هل الفرصة متاحة لإعادة بناء المؤسسة الأمنية وإزالة سلبياتها..¿!


الجهاز الأمني.. صمام أمان الوضع الداخلي لأي وطن, وبدونه تنهار الروابط الاجتماعية والاقتصاد القومي للدولة والفرد وتنتشر العصابات المسلحة وتمتد يدي المجرمون إلى انتهاك حرمات الآخرين وقتل النفس المحرمة ونهب ممتلكات المواطنين.
وتحرص الدول المتقدمة على بناء المؤسسة الأمنية بطرق ووسائل مدروسة وعلمية تضمن وجود أمن قوي يبسط هيبة الدولة وتطبيق النظام والقانون ومنع انهيار الأمن الداخلي للوطن.
اليمن ومنذ ستينيات القرن الماضي سعت جاهدة في بناء مؤسسة أمنية كسائر البلدان ووضعت لتلك المؤسسة الأمنية ومنتسبيها نصوصاٍ قانونية, تضمن حيادية الولاء والانتماء وكذا العمل في خدمة الوطن وتحقيق الأمن والاستقرار, لكن ما يحدث اليوم يكاد ينفي أن يكون هناك جهاز أمني.
ما هي الأسباب التي ساهمت في إضعاف وفككت المؤسسة الأمنية¿ وما الحلول الناجعة في الوقت الحالي لإعادة بنائها بشكل صحيح وبعيداٍ عن أخطأ الماضي¿ وهل الفرصة متاحة حالياٍ¿!.. هذه الأسئلة طرحتها “الثورة” على خبراء أمنيين وسياسيين وخرجت بالحصيلة التالية:

تعدد الأجهزة الأمنية مثل الأمن السياسي والأمن القومي والاستخبارات والأمن المركزي والأمن العام وشرطة النجدة وعدم ارتباط تلك الأجهزة بقيادة واحدة فكل جهاز كان ومازال تحت قيادة منفصلة عن قيادة الأجهزة الأمنية الأخرى مما أفرز تعدد في القرارات وتناقض في المعلومات, وذلك ساهم بشكل كبير في إضعاف المؤسسة الأمنية.. هكذا تحدث لنا في البداية وكيل محافظة صنعاء أمين الدائرة الجماهيرية والاجتماعية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الأستاذ حميد عاصم..
وأرجع عاصم ضعف الجهاز الأمني إلى ضعف الولاء الوطني عند قيادات الأجهزة الأمنية الرئيسية صاحبة القرار في التعيين بحسب الخبرة والكفاءة والوطنية بالإضافة إلى استمرار بعض قيادات الأجهزة الأمنية في رئاسة تلك الأجهزة لسنوات دون حدوث أي تدوير أو تغيير مما أدى إلى عدم تجدد القيادات بل وإلى النفور من العمل في تلك الأجهزة, بحد قوله.
وقال وكيل محافظة صنعاء: “تعرض كثير من كوادر الأجهزة الأمنية للاغتيالات أدى إلى شبه تصفية لكوادر ذلك الجهاز الأمني خاصة وأنه لم يتم إلقاء القبض أو محاكمة أي شخص ممن قاموا بالاغتيالات مما ولد الإحباط لدى ضباط وكوادر ذلك الجهاز, وحين يحبط الفرد أو الجماعة لا تتوقع ولا تنتظر من المحبط أي جديد”.. منوهاٍ بأن استغلال الجانب السياسي في تنصيب كوادر أمنية لبعض الأحزاب أدى إلى ضعف الولاء الوطني وتغليب مصلحة الحزب على مصلحة الوطن.
عدم قيام الأجهزة الأمنية بدورها في حماية البلد تسبب بضياع هيبتها لدى أبناء المجتمع وعدم التعاون معها كونهم فقدوا الثقة في هذا الجهاز وأفراده, كما يقول حميد عاصم, بالإضافة إلى عدم تطبيق القانون والمفاضلة للمقدمين على كليات الشرطة كون التنسيب إلى كليات الشرطة لم يكن بناء على القدرات والمؤهلات وإنما كان بناء على المحسوبيات والانتماءات السياسية مما احرم المؤسسة الأمنية من الكفاءات وكذلك الترقيات والتعيينات, بحد قوله, لم تكن وفقا للقانون وإنما وفقا للأمزجة وهو ما أدى إلى إحباط الكثير من منتسبي المؤسسة الأمنية..
وأضاف عاصم ” عدم المساواة بين منتسبي الأجهزة الأمنية في المرتبات والمستحقات واختلافها من جهاز الى آخر, رغم تساوي المهام وكذا التقصير الكبير تجاه أسر شهداء الأجهزة الأمنية أدى ويؤدي إلى تقاعس أداء المنتسبين لهذه الأجهزة”.
وعن الحلول الناجحة لإعادة بناء المؤسسة الأمنية بحيث تكون قوية ولاؤها لله وللوطن فقد فندها وكيل محافظة صنعاء كالتالي:
ـ اختيار وزير للداخلية من الكفاءات الوطنية المقتدرة والقوية والذي ولاؤه لله وللوطن قبل أي ولاء آخر.
ـ إعادة هيكلة اختصاصات الأجهزة الأمنية المتعددة وإيجاد آلية تنسيق في ما بينها بما يخدم مصلحة الوطن وتوحيد ا?داء.
ـ وضع شروط ومعايير واضحة لمن يعمل في الأجهزة الأمنية وتطبيق القانون الذي يحرم التحزب لأبناء القوات المسلحة والأمن.
ـ المساواة في المرتبات والمستحقات بين منتسبي الأجهزة الأمنية والاهتمام بأبناء الأمن صحياٍ ومادياٍ ومعنوياٍ.
ـ إقامة دورات تدريبية وتأهيلية للقيادات الأمنية بما يؤدي إلى تطوير مهاراتهم وقدراتهم واختيار المدربين الأكفاء.
ـ أن يتم اختيار المتقدمين للكليات وفقاٍ لمعايير الكفاءة وليس وفقا للمحسوبيات وأن تكثف المواد التثقيفية المتعلقة بالوطن وحبه.
ـ استدعاء الكفاءات الأمنية التي تم إقصاؤها في الماضي من دون أسباب مهنية وإنما لأسباب سياسية أو شخصية واستغلال تلك الكفاءات في إعادة بناء الجهاز الأمني.
ـ منح الصلاحيات للأجهزة الأمنية في المحافظات لكي تقوم بدورها في حفظ الأمن والاستقرار وإعادة الهيبة للجهاز الأمني وكذا إعادة الثقة التي فقدت في السنوات الأخيرة .
ـ الاهتمام بأسر شهداء الجهاز الأمني وإعطاء الأسر حقوقها حتى يطمئن المنتسبون للمؤسسة الأمنية على مستقبل أبنائهم.
وقال حميد عاصم أنه رفع رسالة إلى القيادة السياسية ممثلة, برئيس الجمهورية” أؤكد للأخ رئيس الجمهورية بأن نجاحه في الجانب الأمني سيؤدي إلى النجاح في كافة الجوانب الأخرى ?ن الأمن والاستقرار هو أساس الحياة كما أن الوقت المتاح للبناء ليس طويلاٍ, كما لا بد أن يضع الأخ رئيس الجمهورية الكفاءات والقدرات الأمنية محل اهتمامه وأن يغلب مصلحة الوطن على كل المصالح ويختار الاكفأ”.
وناشد عاصم القيادات السياسية بالابتعاد عن المماحكات التي تهدم ولا تبني وتفرق ولا تجمع وأن يكونوا عوناٍ لرئيس الجمهورية.. مشدداٍ على ضرورة الإسراع في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة وخاصة ما يتعلق بالجانب الأمني.
الخبير والباحث في الشؤون الأمنية الدكتور أمين الحذيفي أرجع أسباب انهيار الجهاز الأمني وضعف أدائه إلى انهيار منظومة الدولة بشكل عام وفي كل أجزائها ومكوناتها كون الجهاز الأمني, بحد قوله, جزءاٍ لا يتجزأ من بقية أجهزة الدولة ويتأثر من الأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو غيرها.
المكايدات السياسية, وتصارع مكونات المجتمع, ومد يد الحكومة أو قيادات هذا الجهاز إلى الخارج كان مساهماٍ في ضعف الدولة, بمن فيها الجهاز الأمني, بالإضافة إلى المستوى المالي الضئيل لدى أفراد الأمن وغياب الضمانات, مما جعل أفراد الأمن, بحسب الدكتور الحذيفي, عرضة للاعتداء والقتل من قبل عناصر إرهابية وجماعات منتقمة.. لافتاٍ إلى أن عدم ضبط ومعاقبة كل من تورط بقتل فرد من منتسبي الأمن أو الجيش تسبب في انهيار منتسبي الداخلية والدفاع معنوياٍ.
وشدد الدكتور أمين الحذيفي على ضرورة أن تقوم كل المكونات السياسية ببناء الدولة المدنية الحديثة والتعايش مع بعضها من أجل النهوض بالوطن وكذا رفع معنويات أفراد الأمن والجيش وإعطائهم صلاحيات وإمكانيات بدلاٍ من أن الصلاحيات التي يفترض أن تكون بيد رجال الأمن , هي الآن, كما يقول الحذيفي, بيد المليشيات.
المساعد/ يحيى أحمد رسام, أحد منتسبي قوات الأمن الخاصة “الأمن المركزي سابقاٍ” يؤكد أن تسلل الحزبية والسياسية إلى أوساط المعسكرات والكتائب الأمنية وعدم تفعيل قانون العقوبات لكل من ثبت تورطه في ممارسة الحزبية أو السياسة أو الطائفية داخل المؤسسة من أبرز الأسباب التي أدت بتفكك وزارة الداخلية وانقسامها وإضعافها.. معتبراٍ تطبيق النظام والقانون على أفراد الأمن وعدم التهاون والتخاذل معهم في حال حدوث أي تجاوزات أو مخالفات الضامن الوحيد لبقاء المؤسسة الأمنية مترابطة ومتماسكة ولاؤها لله وللوطن وجاهزة للحفاظ على الأمن الداخلي للدولة.
وطالب المساعد رسام بضرورة رفع العائد المالي لأفراد الأمن وإعطائهم كافة الإمكانات الآليات الأمنية الحديثة الموازية لأدوات ارتكاب الجريمة التي فاقت وتعدت بكثير إمكانات الأمن الفنية.. مشيراٍ إلى أن الفرصة متاحة في الوقت الراهن أمام القيادة السياسية لإعادة بناء وتأهيل وإصلاح الجهاز الأمني بشكل عام لا سيما وأن وزارة الداخلية أصبحت من الحقائق الوزارية السيادية.

قد يعجبك ايضا