أرض الميعاد المزعومة

طاهر محمد الجنيد

 

 

في حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بيان للمؤمنين بأن المواجهة المستمرة ستكون معهم بخلاف المشركين وغيرهم، وهو كلام أكده الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- وقال إن التفضيل الذي كان لهم بسبب قيامهم على أمر الله والعمل به، فلما بدلوا وعصوا استحقوا اللعنة والغضب قال الله تعالى ((قل أؤنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل)) المائدة 60.
تحدثت الآيات الأولى عن استهزائهم بنداء المسلمين للصلاة واتخاذها هزوا ولعبا وأنهم ينقمون على المؤمنين إيمانهم بالكتب والرسل جميعا وبالإسلام والقرآن؛ وانهم دخلوا في الإسلام، لكنهم لم يسلموا، بل خرجوا بكفرهم ؛ويسارعون في الإثم والعدوان وأكل السحت وحتى المتدينين منهم لا ينهونهم عن قول الإثم وأكل السحت وصولا إلى تطاولهم على رب العالمين ووصفه بما لا يليق ((يد الله مغلولة غلت أيديهم ولُعنوا بما قالوا)) وأنهم لن يزدادوا إلا عنادا وكفرا كلما شاهدوا الآيات البينات؛ العداوة بينهم إلى يوم القيامة يوقدون الحروب ويسعون في الأرض فسادا.
حينما امتلكت القوى الاستعمارية القوة، مكنتهم من احتلال فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، فلسطين لم تكن طارئة على الوجود بل قديمة قدم الحضارات الإنسانية التي مرت عليها والأمم.
عاش فيها الأنبياء والرسل؛ لكن الاستعمار مارس أبشع أنواع الإجرام من أجل القضاء عل سكانها وتسليمها لليهود الذين كانوا يريدون وطنا يجتمعون فيه هرباً من اضطهاد المجتمعات الغربية النصرانية لهم، لكنهم اليوم يريدون القضاء على سكان فلسطين وطردهم بحجة (أرض الميعاد).
كثير من علماء الانثربولوجيا يؤكون انه لا صلة ليهود اليوم بيهود التوراة الذين عاشوا على أرض فلسطين مع بقية القبائل العربية.
د. جمال حمدان في كتابه “اليهود انثربولوجيا” –أكد أن يهود اليوم لا صلة لهم بيهود التوراة، يهود اليوم أوروبيون سلاف أواريون أكثر منهم ساميون.
عالم الانثربولوجيا البريطاني الجنسية جيمس فنتون، توصل في بحثه عن اليهود إلى أن 95 %من اليهود في الكيان المحتل ليسوا من بني إسرائيل التوراة، بل أجانب متحولون.
المؤرخ اليهودي فرنسي الجنسية (جوزيف ريناس) وكثير من المؤرخين اليهود المعاصرين يؤكدون أن يهود اليوم المعاصرين لا ينتمون إلى أي عصر له صلة بفلسطين ولا يدعي ذلك إلا كاذب أو جاهل.
في بداية توطينهم، استندوا إلى وعد بلفور باعتبار أن بريطانيا العظمي كانت تسيطر وتستعمر فلسطين وتستطيع فرض ما تشاء، ولما قامت الثورات العربية عليها صرح رئيس وزرائها -آنذاك- (ونستون تشرشل) أمام مجلس العموم أن وعد بلفور(فلسطين لن تكون وطنا للقادمين الجدد من اليهود) العرب صدقوا ذلك وكان سكان فلسطين حينها 750 ألفا منهم 700 ألف عربي ومسلم ومسيحي و30 ألفا من القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية واستمرت عليها والباقي من زوار الأماكن المقدسة.
العرب والمسلمون وثقوا في الإمبراطوريات الاستعمارية وركنوا إليها ووعودها، لكن المؤامرة اتخذت كل الإمكانيات من أجل تمكين اليهود وتوطينهم. استحدثوا مسمى الانتداب لفرض سيطرتهم على أقاليم الإمبراطورية العثمانية والألمانية بعد هزيمتهما وضمنوا صك الانتداب (دول الحلفاء الكبرى وافقت على أن تعهد إدارة فلسطين التي كانت تابعة فيما مضى للدولة العثمانية إلى دولة منتدبة، تختارها الدول المشار إليها تنفيذا للمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.. وأقرت إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على أن يفهم جليا أنة لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين).
اليهود سيتم السماح لهم بأن يكونوا طائفة إلى جانب الطوائف الأخرى تنفيذا لوعد بلفور وصك الانتداب، لأن من يملك القوة يفرض الواقع؛ والقوة حولت فلسطين من مكان آمن هروبا من الاضطهاد إلى أرض ميعاد يجب قتل وإبادة كل من فيها بناء على وجود حق تاريخي وديني مزعوم لأقوام لا صلة لهم بأرض فلسطين، فاليهود لم يطردوا منها وعاشوا قبائل متفرقة في الجزيرة العربية وعاشت القبائل العربية من قبلهم ومن بعدهم وتواجدهم فيها كجماعات طارئة استولت علي السلطة والحكم ثم غادرت، مثل الرومانيين واليونانيين والفرس وغيرهم.
الإدعاء بوجود حق ديني وتأريخي تم الانتقال إليه لتجاوز سقوط وفساد الاعتماد على (وعد بلفور؛ وصك الانتداب؛ وقرار التقسيم) وكل قرارات الأمم المتحدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يمكنها من التوسع (إسرائيل الكبرى) ويكفي في الرد عليه ما قاله اللورد البريطاني سيدنهام في مجلس العموم(من الممكن التعاطف مع تطلعات الدين، لكن من المستحيل الاعتراف بحقوق على الأرض المقدسة لصهاينة القرنين الـ الـ19 والـ20، الذين هم في معظمهم ليسوا من أصل يهودي ولم يروا القدس أبدأ).
معظم الطوائف اليهودية المتدينة، ترى أن إقامة دولة لليهود خطيئة، لأن ذلك ضد إرادة الله، فقد عاقبهم بالشتات في الأرض لعصيانهم وتمردهم عليه سبحانه وتعالى .
القوة والمطامع الاستعمارية حولت الحقيقة (فلسطين) إلى سراب لا يمكن تحقيقه أو الوصول إليه دون بذل التضحيات وحولت الوهم (كيان الاحتلال) إلى حقيقة واقعة على الأرض تفرض إملاءاتها .
اليهود عاشوا في كنف الخلافة الإسلامية يديرون المكائد ويعينون كل أعداء الإسلام والمسلمين، رغم أنهم عاشوا متمتعين بكل حقوقهم، لأنهم أهل كتاب وأهل ذمة، يدفعون الجزية مقابل الحماية لهم وهي تماثل الزكاة.
استغل الحلفاء قوتهم فسيطروا على البلدان العربية وقبل مغادرتهم سلموا مقاليد السلطة للخونة والعملاء حتى يضمنوا استمرار سياساتهم واستعانوا باليهود الذين يكتنزون من الحقد والبغض والعداوة للإسلام والمسلمين أكثر من غيرهم، وشاهد ذلك أن كل زعماء الدول الداعمة لكيان الاحتلال من المسيحيين؛ كما جاء في تساؤل د. محمد الشنقيطي: يعتمرون القبعة اليهودية ويذرفون دموعهم عند حائط البراق (المبكى) ولا يذهبون إلى كنيسة القيامة أو كنيسة المهد وهما أقدس مقدسات المسيحية على وجه الأرض.
الإجرام الذي يمارسونه من خلال جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وإبادة كل كائن حي على وجه الأرض، أساس لإثبات صلتهم بالتوراة المحرفة وأنهم يهود ويستحقون الاستيلاء على أرض فلسطين وطرد سكانها منها ومنعهم من العودة إليها، لكنهم في ذات الوقت مُنعوا من إجراءات فحص الحمض النووي الذي سيؤكد أن سكان فلسطين هم الساميون، أما اليهود الذين تم استقدامهم من شتى بقاع الأرض، فليس لهم أدنى ارتباط بأرض فلسطين، خاصة وأن القبائل العربية هي من سلالة سام بن نوح.
القبائل العربية اعتنقت اليهودية واعتنقت النصرانية وتعايشت مع قبائل اليهود الذين وفدوا إلى الجزيرة العربية طمعا في أن يحظوا بشرف أن يكون النبي الخاتم منهم، لكن لما اختار الله خاتم الأنبياء والمرسلين محمداً بن عبدالله الصادق الأمين من العرب، بارزوا بالعداوة والبغضاء.
مؤامرات الحلفاء سلخت فلسطين من الأمتين العربية والإسلامية وسلمتها لليهود وحاربوا معهم وأقاموا كيان الاحتلال وحاربوا فلسطين واستعانوا بالخونة والعملاء والمجرمين والقتلة والطغاة والمستبدين والأعراب والمنافقين وفي كل الجبهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية؛ حاربوا معهم في المفاوضات والإعلام وقادوا كل حملات الكذب والتشويه والتضليل.
فلسطين ليست أولى ثمرات التعاون بين الإجرام والمجرمين، بل إن كل المعتركات والحروب والمصائب والنكبات التي مرت بأقطار الأمتين العربية والإسلامية هي ثمرة التعاون بينهم والله سبحانه وتعالى حذرنا منهم بقوله ((ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) البقرة 217.

قد يعجبك ايضا