المعهد العالي للقضاء … ما الذي يحدث ¿


تحقيق / هشام المحيا –
> إدارة المعهد : من يعارض مشروع تعديل قانون المعهد عليه أن يلجأ للطعن في القضاء حسب العرف القانوني

> الدارسون بالمعهد:
مشروع التعديل يتعارض مع الكثير من مواد الدستور النافذ ولا يخدم القضاء وسنعلق الدراسة إذا لم يسحب

> الطلاب المتقدمون :
آلية القبول الجديدة تكرس المحاصصة وتلغي معيار الكفاءة..
وإدارة المعهد تنفي ذلك

على غير العادة استهل المعهد العالي للقضاء عامه الدراسي الجديد 2014ـ 2015م بموجة غضب عارمة تناوب على إيقادها كل من الطلاب المتقدمين للدراسة في المعهد هذا العام الحاليين فيه .. ففي الوقت الذي قام فيه الطلاب المتقدمون بتسيير مظاهرات عديدة أطلق طلاب المعهد تهديدات بالإقدام على خطوات احتجاجية خطيرة ستبدأ بالإضراب عن الدراسة وقد تنتهي بما لا يحمد عقباه وقد ظهرت هذه الأزمة بعد قيام المعهد باعتماد آلية جديدة للقبول وكذا قيامه بتقديم مشروع تعديل بعض مواد قانون المعهد رقم 34 لسنة 2008م .. أسباب هذه المشكلة وموقف إدارة المعهد منها تجدونه في التحقيق التالي :

قبل عامين من الآن كان الطلاب المتخرجون من كليات الشريعة والقانون ومن كليات الحقوق بالجامعات اليمنية يعلمون جيداٍ أن التقدم للمعهد العالي للقضاء يحتاج رصيدا كبيرا من المعلومات ويحتاج جهدا جبارا للقبول فيه أولاٍ ولتخطي سنوات الدراسة الثلاث ثانيا فالمعهد لا يسمح للطالب الذي يحمل معدلاٍ أقل من %80 بالتقدم وإن توفر هذا الشرط يخضع الطالب لامتحانات تحريرية مكثفة لاختبار رصيده العلمي النظري .. بعدها يخضع لامتحانات شفوية لتأكيد ذلك الرصيد وفي النهاية يقف الطالب أمام الفحص الطبي والمقابلة الشخصية والتي تحدد مدى جاهزية الطالب للخوض في تعلم أداء رسالة القضاء من خلال الدراسة النظرية في المعهد والتطبيقية في المحاكم والنيابات تحت إشراف المعهد لمدة ثلاث سنوات وبعد إنهاء الدراسة يباشر المتخرجون أعمالهم في المحاكم بدرجة قاض جزئي لكن التغييرات التي حدثت مؤخراٍ جعل المعهد يواجه سيلاٍ من الانتقادات والاعتراضات حتى وصل الحال بالطلبة المتقدمين لتسيير المظاهرات ونصب الاعتصامات كما اتخذ الطلاب الدارسون بالمعهد قرارا بالإضراب عن الدراسة .
ما الذي حدث
في العام 2013 م أصدر مجلس القضاء الأعلى العام الماضي قراره رقم (31) بشأن سياسة القبول للدفعة (21) الذي ينص في المادة (2) منه على: “إقرار سياسة القبول للدفعة 21 بالمعهد العالي للقضاء للعام 2013 – 2014م على النحو الآتي:خفض التقدير المطلوب للقبول إلى تقدير جيد مرتفع %75 و توزع الدرجات المعتمدة للدفعة 21 على جميع المحافظات بنسبة عدد السكان لكل محافظة مع مراعاة ألا يقل عدد المقاعد المخصصة للمحافظات المحرومة في الماضي – أو التي لا تؤهلها الكثافة السكانية للحصول على مقاعد دراسية – عن ثلاثة مقاعد وتتم المنافسة على الدرجات المعتمدة بين أبناء المحافظات كل محافظة على حدة بحيث يْختار منها العدد المطلوب ويْقدِم الأعلى درجة على من يليه وأخيرا على مجلس المعهد معالجة ما يظهر من إشكالات أثناء تطبيق هذه السياسة”.
وفي العام 2014م سار المعهد على نفس آلية العام الماضي بقرار مجلس القضاء الأعلى وزاد عليه”خفض نسبة التقدير إلى %70 لمحافظات (الجوف مأرب سقطرى المهرة صعدة).
وفي حالة عدم حصول المتقدمين على نسبة %75 ويحضر منح أي درجة رأفة في امتحانات القبول وأن تعتمد مخرجات الدفعة 22 للعمل بالنيابة العامة” ووفقا لهذه النصوص تم الإعلان عن فتح باب التسجيل للمتقدمينوقد نجح في المرحلة الأولى من الإمتحان (التحريري والشفوي 519 ولأن العدد يفوق بكثير الطاقة الاستيعابية للمعهد فقد قرر عمل مفاضلة لاختبار عدد الطلاب المسموح لهم بالخوض في امتحان المرحلة الثانية المتمثلة بالفحوصات الطبية ومقابلة الهيئة فكان نصيب محافظة تعز 25 شخصاٍ من أصل 97 متقدماٍ ناجحاٍ ثم إب بـ 25 من أصل 72 ثم حجة بـ 26 من 54 وذمار والأمانة وصنعاء بـ 25 طالباٍ لكل محافظة ومن أصل 42 و39 و31 على التوالي و20 طالبٍا من كل من الحديدة وحضرموت والضالع ومن أصل 29 و25و22 على التوالي أما بقية المحافظات بما في ذلك المجموعة الثالثة فقد تم قبول جميع المتقدمين وبلغ إجمالي هؤلاء 319 طالباٍ بعد استبعاد 200 طالب .
أدلة اتهام
ما أثار غضب الطلاب المستبعدين بالمفاضلة ثلاثة أمور أولها أنهم تجاوزوا امتحان اختبار الكفاءة بنجاح كما طلب منهم ورغم ذلك تم استبعادهم وكان الأحرى بالمعهد ــ كما يقولون ــ أن يسمح لهم بالخوض في المرحلة الثانية من الامتحان أسوة بزملائهم الناجحين في المرحلة الأولى وستحدد المقابلة الشخصية العدد المطلوب للدراسة بالمعهد من جميع المتقدمين أما الأمر الثاني فهو اعتبارهم لآلية القبول الجديدة تعميقاٍ للمحاصصة التي لا تخدم القضاء وإلغاء لمعيار الكفاءة .. ودللوا على ذلك بقولهم ” أن ذلك يظهر جلياٍ من خلال تخفيض نسبة المعدل إلى 70 % في بعض المحافظات ورفض طلاب حصلوا في امتحان القبول على نسبة أكثر من 80 % في بعض المحافظات أيضاٍ قبول طلاب بمعدلات هابطة جداٍ من محافظات أخرى ” وتابع الطلاب حديثهم قائلين ” على الرغم من هذه الآلية تنص على أنها اعتمدت التقسيم حسب الكثافة السكانية إلا أن الواقع على ما يبدو غير ذلك تماما فمثلا تتساوى محافظة تعز وإب وذمار وصنعاء بعدد المقبولين وهناك تفاوت كبير بين هذه المحافظات من حيث عدد السكان ” أما الأمر الثالث الذي أغضبهم فهو طريقة الامتحان الشفوي إذ يقولون ” هناك اختلال بالمعايير أثناء امتحان الطلبة شفهياٍ فمثلا توجد لجنتان في الامتحانات الشفوية إحداهما تتكون من أساتذة جامعات والأخرى من القضاة وعندما نلاحظ طريقة الأسئلة في اللجنتين سنجد اختلافا كبيرا فالقضاة يسألون من واقع عملي وهو الأمر الذي لا يعلمه الطلاب في الوقت الذي تكون فيه أسئلة الدكاترة نظرية سهلة تتفق مع ما درسه الطالب أثناء الجامعة ” من جهة أخرى يتخوف الطلاب الناجحون مما يسمونه “الإنزال المـظلي” ويقصدون به دخول طلاب في المعهد بدون أي امتحانات قبول يدعمهم في ذلك وجاهات وشخصيات اعتبارية وقد استدلوا على ذلك بما حدث في أحد الأعوام الدراسية السابقة عندما وجد مثل هذه الحالة وباعتراف رسمي من أحد كبار مسؤولي وزارة العدل والذي ساق لهم حينها جملة من المبررات .
القاضي الدكتور/ عبدالملك عبدالله الجنداري القائم بأعمال عميد المعهد العالي للقضاء يرد على الطلاب المتقدمين ويقول “بادئ ذي بدء ننوه بأن أعلى مكون في المعهد هو “مجلس المعهد” الذي يرأسه وزير العدل والذي يضم في عضويته ثمانية أعضاء منهم عميدالمعهد وأول وأهم اختصاصات هذا المجلس “رسم السياسة العامة للمعهد – بما يحقق أهدافه – وعرضها على مجلس القضاء الأعلى للموافقة عليها” (مادة 7/1).. القاضي الجنداري يشير في مقدمة حديثه هذا إلى أن ما اتخذ من قرارت لم تكن بشكل عشوائي بل بطريقة حصيفة ومدروسة وقد برر اتخاذ قرار المفاضلة التي استبعدت 200 طالب بعد نجاحهم في المرحلة الأولى بأن العدد الكلي للطلاب الناجحين كان كبيرا جدا بل لأول مرة يصل إلى هذا الحد وهو الأمر الذي يفوق طاقة المعهد الاستيعابية لذا كان من الضروري اتخاذ قرار المفاضلة ونوه الدكتور الجنداري إلى أن عدد من سيقبلهم المعهد بعد المقابلة الشخصية سيكون أقل بكثير من عدد الطلاب الذين نجحوا بالمفاضلة وهم 319 طالباٍ من جهة أخرى يعلل القاضي الجنداري سبب اعتماد هذه الآلية للقبول بأنها إتاحة الفرصة للمحافظات المحرومة للحصول على مقاعد في المعهد العالي للقضاء ونفى ما قاله الطلاب من أن هذه الآلية ألغت معيار الكفاءة حيث أكد أن معايير اختبار القبول – بشقيه التحريري والشفهي – هي ذات المعايير المعتمدة في الأنظمة الأكاديمية المعتبرة وعن وجود حالات وساطة أو محسوبية يقول أن نجاح المتنافس من عدمه وكذا مستوى نجاحه من الأمور التي تخضع للسلطة التقديرية للأستاذ الممتحن ولا معقب عليه مطلقا في هذا الشأن سوى ضميره وفي ختام حديثه عن الطلاب المتقدمين وضع تصوراٍ عاماٍمن وجهة نظره لاعتراضات الطلبة بقوله ” من الطبيعي في أي زمان ومكان وأياٍ كانت الأنظمة المتبعة في الامتحانات أن يوجد من يشكو ويبرر رسوبه أو انخفاض مستوى نتيجته إلى شدة أو تشدد هذا الأستاذ أو ذاك وهذا أمر لا يكاد يخلو منه أي تنافس” .
مشروع التعديل
في الاتجاه الآخر وبالتحديد عند الطلاب الدارسين في المعهد الذين هم في مستويات دراسية مختلفة حيث قرر هؤلاء اتخاذ خطوات احتجاجية متعددة تبدأ بالإضراب عن الدراسة التي يفترض أنها بدأت قبل أيام إذا لم يكن قرار التأجيل لها قد اتخذ وكان السبب في ذلك قـــــرار مجلس المعهــد في يـــوم 2014/5/8م باتخاذ مصفوفة تعديل لبعض مواد قانون المعهد رقم (34) لسنة 2008م خصوصا تعديل المواد رقم 31 32 33 حيث قضت الأولى بتحويل الدراسة التطبيقية التي كان الطلاب يقومون بها لمدة شهرين من كل سنة دراسية من المحاكم والنيابات إلى قاعة خاصة داخل المعهد وهو الأمر الذي اعتبره الطلاب إلغاء رسميا للدراسة التطبيقية في القضاء , وقالوا إن تحويل التدريب من المحاكم والنيابات إلى قاعة خاصة داخل المعهد يجعلهم يعيشون في عالم افتراضي ويحرمهم من ملامسة واقع التقاضي والجريمة في اليمن وطرق وأساليب ارتكابها وكيفية التعامل معها الأمر الذي يترتب عليه بالضرورة فقدانهم للخبرة في مجال عملهم أما المادة الثانية والتي قضت بتعديل أسم الشهادة الممنوحة للخريجين من “ماجستير في العلوم الشرعية والقانونية ” إلى ” ما جستير في العلوم القضائية ” فقد اعتبرها الطلاب أنها ستكون عائقا أمامهم في الدرسات العليا” الدكتوراه” .
وتأتي المادة الثالثة ــ السابقة الذكر ــ لتنسف ما تبقى من أمل لتراجع الطلاب عن الاحتجاجات حيث قضت بتعديل الدرجة الممنوحة للمتخرجين من قاض جزئي إلى مساعد قاضي “أ” وهي أقل من الأولى بكثير كما قضت بتوزيع المتخرجين في المحاكم والنيابات بعد أن كان توزيعهم مقتصراٍ على المحاكم وتساءل الطلبة حول ضرورة توزيعهم في النيابات في ظل وجود قسم بالمعهد خاص بالتأهيل للنيابات وإلى جانب هذه المواد تأتي مادة رابعة من القانون المعدل تقضي بتحويل الوظيفة بالمعهد إلى منحة دراسية وهو الأمر الذي اعتبره الطلاب بأنه وسيلة لتكريس الاضطهاد الإداري من جهة وإقحام للصراع الحزبي بين الطالب والإدارة من جهة أخرى.
استياء واستغراب
وقبل أن يستاء الطلاب من هذه التعديلات استغربوا كثيراٍ من تغير موقف القاضي الدكتور / عبدالملك الجنداري القائم بأعمال عميد المعهد السابق أي عندما كان مدرسا بالمعهد ففي ذلك الحين اعترض الدكتور الجنداري وبشدة على قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 116 لسنة 2012م والذي لم يختلف كثيرا عن مشروع تعديل القانون الذي قدمه الآن ففي أكثر من مناسبة قدم الدكتور الجنداري تحليلاٍ معمقاٍ لقرار مجلس القضاء وأثبت أنه تعارض مع الكثير من المواد الدستورية بل وخلق نوعاٍ من التعارض بين بعضها ومن ذلك تعارضه مع المادة رقم 149 من الدستور النافذ والتي كانت تعتبر السلطة القضائية مستقلة والنيابة هيئة من هيئاته ليس هذا وحسب فقد عكس القرار النظرية المعروفة من أن القضاء بوابة النيابة وليس العكس كما ألغى الفرق بين قضاء المحاكم والنيابة والذي كان الدستور قد فرضه حين أعفى موظفي النيابة من شهادة المعهد ومن السن الأدنى وفرضه على موظفي المحاكم أيضا وقف قرار مجلس القضاء وبعده مشروع تعديل قانون المعهد أمام المادة 57 من الدستور والتي تعطي كلاٍ من القضاء والنيابة هيكلا مستقلا عن الآخر .
حق الرد
– القائم بأعمال العميد القاضي الدكتور/ عبدالملك الجنداري يفند ما قاله الطلبة .. عن قيامه بتقديمهم كقربان للفوز بمنصب العميد من خلال إشارته إلى تاريخ اتخاذ مصفوفة التعديلات وتاريخ تعيينه قائما بأعمال العميد فالأول كانت في يوم2014/5/8م والثاني كان في2014/5/18م وأضاف ” لقد سار مشروع التعديل وفقا للإجراءات الدستورية اللازمة لاستصدار أي قانون ومتى ما استكملت هذه الإجراءات وصدر القانون يبقى أمام من يدعي مخالفة أي من نصوص القانون الصادر للدستور طريق الطعن بعدم الدستورية بالطرق القانونية المعتادة وأيِاٍ كانت الصيغة التي سيخرج بها– فلا نملك إلا أن نقبل به ونلتزم بتنفيذ كل نصوصه ما دامت نافذة شأنه شأن أي قانون بما فيها النصوص التي كنا نعترض عليها وننادي بتعديلها” وعن مدى إمكانية الاستجابة لرفض الطلاب للقانون المعدل يقول ” سبق وأن طلب منتدى الطلبة نسخة من مشروع التعديل تقدم إلينا بعدها بملاحظات مكتوبة مبيناٍ مبررات كل منها وقمنا نحن بدورنا بإرسال تلك الملاحظات إلى وزير العدل كون الموضوع صار منوطاٍ به – وفقا للإجراءات الدستورية .
ختاماٍ
أيام قليلة وربما أسابيع وتنهي وزارة العدل ترتيبات عرض مشروع التعديل على مجلس الوزراء قبل عرضه على مجلس النواب في الوقت الذي ما يزال العراك بين طلاب المعهد والإدارة مستمراٍ أيضا وخلال هذه المدة يستمر الطلاب المتقدمون الذين خرجوا بالمفاضلة بعد نجاحهم في الامتحانات التحريرية والشفهية في الاحتجاج على خروجهم بهذه الطريقة من جهة وعلى آلية القبول الجديدة من جهة أخرى .. فهل سيعيد مجلس المعهد النظر في الأمر خصوصا وأن ثمة مطالب حقيقة هنا للطلاب بشكل عام أم أن دينامو القضاء “المعهد” سيعجز عن إنصاف نفسه بنفسه .

قد يعجبك ايضا