
فانتازيا ..سحر..لا معقول..سخرية مفرطة في اللاعقلانية …أسطورة تتحول حقيقة وحقيقة تتحول إöلى أسطورة..متناقضات على غير القواعد الرياضية تلتقي.. خصائص تميز بها القاص والروائي وجدي الأهدل خلال تجربته السردية الممتدة لما يزيد عن العقدين…
ورواية “فيلسوف الكرنتينة” والتي صدر مؤخرا الطبعة الخامسة لها في بريطانيا لندن عن 550 صفحة هي إحدى نتاجات هذا الروائي المدهش..!
ناشر:
تضع “فيلسوف الكرنتينة” القارئ في قارب وتبحر فيه في بحر يتلاطم ويهتاج.. لا مجال للتوقف عن القراءة عفوا التجديف..فلا نجاة سوى بإكمال الرواية!
رواية تتلاطم أمواجها:
تقدم كلمة الناشر والتي جاءت في الغلاف الأخير ملخصا ذكيا لرواية لا يمكن للقارئ تلخصيها طالما وهو مجرد راكب في رواية تتلاطم أمواجها!
فيلسوف الكرنتينة:
الخيال العلمي..الأساطير..الخرافات..حول الأهدل تلك الركائز إöلى وقائع صارت حقائق والحقائق صارت خيالا وأساطير وخرافات.
بطل الرواية فيلسوف يمني حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الإنسانية في موضوع “معا على طريق التأنسن” من جامعة لندن ويدعى ” مشعل الحجازي”.. عاد مشعل إöلى مجتمعه البدوي ليعيش وعلى غير ما عاش سابقا في بريطانيا حاضرة أوروبا على هامش الهامش ..مكان الرواية مقبرة كبيرة تقع في شبه الجزيرة العربية..في الحقيقة الفيلسوف ليس فيلسوفا كعادة الأهدل في خلق التناقض من التناقض ذاته بل فترة دراسته في لندن أكسبته الفلسفة ونورته ..علمته ألف باء الحياة ..! والمقبرة ليست مقبرة خاصة بالموتى بل مدينة فيها أحياء حولها الطاغية “القحطاني الكبير” إöلى مقبرة يعيش فيها سكان “دوديون” خارجون عن كل ما يمت للحضارة والإنسانية والحداثة بصلة!
في تلك المقبرة يواجه مشعل كل التناقضات الإنسانية ..الألم الحزن.. الضياع.. يقدم صورا بالغة السخرية لأعداء الإنسانية والمتمثلة في أصحاب اللحى والساطين الأباطرة..المتحالفين على إذلال المقبرة وسكانها الأحياء! .
مجتمع مشعل مجتمع بدوي صرف.. لكöن هذا المجتمع البدوي وعلى غير عادة المجتمعات البدوية والتي ترتبط فيما بينهما البين بروابط اجتماعية متينة تربطه علاقات تجاور الزيف.. تنتشر في أوساط رجاله الأمراض النفسية والعصبية..
يبدو هذا المجتمع غائبا كليا عن كل ما يفتعل حضاريا وتكنولوجيا من حوله..ولأنه غائب عن محيطه تجده يلعن الحضارة الأقوى المستعلية والتي تسعى لطمس هويته وعاداتها..مقابل ذلك يغطي عجزه بالحديث عن الحضارة الراقية لأمة المقبرة !
قمع ..عنف..تخلف..إرهاب..أناس مشوهون..يختلط فيهم الإنساني بالحيواني ..شكل كل ذلك صدمة لمشعل..فيقرر النضال من أجل تطوير سكان الجزيرة..إكسابهم صفة الأنسنة وذلك بتحويلهم بدلا من “ديدان” إöلى “بشر”.
الخيال في الرواية لا حدود له لكنه الخيال الذي يقود القارئ مباشرة إöلى الواقع العربي الملبد بكل ما يسمم الإنسانية ويدمر إنسانيتها وحقها في قليل من الحرية!
إنهم مجرد ديدان في مقبرة ولكöن ذلك لم يكن يعني أن باب المقاومة الهادف إلى تحرير أنفسهم من سلطة القحطاني الذي حول حياتهم إلى جحيم ومدينتهم إöلى مقبرة لا تحيا فيها سوى الديدان والعقارب مغلقا بالكامل.. يستفيد مشعل من بقاء الباب مواربا…يتسلل من خلاله إلى وعي وعقل مجتمعه!
ينتج غدا:
تعتبر رواية فيلسوف الكرنتينة – ضمن الأعمال المرشحة لنيل جائزة البوكر العربية- تجربة مختلفة عن مجمل النتاج الروائي المحلي من حيث الأساليب السردية والتقنيات المستخدمة كالرمز والدلالة وتوظيف التاريخ والفلاش باك..
إنها تجربة روائية مختلفة تماما عن كل ما أنتج سابقا وينتج الآن وربما سينتج في الغد!