كانت مدينة صنعاء القديمة من أكثر المدن التاريخية اليمنية اهتماما بالمساحات الخضراء وكما يقول المعنيون فقد كان أكثر من ثلثي مساحتها بساتين ومقاشم وفراغات بيضاء أما الآن فقد أصبح ثلثا مساحتها مبنيا, وبالإضافة إلى البساتين والمقاشم كانت معظم منازل المدينة -إن لم تكن كلها- تمتلك فراغات خاصة بها أحواش أو كما يطلق عليه أهالي صنعاء (الحوي) هذه الأحواش كانت متنفسات خاصة للمنازل يتم زراعتها بالورود والمشاقر والفواكه وتستخدم لأغراض متعددة منها لتجفيف الملابس بعد غسلها أو متنفس لسكان المنزل, كما أن بعض الأحواش تشترك فيها منازل متعددة أو أنها تكون عبارة عن ممرات لعدة منازل.
في الحقيقة أثناء تجولنا في أزقة وحارات صنعاء القديمة استوقفتنا إحدى النساء المسنات بعد أن عرفت أننا نعمل في الصحافة وقامت باصطحابنا إلى أحد هذه الأحواش حيث يقع منزلها هذا الحوش الترابي عبارة عن ممر لثلاثة منازل يهددها تسرب المياه في شيئين: الأول خوف على أساسات المنازل والثاني الخوف من أن تندثر بقايا سمسرة قديمة تهدمت معظم أجزائها وتبقت بعض الجدران العالية وأبدت هذه المرأة خوفها من هذا الوضع الذي جعلهم يطرقون أبواب الجهات المعنية سواء في هيئة الحفاظ على المدن التاريخية أو المجلس المحلي ولكن دون جدوى, ولهذا لجأت إلى الصحافة علها تستطيع تحريك المياه الراكدة لدى الجهات المعنية التي باتت لا تهتم بهذه المدينة ولا بسكانها.
وفي الواقع فقد لفتت هذه المرأة انتباهنا إلى موضوع هام يشكل تهديدا للكثير من المنازل التاريخية في هذه المدينة العريقة ومصدر هذا الخطر يأتي من الأحواش الترابية الأمر الذي جعلنا نطرق أبواب الجهات المختصة لمعرفة ما إذا كانت هذه الأحواش أو ما يسميها أهالي صنعاء الحوي يؤثر سلبا أو إيجابا على مباني المدينة.
فالأخ علي محمد الطويل وهو من سكان المدينة يستبعد تماما أن تكون لهذه الأحواش أية أضرار على المدينة باعتبار أن هذه الأحواش وجدت متوازية مع المنازل وهي على هذا الحال منذ عشرات بل ومئات السنين فما الذي استجد الآن لتصبح هذه الأحواش تشكل ضررا للمنازل¿
وهو سؤال توجهنا إلى المختصين لمعرفة إجابته.
الرصف لأكثر من متر حول المنازل
بداية يقول المهندس جميل شمسان رئيس المكتب الفني بوزارة الثقافة رئيس هيئة الحفاظ على المدن التاريخية السابق مهندس متخصص بالمعمار التقليدي بالمدن التاريخية: الحوي أو الحوش يفترض أن يكون مزروعا لأنه الأفضل للمنزل وساكنيه حيث تعمل المزروعات على امتصاص المياه وعدم توجهها نحو الأساسات ولكن هناك طريق شيء يفضل أن يتم عمله وهو رصف محيط المنزل وحمايته بمتر أو أكثر من الأحجار الحبش أما إذا كانت هذه الأحواش مداخل لمنازل متعددة فينبغي أن يتم رصفها كاملة ويفضل إذا كانت كبيرة أن تستخدم مواقف للسيارات وإذا كانت صغيرة أماكن للعب الأطفال.
وأشار شمسان إلى أن تسرب المياه من تلك الأحواش الترابية إلى أساسات المنازل قد يؤدي إلى خلخلة تلك الأساسات فقد كان في السابق التصريف في تلك الأحواش يتم وفق منظومة متكاملة حيث كانت معظم الشوارع والحارات غير مرصوفة ومع الرصف الذي تم لتلك الحارات والشوارع جعل تلك المنظومة تختل نوعا ما.
وأضاف: أساسات المنازل في صنعاء القديمة ليست قوية أو بمعنى أصح ليست عميقة مقارنة بارتفاعاتها الشاهقة وعمقها لا يزيد عن متر وهي تستخدم الحجر والطين وبالتالي تأْثرها سريع ولهذا لابد على هيئة الحفاظ على المدن التاريخية كجهة فنية مشرفة متخصصة والمجلس المحلي كجهة تمويلية أن يتم التعاون فيما بينهما من أجل القيام بأعمال رصف تتناسب مع تلك المناطق وبالطريقة التي يتفادى بها التأثير على المنازل وأساساتها.
ولفت شمسان إلى أن الرصف الموجود بصنعاء التاريخية سواء في الحارات أو الشوارع والممرات ينبغي أن يتم متابعته باستمرار وأن يخضع لأعمال صيانة دورية فبعض الأماكن تحتاج فيها الأحجار إلى تغيير دون الحاجة إلى تغير الرصيف على مساحات كبيرة كما حصل في شارع سكرة الممتد من باب اليمن إلى باب السلام فقد تم تغيير الرصف بشكل كامل في خطوة أهدرت فيها مئات الملايين مع أن الأماكن التي كانت تحتاج إلى تغيير قليلة في مساحات صغيرة لا تتجاوز المتر أو المترين في كل منطقة.
وظائف بيئية
والتقينا المهندس نبيل منصر نائب رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والذي أشار إلى نقطة هامة وحساسة بنفس الوقت تؤثر على الوجه المعماري الجميل لمدينة صنعاء القديمة وهي أن تلك الأحواش يتم استغلالها من قبل بعض السكان للتوسع والبناء عليها وهو أمر غير مسموح به في القانون الخاص بالمدن التاريخية.
وقال منصر: للأحواش وظائف متعددة أهمها أنها تعد من الأشياء التي تحتاج إليها المنازل للقيام بأعمال عديدة منها التخزين سواء للحطب أو غيرها من الأشياء فضلا عن تجفيف الملابس كما أن للأحواش وظائف بيئية هي الأهم ترتبط بالضوء لتلك المنازل وتوفير الأوكسجين وقد كان الأوائل يبنون الأسوار حول هذه الأحواش مستخدمين بقايا المواد التقليدية حتى لا يفكر أحد يأتي بعدهم ويقوم بالبناء فيها ولكن الآن بعض الناس وبأسلوب غير لائق يعملون على البناء فيها الأمر الذي يؤثر على النسيج المعماري والبيئي ويحجب الرؤية, أما الأحواش المشتركة لعدد من المنازل فمن المفروض أن ترصف لما لها من تأثير على المنازل المحيطة إذا ظلت ترابية وهذه الأشياء التي تخطط لها الهيئة وتسعى لتعاون المجلس المحلي معها ولا ضير أن يتم عمل أحواض تزرع فيها الأشجار والورود وفيما يتعلق بالأحواش سواء الخاصة أو المشتركة الترابية ومدى تأثيرها على أساسات المنازل فيما يتعلق بالمياه فإذا كان للحوش تصريف للمياه ولا تتجمع فيه المياه وتتسرب إلى طبقات الأرض السفلية ولا يوجد أي تأثير سلبي.
ولفت منصر إلى أن مشروع تبنته أمانة العاصمة صنعاء لإعادة وبناء ورصف الأحواش ولكن للأسف الشديد لم يكتمل كما أن بعض الأحواش تم استبدالها بحجر منشور قوي يستطيع صاحب المنزل في المستقبل البناء عليه وليس كما كان في السابق الجدران من بقايا المواد التقليدية التي لا يمكن البناء فوقها وهذا خطأ سببه عدم وجود تنسيق بين الأمانة والهيئة آنذاك.
الرصف بطريقة مرنة
وأكد أن رصف الأحواش ينبغي أن تتم بطريقة مرنة تسمح بتنفس التربة وتساعد على خروج الرطوبة إلى الخارج بدلا من أن تظل في الداخل وتتسرب إلى أساسات المباني ولا تظهر إلى السطح كما هو حاصل في الكثير من الشوارع والحارات فقد كان الرصف فيها صلبا يمنع الرطوبة من الظهور إلى السطح ويحبسها في التربة.
سلبيات تؤثر على المباني
ويقول المهندس ياسين غالب المتخصص في البناء المعماري التقليدي بالمدن التاريخية أن الأحواش أو ما يسميها أهالي صنعاء الحوي لها وظائف نفعية متعددة بالإضافة إلى كونها المتنفسات البيئية والاجتماعية للمنزل وقاطنيه.
وقال المهندس ياسين: تتمثل سلبيات تلك الأحواش في أنها قد تسمح بتسرب مياه الأمطار إلى أساسات المنزل والمنازل المجاورة خاصة إذا كان ميول الحوش باتجاه الأساسات أو أن الأحواش ليس لها منفذ لتسريب الفائض من المياه إلى الخارج أو أن يكون مستواها أكثر انخفاضا من الشارع بما يسمح باحتباس كميات كبيرة من مياه الأمطار ولمدة طويلة, كل ذلك ممكن أن يشكل ضررا على أساسات المبنى ومباني الجوار وحيث تعمل المياه المتسربة على تآكل الأساسات نتيجة انتشار الملوحة خاصة إذا كانت الأحجار مسامية ولهذا فقد عمد الناس منذ زمن بعيد وخاصة ذوي المقدرة إلى استخدام الأحجار المناسبة قليلة المسام كالأحجار الحبش البازلت الإسفنجي أو منعدمة المسام تقريباٍ كالأحجار السوداء “البازلت”.
وأشار المهندس ياسين إلى أن رصف هذه الأحواش يمثل خطوة على طريق الحفاظ على المدن التاريخية إلا أن الأحرى أن يعود السكان إلى ما كانوا عليه في السابق من الاهتمام بهذه الأحواش فقد كانت هناك عناية فائقة بهذه المساحات تدعمها عدد من السلوكيات اليومية أو الدورية بالإضافة إلى الأعراف التي كانت تفرض على السكان أن يهتموا بهذه الأحواش ويقوموا بزراعتها والاهتمام بها كجزء من ثقافة تم توارثها.
وحث على ضرورة أن يتم عمل مسح لتلك الأحواش وسرعة إيجاد معالجات لتلك الأحواش التي تعاني عدم تصريف مياه الأمطار منها أو بمعنى أنها تتجمع فيها مياه الأمطار أو تلك الأحواش التي تعاني المشاكل التي ذكرناها سابقاٍ وتتمثل أبرز المعالجات بالرصف.