الحاج النزيلي: الظروف الأمنية والسياسية وراء اختصار العرس



الشيخ طاهر حمامة: ما نشهده من بذخ عكس ما أمر به ديننا الإسلامي

■ الى وقت قريب كانت الأعراس في مدينة المحويت عاصمة المحافظة والمحافظة بشكل عام ذات قالب مغلق لايجري تجاوز فصوله او أحداث تغيير جوهري فيه فكان عرس الرجال يبدا من اليوم السابق للزواج ويستمر نحو ثلاثة ايام اليوم الأول وهو يوم المعشرة كما يسمى ويبدأ فيه العريس وأهل العريس بفتح مجلس منزلهم او عدة غرف في المنزل لجلسة تخزين غالبا ماتقتصر على أصدقاء العريس والخاصة والأهل فقط ومع انتهاء صلاة العشاء تقام المعشرة في بيت العريس إن كان يملك ديوانا فسيحا او في منزل قريب لديه متسع لاستقبال الضيوف وطقوس المعشرة بسيطة اذ تقوم على أساس استقبال العريس لضيوفه الذين يصطفون في طابور طويل لمصافحته وتهنئته  ويتم في هذه الليلة احضار فنان محلي لاحيائها كما يجري خلالها توزيع قطع البسكويت والشاي وبعض البوشار على الحاضرين وخاصة الأطفال الذين يفضلون حضور هذه الليلة لمشاهدة المرح الذي يستمر الى وقت متأخر من الليل فيما يغادر العريس الى منزله للنوم باكرا ليستعد لطقوس اليوم الثاني من العرس وهو اليوم الاساسي وفيه العديد من الطقوس تنتهي بوصول العروس الى منزل العريس في نهاية اليوم .

اليوم الثاني
ومع اشراقة صباح اليوم الثاني من العرس يستيقظ العريس باكرا ويتم خروجه الى ساحة فسيحة قبالة منزله على دقات طاسة البرع  لوضع الحناء على يديه ورجليه  من قبل اصدقائه فيما يرقص الاخرون على رقصة البرع العشبية بمختلف الوانها وغالبا ماينتهي طقس الحناء ببعض المرح من الذين يتبادلون الرمي بالحناء وتعلو الضحكات والمرح ومع انتصاف النهار يكون المدعوون للعرس قد اجتمعوا للقيام بدورة ونزهة بمعية العريس الى منطقة سياحية قريبه حيث يسير موكب السيارات بمعية طاسة البرع التي يبرع ” المزين” في المحافظة على استمرار صوتها رغم تمايل السيارات به وما ان يحط الموكب في المنطقة المراد الوصول اليها حتى تنعقد مجددا حلقة البرع فيما يتجه البعض لممارسة الرمي والقنص ويتنقل العريس بين الحدثين وماان يقترب وقت الظهيرة حتى يعود الموكب الى المدينة ويدخل الجميع لاداء صلاة الظهر في المسجد وعقب الصلاة يتجه الموكب الى امام منزل العريس او حيث جرى اعداد طعام الغداء , وتنعقد هناك مجددا حلقة البرع في انتظار استكمال المدعوين , وبعد تناول الغداء يتوجه العريس الى المنزل الذي تنعقد فيه جلسة المقيل والتي غالبا مايتبادل احيائها احد المنشدين وفنان محلي ومع اقتراب اذان المغرب يغادر العريس المقيل الى منزله  وهناك يؤدي صلاة المغرب ويتناول العشاء ومن ثم ينتقل الى المسجد القريب حيث ينطلق موكب الزفه الليلية عقب صلاة العشاء  حيث يشكل المدعوون للعرس دائرة كبيرة يتوسطها المنشد وتسير ببطء في الطريق الرابط بين المسجد ومنزل العريس حيث يدخل المدعوون لتناول وجبة العشاء الرئيسية في العرس ومن ثم ينتقل الجميع بمعية العريس الى مجلس السمرة حيث يحييها فنان  ويقوم المزين بجمع ” مايعرف بالطرح وهي مبالغ رمزية يدفعها المدعوون كمساعدة في تكاليف العرس وتختلف بحسب حجم المدعوون كما يستثنى منها الضيوف من المحافظات الأخرى او المناطق البعيدة” وعند الموعد المحدد الذي لايتقدم عادة عن الساعة العاشرة مساء يتجه العريس لاحضار عروسه من منزل أهلها او ينتقل الى منزله لاستقبالها والوفد المرافق من أهل العروس معها لتجري مراسم الجلية والاحتفاء بانتهاء مراسم اليوم الثاني من عرس الرجال والأساسي في طقوس أعراس الرجال وليس النساء طبعا .

اليوم الثالث
 ومع اشراقة صباح اليوم التالي يستعد العريس لاستكمال بقية طقوس العرس وهو اليوم الثالث حيث يذهب العريس في نزهة بموكب سيارات ومرافقة طاسة البرع الى منطقة سياحية قريبة ويجري خلالها ذات الطقوس من برع ورماية ومع حلول الظهر يعود العريس لأداء صلاة الظهر او الجمعة  ومن ثم يستقبل عددا من المدعويين والجيران وضيوفه من المناطق البعيدة لوجبة غداء يعقبها مقيل يحيه فنان العرس والذي ينهي بتلك الجلسة مااتفق عليه مع العريس ويشكل ذلك المقيل خاتمة لأيام عرس الرجال .
 
 رياح التغيير
هذه الطقوس التي كانت سائدة الى وقت قريب أصبح بالامكان القول ان التغيير قد طالها في الصميم وغدت الطقوس المصاحبة هي الأساسية في أعراس الرجال اليوم التي تقلصت الى يوم واحد كما تقلصت معها الطقوس الأخرى تبدا من مساء يوم العرس الأساسي الى مغرب اليوم التالي فلم يعد قائما المقيل الذي يسبق ليلة المعشرة في اليوم الاول من العرس و اصبحت المعشرة هي السمرة الأساسية والوحيدة في العرس وفي اليوم التالي تقتصر الطقوس على نزهة العريس ووجبة الغداء الجماعي والمقيل  الذي يحتضن الزفة “والطرح ” وتغيب باقي الطقوس المسائية زفة الشارع وجبة العشاء السمرة حيث يجري احضار العروس صباحا اوعصرا ويكتفي العريس بحضور المقيل والمغادرة مع حلول المغرب الى منزله وبذلك تنتهي مراسم العرس
 
 انقلاب الصورة
اما بالنسبة لعرس النساء  فذهبت بعكس اتجاه التغيير الذي طال عرس الرجال بحيث اتجهت الى مزيد من التطويل والتقاليد المضافة حديثا والمستقاة من ثقافات اخرى وبفعل الانفتاح الاعلامي مع الاعلام  وزيادة الكلفة والعبء المادي فبعد ان كان عبارة عن لقاءات نسوية خاصة تستمر اسبوعا وحفلة عامة تبدأ عادة مع ثاني ايام العرس ودخولها على زوجها لتستمر بعد ذلك ثلاثة ايام تمددت الى عشرة ايام منها اربعة ايام اصبحت اشبه بحفلات كبيرة تتوقف قبيل يوم العرس الاساسي بيوم واحد يجلب اليها فنانة بعد ان كانت منشدة هي من تتولى تسيير الاجتماعات النسوية قبيل يوم العرس ومن ثم تعود الحفلات ليومين متتالين قبل ان تختتم بحفلة كبيرة تمتد حتى المساء في رابع ايام العرس وتعرف بالثالث وفيه ترتدي العروس ثوب عرسها مجددا .
 
   ظروف داخلية محيطة
وحول اسباب التغير الجوهري الذي طرأ على تقاليد الاعراس في محافظة المحويت يعزو الحاج احمد النزيلي ذلك الى اسباب اقتصادية واخرى مرتبطة بالظروف السياسة والامنية في البلد ويقول تغير مواعيد احضار العروس الى منزل زوجها من الليل والذي ظل سائدا لعقود وكان يصعب تغييره او تقديمه جاء اثر ازمة انطفاء الكهرباء الطويلة خلال ازمة العام 2011 م  والظروف الامنية التي رافقتها في ذلك الحين فتحول الناس الى النهار لمزيد من الامان وعدم فشل العرس ومن ثم راجت التغير للاهالي ولاقت القبول لدى الناس , وجرى استبدال زفة الشارع المسائية بزفة في داخل المقيل عصر يوم العرس والاكتفاء بها عن سمرة العرس في اليوم التالي.
ويضيف: مثل ذلك وجبة العشاء وسمرة يوم العرس نجد ان الظروف الاقتصادية اجبرت الناس على العرس دون وجبة عشاء ودون عزيمة غداء في اليوم التالي توفيرا للمصاريف وخفض الانفاق في الاعراس .
 
  تغير مجتمعي
ويؤيده في الرأي علي الفقيه والذي جلب عروس احد ابنائه قبل ايام في الصباح رغم كون بيت العروس لايبعد عن منزله سوى اقل من 200 متر ويرجع ذلك الى ان الناس لم يعودوا يحبذون الاعراس المطولة وباتوا مع فكرة العرس السريع الذي ينتهي بمقيل ولايتطلب المكوث الى الليل كما ان انقطاعات التيار الكهربائي تظل احدى الهواجس المقلقة .
ويقول : اصبح الناس مستعجلين يحضرون مناسبات بعضهم وكأنه امر اجباري ينتظر الوقت لانتهائه والعودة الى منزله ومشاغله تلك المشاغل التي لم تكن موجودة في الماضي وكانت مناسبات الناس فرصة ليعبر كل منهم للاخر عن مدى اهتمامه وسعيه ليكون عرس صديقه أو أخيه مميزا وطويلا الى اكثر مدى .
وبتنهدةه يضيف: للأسف تلك الروحية لم تعد موجودة ربما بسبب صعوبة الظروف المحيطة بالناس وتعقد الحياة كما ان شباب اليوم بات يفضل المناسبات السريعة وهذا الأمر يسري في الأعراس وبخلاف الطباع التي كانت سائدة لدى القدماء.
 
  تغير عالمي
ويخالفهما الى حد ما  الشاب عبدالملك شرف الدين  صأحب محل صوتيات الذي يعزو التغيير الى تغير تفكير الجيل الجديد عن الأجيال السابقة والتي لم تحظ  من التطور التكنولوجي والتواصل مع الآخر بقدر ماحصل عليه جيل اليوم في عصر الايقاع السريع لكل شيء حتى للاحداث السياسية   وقال : ان واقع الحياة وايقاعها تغيربشكل جذري عما كان عليه الحال قبل عقد فمثلا اصبح العرسان من الشباب يفضل العرس المقتضب لتوفير النفقات وليتسنى له الوقت للذهاب في رحلة شهر العسل والتي اصبح يوليها الشباب اليوم اهمية كبرى بعد ان كانت الى سنوات مضت تعد تقليدا غير متبع وبمجرد ان ينتهي العرس ويمكث العريس في منزله اسبوعا يعود الى عمله بشكل عادي واصبح شهر العسل من الاساسيات التي توضع لها الخطط وتوفر لها الاموال واعتقد ان طغيان وسائل الاعلام والتكنولوجيا لها تأثير في تغيير القناعات وتبديل الرؤى .
ومن ذلك يضيف : مثالاٍ بسيطاٍ فإن الفنان التقليدي صاحب العود لم يعد له متسع كبير في الاعراس مؤخرا ليس في محافظة المحويت وانما في مناطق عدة واصبحت تجلب الفرق وتتنوع الآلات الموسيقية وتدخل اجهزة التحكم وتحسين الصوت بشكل اساسي الى حفلات الاعراس رجالا ونساء وهذه لوحدها كانت الى وقت قريب في محافظة المحويت من الترفيات المستهجنة اليوم اصبحت أموراٍ اساسية ولايتم العرس إلا بها نحن امام تغير جذري قديطيح بكل شيء فيما يتصل بعادات صمدت عقودا لكنها اليوم تترنح تحت رغبات الشباب الذي بات بإمكانه الاطلاع على ثقافات العالم ويرغب في مسايرة كل جديد واضافته الى مناسبته الغالية.
 
النساء اكثر كلفة
وفيما يخص التغيير الذي طال اعراس النساء وتقاليدهن اعتبر عبدالملك أن الأخيرة ايضا تنطبق عليها ماحصل لأعراس الرجال من التغيير وإن كان بشكل مختلف فأصبحت اعراس الفتاة مكلفة للأهل اكثر من الذكر بعد ان كانت الى وقت قريب لايعمل لها حساب كبير ويكتفى بإحضار ” منشدة” وعزيمة عشرين نفر يقال لهم سيارة مع الحريوه وينتهي عرس البنت بالنسبة لاهلها اليوم صارت القاعات مطلوبة تحجز لثلاثة او اربعة ايام وصار لابد من توفير ماتعرف بالملبسة والمنقشة وفرقة فنية وأجهزة صوت متطورة وكوشة ,وو….. ناهيك عن الأشياء الأخرى المتصلة بجهاز العروس وكل هذه الإضافات الجديدة مكلفة الى حد كبير وبعد ما كان عرس البنت يوماٍ صار اليوم يمتد لخمسة ايام .
 
اتجاه مغاير
من جانبه الشيخ طاهر حمامة يفسر مايحصل في التغير في العديد من المناسبابت الاجتماعية بفعل التأثر بالخارج ومحاولة التقليد ولكن بمايحمل كاهل الناس المزيد من الأعباء ويصعب من الزواج كعقد اجتماعي حث عليه الإسلام وبسطه الى درجة أن جعل المهر خاتم حديد أو آيات من القرآن الكريم لمزيد من التحفيز عليه .
وقال: اعراس اليوم في مجملها كانت اعراس النساء او الشباب أصبحت مكلفة وتمثل لوحدها عقبة في طريق اتمام الزواج وهناك خلافات وقعت بين اهل العريس او العروس بسبب تفصيل دخل حديثا لم  يتوافق مع ذوق هذا الطرف او ذاك.
ويرى الشيخ طاهر حمامة أن التغييرات تذهب نحو مزيد من التعقيد والتكليف فيما حياة الناس تزداد صعوبة فأصبح عرس البنت مكلفا عشرات المرات عما كان عليه الحال قبل نحو عشر سنوات او عشرين سنة وهذه الأشياء التي هي دخيلة .. كما قلت ومحاولة تقليد لا أكثر ولا اقل باتت تمثل عقبة ولايمكن تجاوزها من في عرس معين حتى لايقال كذا او يقول اولئك إن فلانا لم يقم بعرس ابنته او ابنه كما فعل بيت فلان او علان فصرنا نشهد حفلات لايام متعددة وباذخة ومكلفة خاصة في اعراس النساء.
ويختم حديثه بالقول : الشرع الإسلامي يحث على الزواج ويدعم بساطته وماجعل العرس في الشارع إلا للاشهار وتكفي وليمة يعزم إليها الاهل والجيران والأصدقاء للإشهار ومانشهد اليوم يذهب في اتجاه معاكس لما أراده الإسلام من بساطة الكلفة والحمل على اهل الشاب أو أهل البنت .

قد يعجبك ايضا