلنا- في المشاهد اليومية، أخبرنا عنهم، عن سوئهم، عن إجرامهم، عن عدوانيتهم، ونحن نراهم حتى ما بعد الاتِّفاق في لبنان، يستمرُّون في الانتهاك، والغدر، والنكث، والإجرام، والاعتداءات اليومية في لبنان، يستمرون في الاعتداءات على سوريا، ينكثون في غزَّة، في أمس الأول العدو الإسرائيلي قصف غزَّة- كما يقول هو- بأكثر من مائة وخمسين طناً من المتفجرات، في انتهاك جسيم، ويقتل في كل يوم أبناء الشعب الفلسطيني، لا يلتزمون بعهد، ولا ميثاق، ولا ذمة، وليس لديهم أي شيء من القيم: لا صدق، ولا وفاء، ولا إنسانية، ولا كرامة، أعداء حاقدون، دنيؤون، مجرمون، سيئون.

ولـذلك نحن في الاتِّجاه الصحيح بكل الاعتبارات، في إطار هداية الله، وحكمته، وفرائضه، والمسؤولية الإيمانية المقدَّسة المباركة العظيمة، في أعلى مستويات الرشد، نتحرَّك في إطار هداية الله، وتعليماته المقدَّسة، العظيمة، الهادية، الحكيمة، نحن نثق بالله، برحمته، بحكمته، هو أهدى لنا من كلِّ مفكر، من كلِّ سياسي، من كلِّ متفلسف، من كلِّ الناس الضعفاء، العاجزين، البائسين، اليائسين، الذين استنتاجاتهم عقيمة، وغبية، وجاهلة، وناقصة، وقاصرة، الله أهدى لنا، أرحم بنا، يهدينا لما فيه الخير لنا:

– هدانا إلى الجهاد.

– هدانا إلى الاعتصام بحبله بشكلٍ جماعي.

– هدانا لنصلح وضعنا الداخلي على أساس القيم الإيمانية والراقية، والحق، والعدل، والقسط، والخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير.

هدانا إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة، قدَّم الوعود العظيمة، ونحن نثق به، ونثق بوعده، ونثق أيضاً بالحتميات في مآلات هذا الصراع.

هذا صراع يفرض نفسه على الأُمَّة، التجاهل له ليس فيه أي سلامة للناس، من يقولون: [الحل أن نتجاهل ما يفعله الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، ما تخطط له الصهيونية العالمية، ونتحرَّك وكأنه ليس هناك أي خطر أمريكي ولا إسرائيلي، وليس هناك يهود وصهاينة يسعون إلى احتلال هذه الأوطان، وتدمير هذه الأُمَّة وإخضاعها واستعبادها من دون الله]، التجاهل لشيءٍ حاصل، واقع، قائم، يسعى فيه أولئك إلى فرض ما يريدون، ليس حلًّا للناس، ليس سلامة، وليس مِمَّا هدى إليه القرآن الكريم؛ إنما هو استنتاجات شخصية، نابعة من يأس، من ضعف، من عجز، من انعدام للرؤية، من عدم استيعاب لمستوى الخطر، ومجالات هذا الخطر.

والذين لديهم اتِّجاه التأقلم مع الأعداء، التوجُه على أساس سياسة الاسترضاء والولاء لهم، والسعي لخدمتهم، بهدف النجاة من شرهم، هم أيضاً ضالون، ضالون، في حالة ارتداد حقيقي عن مبادئ هذا الدين العظيم، عن قيمه، عن أخلاقه، يتحوَّلون إلى ظالمين، مسهمين في كل جرائم الأعداء، في كل ظلمهم، حينما يتحرَّكون لتدجين هذه الأُمَّة لهم، لإخضاع هذه الأُمَّة لهم، لمعاداة من يعادي إسرائيل، والتوجُّه ضدّه على كل المستويات: تسليط أبواقهم الإعلامية والدعائية ضدهم، الاستهداف الاقتصادي، الاستهداف العسكري، الأمني، التعاون مع العدو بكل أشكال التعاون: تقديم الدعم المالي، تقديم الدعم الإعلامي، الدعم السياسي، الدعم الاستخباراتي والمعلوماتي؛ هذه حالة ارتداد، أكَّد القرآن الكريم على أنها ارتداد، ارتداد عن هذا الدين في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه.

الله حرَّم الولاء لهم، وقال:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، يعني: أبلغ مستوى من التعبير يكشف عن حجم هذا الجرم، إلى درجة أنَّ الإنسان ينسلخ عن هويته، عن مبادئه، عن قيمه، ويتحوَّل محسوباً عند الله منهم، فيما هم عليه من شرٍ، وإجرامٍ، وسوء.

ولذلك هذا المسار لبعض الأنظمة العربية، لبعض القوى أيضاً، لبعض الأحزاب في أُمَّتنا والمكونات، هو انحراف مبني على جهل، على غباء، لا يجدي شيئاً، ليس فيه نجاةٌ لهم ولا لأُمَّتهم، الله أعلم منهم، وأحكم منهم، وقد ثبت فشل خيار ما يسمُّونه بـ [التَّسوية]… وغير ذلك من الأسماء، ثبت فشله، على مدى زمان طويل، وتحت عنوان السلام، ومبادرات السلام، وخيارات التَّسوية، لم يصل العرب إلى أي نتيجة أبداً، وليست المسألة جديدة من جانبهم.

المكاسب الكبرى للموقف الذي نحن فيه، مكاسب لمسناها في الانتصار، في الموقف الفاعل، في الجولات المهمة، في المعارك البحرية مع الأمريكي، والتي فشل فيها الأمريكي فشلاً ذريعاً يعترف به قادته، مؤسساته الدراسية والبحثية، يعترف به مسؤولون أمريكيون، فشلوا، وتثبته الحقائق والوقائع، خمس حاملات طائرات هربت فاشلة، كل الجولتين اللتين كانتا في حالة صراع ساخن ما بيننا وبين الأمريكي، فشل الأمريكي، فشل الإسرائيلي معه، فشل البريطاني معه، لم يتمكنوا جميعاً: لا من تدمير قدرات هذا البلد، ولا من إرغامه على التخلي عن موقفه الحق، واستمر بكل ثبات، بثباتٍ يبيِّض الوجه أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك نحن في هذه المرحلة في أقوى مرحلة من كل المراحل الماضية فيما وصلنا إليه كشعبٍ يمني: في القدرات، في الوعي، في المجال العسكري، في التعبئة العامَّة، في مستوى متقدِّم على كل المستويات، ويجب أن يستمر التوجُّه العام في هذا الإطار الإيماني القرآني الجهادي؛ لبناء واقعنا أكثر وأكثر على قاعدة:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، وفي مواكبة التطورات والأحداث في فلسطين والمنطقة بشكل عام؛ لأننا سنبقى في حالة جهوزية تامَّة، للعودة إلى العمليات وإلى مستويات التصعيد العليا، إذا عاد العدو الإسرائيلي إلى عدوانه في الإبادة الجماعية، والحصار، والإبادة للشعب الفلسطيني، والتجويع للشعب الفلسطيني.

لا يمكن أن نسكت في أي مرحلة من المراحل، ولسنا في وارد الذهاب إلى مساومات على مواقف مبدئية، إيمانية، جهادية، قرآنية، ضرورية في أن نبقى شعباً حراً، عزيزاً، كريماً، يتحرَّك على أساس تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يخنع ولا يركع للطغاة والمجرمين والظالمين، ولسنا ننظر بالنظرة اليائسة، والضعيفة، والمهزومة للبعض من الشخصيات والجهات البعيدة عن الواقع، البعيدة عن مسار هذا الشعب الذي هو فيه، البعيدة عن هدى الله، عن تعليمات الله، من الذين لم يثقوا بالله، لم يثقوا بكتابه، لم يثقوا بتعليماته، لم يحملوا البصيرة تجاه الأحداث والمستجدات والوقائع الواضحة، البيِّنة، التي يراها الإنسان ويشاهدها، من الذين لا يمتلكون إلَّا فكرة التدجين لهذه الأُمَّة لأعدائها، والتَّخَلِّي عن المسؤوليات المقدَّسة، والتَّخَلِّي عن القيم الإنسانية، عن الحُرِّيَّة والكرامة، والقبول بالخنوع والخضوع لأسوأ المجرمين، الحاقدين، المستكبرين، الظالمين.

يجب أن يستمر التوجُّه العام على أساس هذا التوجُّه الإيماني، والقرآني، والجهادي، والتحرري، والبنَّاء في كل المجالات، كل الأمور المهمة في الوضع الداخلي لا تحتاج إلى الخروج عن إطار الاهتمام الرئيسي والتوجُّه العام، بل يمكن العناية بها وبشكلٍ أفضل في إطاره:

– ما يتعلَّق ببناء الوضع الرسمي وإصلاحه.

– ما يتعلَّق بالاهتمام بالجانب الاقتصادي.

– ما يتعلَّق بالقضايا الاجتماعية.

– ما يتعلَّق بالمبادرات الاجتماعية.

كل هذه التفاصيل لا تحتاج إلى أن نتخلَّى عن اهتماماتنا الرئيسية والكبرى، بل في إطارها يمكن أن ننطلق في كل الاهتمامات الأخرى بشكل صحيح، بشكل أفضل، بشكل بنَّاء، بشكل مفيد، بروحية عملية، بحلول عملية وإيجابية؛ لأن الأعداء يكثِّفون جهدهم لصرف أنظار الناس عن المسار الرئيسي، عن التوجُّه العام، عن العدو الإسرائيلي، والخطر الأمريكي والإسرائيلي، والخطر الصهيوني، ويحاولون- في إطار المخطط الأمريكي والإسرائيلي نفسه- الإغراق للناس بعيداً عن ذلك في الأزمات والهموم والمشاكل، وصرف أنظارهم تماماً حتى يكفروا، حتى يكفروا بالتوجُّه الصحيح، بالاهتمام الصحيح، بالمسار الصحيح الذي يجب أن يكونوا عليه، والذي يفيدهم عند الله وفي الدنيا والآخرة.

العدو الإسرائيلي خاسر، وخسر الكثير في جولة العامين، وخسارة غير مسبوقة، فضيحة عند كل الأمم، مخزية عالمياً، تجلَّى ضعفه في الميدان (في ميدان المواجهة) وهو في عامين كاملين، بإبادة جماعية، بشراكة أمريكية، بعدوانٍ وتدميرٍ شامل:

· لم يستطع أن يستعيد أسراه بدون صفقة تبادل:

هذا من الدلائل الواضحة البيِّنة، التي يعمى عنها عُمْي القلوب، فينظرون إليه نظرة استعظام، وتهويل، ويحاولون أن يدجِّنوا الأُمَّة له، العدو الإسرائيلي كشف وتجلَّى ضعفه، أنَّه إلى هذا المستوى، بكل ما فعله، وفي مواجهة مَنْ؟ إخوتنا المجاهدين الأَعِزَّاء في قطاع غزَّة، الذين هم في حالة حصار شديد، إمكانيات محدودة للغاية، خذلان رهيب من أُمَّتهم، وصمدوا- بتوفيق الله- صموداً عظيماً، ولم يستطع العدو أن يستعيد أسراه إلَّا بصفقة تبادل، وذلك يبيِّن كم أنَّه فاشل وخاسر.

· فشل في المواجهة مع إيران:

أُرغم خلال اثني عشر يوماً على الطلب من الأمريكي أن يسعى لإيقاف المواجهة مع إيران، المواجهة المباشرة، ومع أنَّه فشل خلال اثني عشر يوماً، ولم يستطع المواصلة، بالرغم من أنه على مستوى الحقد، والأهداف التي يسعى لها، كان يريد أن يستمر، لكنه لم يستطع، وأرغم على وقف المواجهة، ومع ذلك ينظر إليه عُمْي القلوب على أنَّه نجح، وأنه حقَّق إنجازاً، وأنه آن الأوان لتركع معهم كل الأُمَّة، وتسجد له، وتخضع له، وتعبده من دون الله، وتستسلم له، هذا من أشد حالات العمى في القلوب.

· فشل في القضاء على المقاومة في لبنان:

تماسكت، صمدت، ثبتت، بالرغم مِمَّا قدمته من تضحيات. الشيء المؤسف: أننا نلحظ بالنسبة لمن أعمى الله قلوبهم وبصائرهم، أنَّ الإجرام الرهيب الذي ارتكبه العدو الإسرائيلي، يتصورونه إنجازاً عظيماً، العدو الإسرائيلي صح ارتكب المجازر، الجرائم الرهيبة جدًّا، لكنَّ ذلك ليس بإنجاز عسكري، ولا إنجاز استراتيجي.

العدو الإسرائيلي فاشل، خاسر، جبهة لبنان، حزب الله بقي متماسكاً، ثابتاً، عصياً على الانكسار، مستمراً في رسالته، في دوره، في جهاده، في روحيته، في ثبات حاضنته.

· في اليمن المسألة واضحة تماماً:

المقام مقام انتصار كبير، ثبات عظيم، بناء على مستوى القدرات، على مستوى القوَّة البشرية، على مستوى الوعي والروحية الإيمانية العامَّة على المستوى الجماهيري والشعبي، ثم في المكون الاجتماعي الرئيسي الذي هو القبلي، قبائل هذا البلد قبائل تحمل الوعي، الإيمان، القيم، الشهامة، الرجولة، الشجاعة، الإقدام، الاستبسال، وتملك السلاح، وتملك تجربة القتال، وهي حاضرة في كل هذه المراحل، في كل هذا العطاء، في كل هذا الجهاد.

نحن- كما قلنا- نؤمن بالمآلات الحتمية لهذا الصراع الكبير، الذي يفرض نفسه على أُمَّتنا، قد حدَّدها الله، ليست مآلات مستنتجة من محللين سياسيين، يخطئون في الكثير من الأحيان، ولا يصيبون إلَّا نادراً، حتميات حدَّدها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، العدو الإسرائيلي إلى فشل، إلى خسران، إلى زوال، إلى زوال.

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعد بالنصر للذين استجابوا له، هو القائل “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}[محمد:7]، هو القائل:{فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، هو القائل:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، هو القائل عن العدو الإسرائيلي:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا يغيب، لا يترك عباده في حالة الإهمال.

– حتمية من الحتميات: هي زوال العدو الإسرائيلي بفشل، وخسران، وهزيمة.

– حتمية من الحتميات الثلاث: هي خسران الذين خضعوا له، عبدوه من دون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ارتدوا عن المبادئ العظمى في هذا الدين، والقيم المهمة من أجله، آثروه حتى على القرآن الكريم، وعلى رسول الله، وعلى المقدَّسات، وعلى المسجد الأقصى، وعلى كل ذلك، وخسارة أيضاً لكل من يتَّجه معهم من المغفلين والأغبياء، مع خسارتهم.

– والحتمية الرئيسية الكبرى: في انتصار من استجابوا لله، من وثقوا به، من ساروا في إطار هدايته.

نسأل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يجزيهم عنَّا خير الجزاء.

نحن مواصلون لهذا الدرب، لهذا المسار العظيم، شعبنا- إن شاء الله- في اتِّجاهه العام يبقى بما هو أكثر وعياً، رشداً، انتباهاً، يقظةً تجاه كل المؤامرات والمكائد، التعبئة العامة ستزداد وتيرة عملها- إن شاء الله- في الساحة، وهكذا البناء للقدرات العسكرية، الجهوزية على كل المستويات بإذن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛.

قد يعجبك ايضا