
دعا خبراء اقتصاد الحكومة إلى العمل على تنفيذ السياسات الكفيلة بتحسين معيشة المواطنين وتعزيز النمو الاقتصادي للبلاد وأكدوا في أحاديث لـ”الثورة الاقتصادي” الحاجة لاعتماد إجراءات عاجلة من شأنها أن تسهم في تقليص عجز الموازنة العامة للدولة وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة كفاءته أبرزها: محاربة الفساد وإحالة قضاياه للنيابات والمحاكم وربط الأجر والحافز بالعمل والإنتاج وإخضاع التعيين في الوظيفة العامة على أساس الكفاءة والنزاهة بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو مناطقية.
البداية كانت مع الدكتور محمد علي حزام المقبلي رئيس مركز الدراسات العليا في المعهد الوطني للعلوم الإدارية- يرى أن هناك بعض السياسات والإجراءات الاقتصادية العاجلة التي ينبغي على الحكومة البدء في تطبيقها والتي من شأنها أن تسهم في تقليص عجز الموازنة العامة للدولة كما أن تطبيقها لايكلف الكثير وإنما فقط مجرد توفر الرغبة والإرادة السياسية الصادقة في عملية الإصلاح لما فيه خدمة هذا الوطن الغالي أن ويذكر ومن هذه السياسات العاجلة (سياسات تتعلق بتقليص الإنفاق الحكومي وزيادة كفاءته مثل الإيقاف الفوري للنفقات الترفيهية والمصاريف غير الضرورية وربط الأجر والحافز بالعمل والإنتاج وإخضاع التعيين في الوظيفة العامة لمعايير الكفاءة والنزاهة بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو مناطقية.. والبدء الفوري بمحاسبة الفاسدين من دون استثناء وإحالة من ثبت تورطهم إلى النيابات والمحاكم المختصة وتفعيل دور الأجهزة والهيئات الرقابية بما في ذلك تطبيق ما ورد بتقارير هذه الأجهزة والهيئات والتي لاتزال رهينة الأدراج.
ملاحظات على برنامج الحكومة
ويرى الدكتور المقبلي أن البرنامج العام للحكومة (تضمن في ثناياه العديد من السياسات والإجراءات الايجابية والتي إذا ما تم تنفيذها فعلاٍ ستنعكس إيجابا على الوطن والمواطن) لكنه يرصد بعض الملاحظات المتعلقة بالمحور الاقتصادي يذكر منها: على سبيل المثال اقتصاره على ذكر بعض السياسات والخطوط العامة العريضة وكان يفضل أن يكون البرنامج أكثر تفصيلاٍ في بعض الجوانب خاصة أن معظم مشكلات البلاد ترجع إلى الاقتصاد وسوء الإدارة كذلك البرنامج غير محدد بخطة زمنية محددة.
ويتابع الدكتور المقبلي: ومن ضمن الملاحظات المتعلقة بالجانب الاقتصادي تضمن المحور الأول من البرنامج أولويات هامة وعاجلة التنفيذ وقد ورد في الفقرة الخامسة من ضمن هذه الأولويات وضع برنامج إصلاح اقتصادي عاجل وكنت أتمنى أن أجد ضمن سياسات برنامج الإصلاح الاقتصادي العاجل هذا سياسات جادة وأكثر تفصيلا لتلك التي ستتبعها الحكومة خلال الفترة القادمة للحد من تفاقم العجز الكبير والمتصاعد في الموازنة العامة للدولة حيث تشير الإحصائيات إلى أن العجز النقدي الصافي في الموازنة العامة للدولة عام 2014م شكل مانسبته 8 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في حين أن النسبة الآمنة والمتعارف عليها بين الاقتصاديين تتراوح مابين 3 % إلى4 % .
وحول السياسات التي من شأنها أن تسهم في تنمية الإيرادات العامة للدولة يقول الدكتور المقبلي: هناك سياسات من شأنها أن تسهم في تنمية الإيرادات العامة مثل التحصيل الفوري للضرائب والرسوم المتأخرة والمستحقة للدولة لدى بعض المكلفين في إطار القانون ووقف الإعفاءات الضريبية والجمركية التي تمنح من دون وجه قانوني.
نزاهة تحصيل الإيرادات
أما الباحث الاقتصادي عبدالحكيم سفيان فيرى أن (تحسين الأداء الاقتصادي والمالي والنقدي مهم جدا), ويقول: أعطت له الحكومة الأولوية في أهدافها وبرنامجها بشكل عام له بالرغم أنها ذكرته بصورة مقتطفة علما أن الازمة التي حصلت في 2011م لم تكن ازمة سياسية, بل كانت في الأصل أزمة اقتصادية نتيجة للوضع القائم في تلك الأثناء من الفقر وتدني الأجور والفساد المالي والإداري.. وكل ذلك أدى لتلاشي الفئة الوسطى من المجتمع وأصبحت لدينا فئة عليا هي فئة الأغنياء وأصحاب الدخول المرتفعة وأصحاب الوجاهات والسلطة, وفئة دنيا فئة الفقراء وأصحاب الدخول البسيطة.
ويضيف د.سفيان: نتيجة لعدم تدارك الأزمة الاقتصادية بطريقة سريعة وحلها في وقتها, عملت الازمة على تفريخ أزمات أخرى منها الازمة السياسية, الأزمة الإدارية, الأزمة المالية, الازمة الاجتماعية, الازمة العسكرية, الأزمة الإقليمية, وغيرها.. وهنا إذا أردنا معالجة الوضع في اليمن يجب أن نبحث عن السبب اولاٍ, وسنرى انه الاقتصاد.. وعلى الحكومة ان تضع أمامها وفي أولوياتها التركيز على الجانب الاقتصادي من خلال إجراء عدد من الإصلاحات في مختلف الجوانب منها مثلاٍ في الجانب المالي: تعزيز الإيرادات المالية ومتابعة توريدها الى خزينة الدولة اولا بأول, وتشمل الايرادات النفطية والغازية, بالإضافة الى إيرادات الضرائب بجميع أواعها, وايرادات الجمارك, والايرادات الزكوية.. بالإضافة إلى جانب الاسماك والزراعة والسياحة وغيرها.
وفي حالة نجاح الجانب الاقتصادي سيمكن البلد من الاكتفاء بإيراداته لأن اليمن غني بثرواته ومايزال مليئاٍ بمختلف المعادن, كما لديه موقع استراتيجي مطل على البحر الاحمر والعربي.
إنهاء التهرب الضريبي
من جانبه يقول الدكتور عبدالله الخولاني –استاذ الاقتصاد رئيس مركز البرامج الخاصة في المعهد الوطني للعلوم الإدارية: يمكن أن نورد بعض هذه الإجراءات المستعجلة منها القضاء على التهرب الضريبي الذي تمارسه المؤسسات والشركات الخاصة لاسيما تلك المملوكة من النافذين ومراكز القوى القبلية وإعادة تحديد الأوعية الضريبية بما يؤدي إلى التوزيع العادل للدخل القومي وتحقيق العدالة الاجتماعية… والتأكد من سلامة الأوعية الجمركية والزكوية بأحجامها الحقيقية وإيجاد آليات علمية لمتابعة ومراقبة تطبيقها على المكلفين ثم صرفها في الجوانب القانونية والشرعية.
يتابع د. الخولاني: بالإضافة إلى الاقتصاد في الاعتمادات البترولية التي تمنح للوزراء والقادة العسكريين والمحافظين وغيرهم من النافذين ومراكز القوى القبلية وصرفها بحدود ضيقة جدا وحصر استخدام السيارات الحكومية أثناء الدوام الرسمي ثم تبييتها في مرائب الجهات الحكومية بعد انتهاء الدوام الرسمي كما يجب منع الاعتمادات المالية المخصصة لشراء الولاءات السياسية للنافذين ومراكز القوى وإلغاء مصلحة شؤون القبائل وتحويل تلك المخصصات إلى المجالات الخدمية الحيويةº مثل التعليم والصحة.. والغاء الاسماء الوهمية ومعالجة الازدواج الوظيفي من كشوف القوات المسلحة والأمن والوظيفة العامة.. ومحاربة الفساد المالي الذي يضاعف من تكاليف إنجاز المعاملات الخاصة بالجانب الاستثماري.
ويتوقف د.الخولاني عند النفقات الحكومية ويقول: يجب التوقف عن شراء السيارات الفارهة لكبار المسؤولين وإرغام المسؤولين السابقين على تسليم السيارات التي في عهدتهم للمسؤولين الحاليين الذين يشغلون المواقع القيادية في الدولة.. وتقليص بدلات السفر للحدود الدنيا لكبار المسؤولين.. وتخفيض نفقات البعثات الدبلوماسية وتقليص أعدادها إلى الحدود الدنيا واستثمار الاحتياطي من النقد الأجنبي في سوق النقد العالمية بشكل علمي مباشرة من البنك المركزي ومن دون الوسطاء الماليين الأجانب الذين يسيئون توظيفها أو يستغلونها لمصالحهم الذاتية.. إلى جانب تطبيق عقوبات صارمة لا تراجع عنها بحق الأطراف الحقيقية التي تقف وراء عمليات التخريب لأنابيب النفط وشبكات الطاقة الكهربائية.. وتصحيح آلية إجراء المناقصات المتعلقة بالمشتريات الحكومية وتنفيذ الأعمال الإنشائية.. وترشيد شراء الأثاث المكتبي لمؤسسات الدولة وكذلك الأثاث المنزلي المخصص لكبار المسؤولين.
في المقابل يشدد الدكتور الخولاني على ضرورة إثراء موارد الخزينة العامة ويقول: السعي لدى الدول الراعية للمبادرة الخليجية للضغط على بقايا النظام السابق لإعادة الأموال المنهوبة من خزينة الدولة سواء تلك المكدسة في الداخل أم المهربة إلى الخارج. وجعل ذلك شرطا لتحقيق المصالحة الوطنية… كما يجب القضاء على عمليات تهريب المشتقات النفطية إلى الخارج من قبل عصابات تابعة لمراكز قوى سياسية وقبلية وعسكرية.. ودعم الدولة للمزارعين والمعامل الإنتاجية الصغيرة لاستخدام مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وغيرها.. وإلزام المتنفذين ومراكز القوى بدفع التزاماتهم المتراكمة عليهم من رسوم استهلاك المياه والكهرباء والهاتف وعدم السماح بتكرار تراكمها في ذممهم مستقبلا.. والفصل التام بين مالية الدولة ومالية أي حزب حاكم. وحصر ما يصرف للحزب الحاكم بالمخصص القانوني الذي يصرف لكل الأحزاب المشاركة في العملية السياسية.. وإعادة النظر في عقود العمل مع الكوادر والأيدي العاملة غير اليمنية في المجالات التي تتوفر لها كوادر وطنية. وذلك للمساهمة في حل مشكلة البطالة وتخفيف نزيف العملات الأجنبية إلى الخارج.
بيت الداء والدواء
من جانبه يلفت الدكتور شاكر الشايف –استاذ أكاديمي في المعهد الوطني للعلوم الإدارية: إلى أن (خطي الاقتصاد والسياسة يمشيان مع بعض ونقطة الالتقاء بعيدة جدا) ويقول: هذا عندما يكون هناك استقرار سياسي واستقرار أمني أما في ظل عدم وجود استقرار سياسي يصعب إيجاد استقرار اقتصادي.. لذلك نحن دائما نعول على الأحزاب القوى السياسية الموجودة في البلاد أن تقف إلى جانب الشعب والقضية الوطنية والحكومة.
ويضيف الدكتور الشايف: كان يجب على الحكومة معالجة سبب المشكلة برمتها هناك أزمات تتكرر دائما عليها أن تنظر إلى سبب تكرار الأزمات وكان من المفترض أن يكون البرنامج يركز على جانب واحد وهو جانب الإدارة العامة وإصلاحها بشقيها العضوية والوظيفي لأنها هي بيت الداء وبيت الدواء وهي مربط الفرس.
وضوح الرؤية شرط
فيما يقول الدكتور أمين ناجي –استاذ اقتصاد: الموجود في البرنامج عبارة مضمونها أن “الحكومة سوف تعتمد على التأثيرات المترتبة على طبيعة الأزمات الموجودة في البلد وآثارها على المواطن”.. إذا كانت الأزمات الاقتصادية الموجودة في البلد وفق برنامج الحكومة أدت إلى ارتفاع الفقر والبطالة ووجود تضخم وظيفي وعجز في الموازنة وغيرها.. إذا يفترض أن تنعكس على الإجراءات التي تقوم بها الدولة والتخفيف من آثار هذه النتائج على المواطن.. لذلك كان عليه أن يتطرق إلى كيفية الخروج من دائرة الفقر وكيفية مواجهة البطالة والارتفاع في الأسعار وكيف مواجهة الدين العام الداخلي والخارجي.. لكن طبيعة البرنامج يشير إلى أنه سيتم وضع برنامج وسيتم تنفيذ بعض الأنشطة وسيتم مواجهة العجز في الموازنة العامة وخلق نمو اقتصادي مستدام.. كيف¿ وعن طريق ماذا¿ هذه هي الآليات والسياسات التي ستصل إليها ليست موجودة منهجيا.. الرؤية غائبة.
لذلك يدعو الدكتور أمين الحكومة إلى (دراسة الوضع الاقتصادي بشكل دقيق وتشخص مشاكله ثم تنطلق من هذه المشكلات والتحديات لوضع أولويات وأهداف وسياسات وأنشطة تكون منطلقة من رؤية واضحة لكن بهذه الطريقة لن يكون هناك نتائج مؤملة.
