مع تصاعد المواجهة حول قطاع غزة، اختارت إسرائيل توجيه ضربة عدوانية مباشرة إلى قيادات حكومة التغيير والبناء في صنعاء، بما فيها رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وأعضاء حكومته، يرتبط هذا التصعيد بعدة دوافع استراتيجية وسياسية، وله تداعيات محلية وإقليمية، كما يفرض خيارات متعددة أمام اليمنيين المساندين للقضية الفلسطينية.
الهدف من الاستهداف الغاشم يكمن في تقويض جبهة الدعم اليمنية للشعب الفلسطيني بشكل عام وللمقاومة الفلسطينية بشكل خاص، فقد باتت اليمن، خاصة بعد امتلاكها قوة عسكرية جوية وبحرية غير متوقعة، إحدى القوى الإقليمية الوحيدة القادرة على ضرب عمق الأراضي المحتلة براجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة.. حيث تأتي الغارة العدوانية إزاء استمرار قيام القوات المسلحة اليمنية إطلاق الصواريخ على موانئ العدو وجنوب فلسطين المحتلة.
قام العدو الإسرائيلي باختيار هذا التوقيت لاستهداف حكومة التغيير والبناء بدقة متناهية، وفق حسابات إسرائيلية ترتبط بمرحلة حساسة داخلية وخارجية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.. داخليا، تُكثّف الحكومة الإسرائيلية عملياتها في غزة، وتسعى لتوجيه رسالة حازمة بأن أي امتداد لمعاركها على جبهات خارجية سيدفع ثمنا دمويا.. إقليميا، فإن الفترة التي تلت إعلان واشنطن عن دعمها الكامل لتحصين العمليات البحرية في البحر الأحمر جعلت من تصعيدها ضد صنعاء محاولة لمنع اليمن استهداف السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، والتي تهدف اليمن من خلال استهدافها للسفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية إلى إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
الموقف اليمني، وخصوصا موقف الرئاسة اليمنية بصنعاء، يبدي تماسكا غير مسبوق بين أجنحته السياسية والعسكرية في مواجهة الضغوط الأميركية والسعودية، وهذا التماسك بالتأكيد يشكل تهديدا للعدو الإسرائيلي، لأن اندفاع الشعب اليمني خلف القضية الفلسطينية يوسع رقعة التحالف المناهض للاحتلال، ولا شك أن أي محاولة لخلخلة هذا التماسك عبر اغتيال قياديين يمنيّين -كالعدوان الأخير باستهداف الحكومة- ستقابل بتعزيز مزيد من المؤازرة الشعبية والرسمية للجيش اليمني، لا بانتكاس التضامن، لأن الرأي العام اليمني يعتبر دماء الشهداء وقودا للاستمرار في نصرة غزة.
وهنا نشير إلى بعض السيناريوهات المحتملة للرد اليمني على العدوان الإسرائيلي من خلال إما الرد العسكري المباشر عبر تصعيد الهجمات الصاروخية والمسيرة نحو العمق الإسرائيلي، خصوصا خطوط الإمداد البحرية في البحر الأحمر وخطوط الطاقة في موانئ العدو.. وإما عبر الدعم اللوجستي والسياسي للمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن حملات التضامن الإعلامية والدبلوماسية التي توسّع حملة العزلة الدولية على إسرائيل.. والسيناريو الأول هو الأقرب للعقيدة التي تحملها القيادة الثورية والسياسية، فإسرائيل عدو أصيل لا يمكن السكوت على عدوانه وجرائمه التي يرتكبها في حق الشعب اليمني والشعب الفلسطيني.
إن استهداف إسرائيل لحكومة التغيير والبناء في هذا التوقيت يعبّر عن مخاوف العدو الإسرائيلي في تل أبيب من امتداد الموقف اليمني المؤازر للقضية الفلسطينية إلى مستوى أعلى من التعاون العسكري والاستخباراتي، ورغم إصدار قرار رئاسي بأن تقوم الحكومة الحالية بتصريف الأعمال نتيجة استشهاد رئيس الحكومة وبعض وزرائها، إلا أن التماسك الشعبي والمؤسساتي سيعزز الالتفاف الداخلي، وسيبقى اليمن ركيزة أساسية في معادلة مواجهة العدو الإسرائيلي والدعم لفلسطين.