إدارات خدمات الجمهور.. خارج الخدمة


● عندما نتحدث عن خدمة متابعة معاملاتك..عزيزي المواطن.. أياٍ كانت في مرافق الدولة من منزلك وعبر رسالة هاتفية نصية ” أس أم أس ” بالتأكيد سيتبادر إلى ذهنك أننا نعيش أحلام اليقظة.
فماذا لو عرفت أنه بإمكانك الحصول على خدمة تسديد الرسوم بأنواعها كالمخالفات المرورية أو تجديد رخصة القيادة أو الحصول على الانترنت والهاتف والماء والكهرباء من أقرب مكتب بريد بالجمهورية فماذا أنت قائل ¿

.. في العام 2006م بدأت اليمن في تنفيذ مشروع إنشاء إدارات عامة لخدمات الجمهور في كل مرافق الدولة تعمل وفق أسس علمية دقيقة وتنظم عملها الوسائل التكنولوجية الحديثة بما يمكن المواطن من الحصول على أغلب الخدمات التي يحتاجها بأبسط الوسائل ..
كما كان يهدف المشروع إلى القضاء على ظاهرة الفساد الممنهج في مرافق الدولة وإنعاش الاقتصاد بما يضمن تحقيق التنمية الشاملة وقد أكد خبراء اقتصاد قدرة المشروع على تحقيق كل تلك الأهداف وبأقل التكاليف وبعد عامين فقط من الشروع في تنفيذ المشروع وبالتحديد بعد الانتهاء من المرحلة الأولى ــ التي تمثلت بحصر الخدمات بأمانة العاصمة والإعلام عنها وتوثيقها من خلال اللوحات الإرشادية وإنشاء مواقع الكترونية لكل وزارة ــ توقف المشروع فجأة وبات الحلم في مهب الريح ..
يأتي مشروع خدمات الجمهور ــ الذي بدأ تنفيذه في العام 2006م ــ ضمن مشاريع التطوير والإبداع المؤسسي الرامي إلى تطوير وتحديث الخدمات في اليمن ولم تكن اليمن هي أول دولة تبادر إلى تطبيق مشروع خدمات الجمهور فقد سبقتنا إليه الكثير من الدولة المتقدمة بعد أن أظهرت الأبحاث والدراسات نتائج فاقت كل التوقعات بتحقيقها أرقاماٍ قياسية في مختلف الجوانب وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي فالمشروع عمل على تخفيف الإنفاق الحكومي بنسب كبيرة كما خفف نسبة إنفاق الأسر بنسب تصل إلى 30% .
وفي اليمن يؤكد بعض الاقتصاديين أن تطبيق هذا المشروع ــ في بلد تسيطر العشوائية على أغلب هياكله الإدارية وتتفشى فيه ظاهرة الفساد وتتوسع فيه رقعة الفقر ــ سيكون له مردود أكبر من ذلك الذي حققته بعض الدول التي طبقت ذات المشروع إذ سيعمل على إحداث تغيير جذري في حياة المجتمع وفي شكل ومستوى أداء مؤسسات ومرافق الدولة وسيساعد على انطلاق مشروع التنمية الشاملة وسيوفر على الدولة ملايين الدولارات .
فيما يلمح الاقتصاديون إلى أن صدور قرار الحكومة في 2005م ببدء تنفيذ المشروع كان بسبب ضغط الدول المانحة على الدولة بعد أن لاحظت تلك الدول مظاهر فساد كبيرة داخل المؤسسات اليمنية.
الآلية والهدف
بحسب الآلية التي أعدها الفريق المكلف من مجلس الوزراء بتنفيذ المشروع فإن مشروع خدمات الجمهور يعتمد في مهمته على التكنولوجيا الحديثة وحسب ما خطط له سيقوم المشروع في أول خطوة على أرض الواقع بحصر الخدمات بأنواعها في المرافق الحكومية والإعلام عنها وتوثيقها من خلال اللوحات الإرشادية في مرافق الدولة بعموم محافظات الجمهورية ..
كما تتضمن هذه المرحلة إنشاء مواقع الكترونية لكل جهة وتهدف هذه الخطوة إلى تعريف المواطن بالخدمات التي يحتاجها ومواقعها حتى لا يتعرض للابتزاز السافر من بعض ضعاف النفوس بعد ذلك يقوم المشروع بإنشاء إدارات لخدمات الجمهور تعمل وفق أنظمة إدارية حديثة مهمتها استلام المعاملة من المواطن وتحديد موعد استلامها على ألا تزيد المدة عن أسبوع واحد في الغالب ثم إدخالها النظام الذي بدوره يقوم بتمريرها على المختصين بالمرفق الحكومي تحت رقابة لصيقة من إدارة متخصصة بالمتابعة والتنسيق وعن طريق نظام الكتروني وعند الانتهاء من إجراءات المعاملة يبلِغْ المواطن عن وضع معاملته عبر رسالة هاتفية “أس أم أس ” وبالطريقة نفسها يمكن للمواطن خلال فترة الانتظار الاستعلام عن معاملته متى ما أراد .
ويأتي هذا الإجراء بهدف الحد من احتكاك المواطن بالموظف أو الموظف بالمسئول حتى يتم القضاء على مظاهر الفساد المصاحبة للإجراءات داخل مرافق الدولة .
مرونة أكثر
وحسبما كان قد خطط له فإن إتمام تنفيذ المرحلة الأولى سيخفف الأعباء على المواطن بنسبة تقارب 70% فهو يحتاج فقط إلى زيارة المرفق الحكومي مرتين فقط الأولى لتسليم المعاملة إلى خدمات الجمهور والثانية لاستلامها وقد يحتاج إلى رسالة نصية قبل موعد الاستلام وبهذا يكون المواطن قد وفِر على نفسه الوقت والجهد والمال الذي كان ينفقه على السماسرة والمبتزين وكذا المصاريف اليومية ذهابا وإيابا لمتابعة المعاملة ..
الأستاذ خالد الديلمي مدير عام إدارة تطوير الخدمات بوزارة الخدمة المدنية ومسئول الفريق المكلف من رئاسة الوزراء بتنفيذ المشروع ذهب بأحلامنا إلى ما هو أبعد من ذلك فقال ” كان المشروع مبرمج على إحداث تطور تدريجي في أطره وهيكله بما يضمن تقديم مختلف الخدمات للمواطنين بمختلف شرائحهم فهو يهدف في مرحلته الثانية إلى تسهيل إجراءات الحصول على الخدمات دون الحاجة إلى الذهاب الى المرافق الحكومية إلا للضرورة وذلك من خلال إسناد مهمة الكثير من الخدمات إلى برنامج “الريال الالكتروني” المتواجد بمكاتب البريد العام” المتواجدة بعموم محافظات الجمهورية ومن ذلك ــ على سبيل المثال ــ تجديد رخصة القيادة وتسديد المخالفات المرورية والحصول على خدمتي الكهرباء والمياه وتسديد الرسوم للدولة أيِاٍ كانت وحتى تعمم فائدة المشروع سيقوم بتحويل المواقع الالكترونية التي أنشئت في المرحلة الأولى إلى مواقع تفاعلية يستفيد منها الطلاب والباحثون بعد تضمينها قواعد البيانات والبحوث والدراسات الخاصة بكل موقع ” ويتابع الديلمي قائلا ” من جهة أخرى هدف المشروع إلى صناعة خطوط تواصل بين كافة مؤسسات الدولة للنهوض بالتنمية الشاملة وذلك من خلال ربطها بشبكة واحدة يتم من خلالها تنفيذ الأعمال الحكومية دون الحاجة للمراسلات والمندوبين والممثلين بين بعضها البعض وكانت هذه الخطوة ستوفر على الحكومة عامل الوقت والجهد والكثير من الاعتمادات المالية.
أجنحة مقصوصة
يبدو أننا سنعيش على درب الآباء والأجداد في أحلام وردية لن تْرِى على الواقع فالمشروع الذي كان سيدخل المواطن اليمني من خلاله عالم الخدمة الحديثة قْصم ظهره ولم يعد يقوى على السير فقد توقف عمله في العام 2008م أي بعد عامين فقط من انطلاقه بعد أن كان قد وضع إحدى قدميه داخل الوزارات بتأسيس إدارات خاصة لخدمات الجمهور ومواقع الكترونية لكل وزارة لم تْفعل بعد واخرى خارجها ومع أن المشروع كان قد تمكن من تأسيس تلك الإدارات إلا أن أغلبها ما تزال في حكم العدم بسبب العشوائية الإدارية والسماسرة وكأن شيئا لم يكن ..
لذلك يعود الديلمي ــ بعد أن بحثنا في أرشيف ذاكرته عن كل ما يتعلق بالمشروع لاسيما وأن مدة توقف المشروع “سبع سنوات” كفيلة بضياع معلوماته ــ ليحكي لنا واقع البداية وكيفية النهاية لذكريات الحلم المفقود فقال ” مشروع خدمات الجمهور جاء نتيجة ضغوط المانحين على الدولة بعد أن لاحظوا مظاهر فساد كبيرة في مرافقها وكانت أول خطوة في العام 2006م حين تم تكليف فريق من الباحثين بوزارة الخدمة المدنية مكون من أربعة أشخاص لإعداد المعايير الأولية للجودة في كل مرفق والمتمثلة بحصر الخدمات والإعلام عنها وتوثيقها من خلال اللوحات الإرشادية في مرافق الدولة بأمانة العاصمة وقد تم رصد 1556 خدمة في 56 مرفقاٍ حكومياٍ داخل أمانة العاصمة ثم إنشاء مواقع الكترونية لكل مؤسسة وبما أن تنفيذ المرحلة الأولى كان بداية انطلاق المشروع فقد مثلت الخطوة الأولى من المرحلة الثانية نقطة النهاية وبالتحديد بعد تأسيس إدارات خدمات الاتصال “خدمات الجمهور” في الوزارات وأمانة العاصمة مع العلم أن أغلب الجهات لم تنته بعدْ من استكمال كل الإجراءات داخل هذه الإدارات حتى أنها حاليا تعمل بشكل عشوائي بعيدا عن آلية المشروع الحقيقية القائمة على الشفافية والنزاهة المطلقة”.
وعن أسباب توقف المشروع يقول: “الأسباب كثيرة إلا أن أبرزها يتمثل في عدم وجود نية صادقة لإحداث تغيير جذري في طريقة أداء هيكل الدولة الإداري وقد انعكس ذلك على المشروع نفسه فهو ــ منذ تدشينه ــ لا يمتلك مصدراٍ مالياٍ محدد في ميزانية الدولة ولا مخصص معروف من المانحين ولذلك فقد اعتمدنا في تنفيذ المشروع على التفاهم مع الجهات الحكومية على أن تقوم كل جهة بتمويل وتنفيذ المشروع في حدودها عملها أيضا ما تزال أغلب مرافق الدولة تتعامل بالطرق الإدارية التقليدية غير مستغلة الطفرة التكنولوجية الحديثة .
ومن جهة أخرى تعتبر مشكلة ضعف الانترنت في اليمن من أكبر المعوقات سواء لمشروع خدمات الجمهور أو لأي مشروع آخر يعتمد على التكنولوجيا”
نموذج ناجح
عندما توقف مشروع خدمات الجمهور بشكل رسمي قررت بعض الجهات الحكومية كوزارة المالية ومصلحة الجمارك الاستمرار في تنفيذه وخصصت له مبالغ مالية من ميزانيتها السنوية ووصل المشروع في تلك الجهات إلى مراحل متقدمة أوجزها لنا كبير الأخصائيين بخدمات جمهور المالية محمد بشر بقوله ” عملت وزارة المالية على تطوير مشروع خدمات الجمهور لتسهيل حصول المواطن على الخدمة بأقل جهد وتكلفة حيث تقوم الإدارة باستقبال طلبات المعاملة من المواطنين قبل إدخالها النظام الالكتروني الذي يقوم مباشرة بتمريرها على المختصين داخل الوزارة خلال مدة محددة لا تتجاوز الأسبوع في الغالب ويعلمها المواطن مسبقاٍ وقد تتأخر بعض المعاملات أكثر من ذلك لكن في حالات محددة ولأسباب خارجة عن إرادة الوزارة وبعد الانتهاء من إجراءات المعاملة يتم إعلام المواطن عبر رسالة نصية هاتفية بالتوجه إلى إدارة خدمات الجمهور لاستلامها.
وأضاف :ولضمان استمرار هذا العمل بصورة لائقة تقوم إدارة التنسيق والمتابعة عن طريق نظام محكم بمراقبة أداء الموظفين وسير المعاملات في موعدها ” .
وعن مستقبل المشروع يقول: “بالطبع لن تقف الوزارة عند هذا الحد فهناك خطوة أخرى ستدشن قريبا وهي خدمة تسهيل الإجراءات حيث سنستخدم الماسح الضوئي سواء لغرض تسيير وثائق المعاملات للمختصين للتأكد منها أو لمطابقتها للإجراءات الأخرى “.
على الرغم من أن الحصول على الخدمات بوزارة المالية بات سهلاٍ للغاية إلا أن بعض المواطنين غير واثقين من هذه الإجراءات فيقومون بمتابعة معاملتهم بأنفسهم أو عبر أشخاص آخرين وهو الأمر الذي استدعى من جميل الدعيس مسئول في المكتب الفني بمكتب وزير المالية توجيه دعوة للمواطنين تطلب منهم منح ثقتهم بالنظام الجديد كونه يسهل عليهم وللوزارة ـ أيضا ـ الكثير من المشاكل بل إنه أضمن لهم وأسرع .
المسألة ببساطة..
أساتذة الاقتصاد والإدارة أكدوا لنا أن تكلفة المشروع ليست كبيرة فكل ما يحتاجه شبكة موحدة لجميع مرافق الدولة وانترنت بخدمة جيدة لا غير وبالمقابل ستجني الدولة من خلاله عشرات الملايين من الدولارات فلماذا يتم قصم ظهور أحلامنا بإلغاء مشروع خدمات الجمهور¿ .. لذا يجب على حكومة الكفاءات أن تعيد النظر في المشروع .

قد يعجبك ايضا