مولد رسول الله لقاء بين الأصل والامتداد

عبدالواحد المروعي.

 

 

حين يطل شهر ربيع الأول، تتوهج قلوب اليمنيين بنورٍ لا يخبو، ويتهيأون لملحمة عشقٍ أبديٍّ متجددة، ملحمة لا تضاهيها أخرى في التاريخ، إذ تتسامى أرواحهم احتفاءً بمولد خير البرية، محمد بن عبدالله، في مشهدٍ تتعانق فيه الأرض بالسماء وتفوح منه أنفاس الولاء واليقين.
فاليمانيون لا يستقبلون هذه المناسبة كما يستقبلها عامة الناس، بل يتهيأون لها كما لو كانوا في موعد مع الفجر الأول، يزينون القلوب قبل البيوت، ويعمرون الأرواح قبل الساحات. إنهم يعظمون النبي، ويوقرونه، ويحيون ذكراه بصدق الانتماء، لأنها من تقوى القلوب التي أمر الله بها، ومن سرّ الامتداد الروحي بين الأرض والملكوت.
وليس غريبًا أن يكونوا على هذا العهد، فهم سلالة الوفاء لرسول الله، وقد رفدهم علي وفاطمة والحسن والحسين برحمٍ صافٍ متصلٍ ببيت النبوة، حتى جاء اليوم الذي يحيا بينهم حفيد من سلالتهم الطاهرة، يذكّرهم بعهود الولاء، ويحيي فيهم جذوة الهداية. يا لعظمة هذا المشهد: رسولٌ في ذكرى مولده، وحفيدٌ من أعلام الهدى في ميادينهم، فيتجلى اللقاء بين الأصل والامتداد، بين المنبع والرافد، في صورةٍ لا تكون إلا نعمةً إلهية تستوجب الشكر، والتمسك، واليقين بأن في ذلك تمام الهداية وبلوغ الغاية.
إنها بشارة السماء: كتاب الله وعترة النبي، الحبلان الممدودان إلى يوم القيامة. وما أشد ما يفقهه اليمانيون في هذه اللحظة، وما أعظم ما يترجمونه في احتفالهم، إذ يجعلون من مولد المصطفى محطة لتجديد البيعة، ووثيقة ولاءٍ أبدية تنقش في القلوب قبل أن تنطق بها الألسن.
هكذا تصنع اليمن ملحمتها، لا بالزينة وحدها، بل باليقين الراسخ أن محبة الرسول وعترته طريقٌ إلى الله، وسفينة نجاة، وأفق لا ينقضي مداه. إنها ملحمة عشقٍ أبدي، تتجدد كل عام، وتزداد وهجًا مع كل جيل، لتعلن أن اليمانيين ما كانوا يومًا إلا أهل وفاء، وأبناء حبٍّ راسخ للهادي البشير النذير ﷺ.

قد يعجبك ايضا