مدينة ذمار التاريخية.. قيمة معمارية فريدة يحيطها الإهمال

تحدثناٍ في سياحة وتراث الأسبوع الماضي عن معالم ومواقع تاريخية في محافظة عريقة ذات تاريخ موغل في القدم لكنها تعاني تجاهلاٍ من وسائل الإعلام وهي محافظة شبوة, واليوم نتحدث عن محافظة لا تقل عنها سابقتها ثراءٍ وحضارةٍ إنها محافظة ذمار التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 100 كم جنوباٍ والتي تحتضن العديد من المواقع والمعالم التاريخية أبرزها مدينة ذمار القديمة والمدرسة الشمسية وغيرها من المعالم التي تشكل في مجملها قيمة حضارية لهذه المحافظة ولمزيد من المعلومات حول المعالم التاريخية وحالتها التقينا الأخ صفوان علي الضبعي مدير عام الحفاظ على المدن التاريخية بمحافظة ذمار.

بداية هل بالإمكان أن تحدثنا عن أبرز ما تحتويه محافظة ذمار من مواقع ومعالم تاريخية¿
تحوي محافظة ذمار الكثير من المعالم التاريخية وبعض المواقع التي تأتي أهمها على الاطلاق مدينة ذمار التاريخية تلك المدينة التي لا تقل أهمية ومكانة تاريخية وعمرانية عن أقرب المدن التاريخية التي تمثل تراثاٍ إنسانياٍ عالمياٍ وهي مدينة صنعاء القديمة تمتاز بمعمار مميز يجمع اللبن والياجور وتستخدم مادتي الجبس والقضاض وتحوي هذه المدنية من (80 – 90) منزلاٍ تاريخياٍ بعضها بحالة إنشائية متدهورة وتحتاج إلى تدخل سريع وعاجل والبعض الآخر لا يزال صامداٍ رغم مضي السنين وعوامل التغيرات المناخية المتقلبة وتتكون هذه المدينة من ثلاثة أحياء “الحوطة – الجراجيش – المحل” وكانت مركزاٍ هاماٍ من مراكز العلم والثقافة العربية والإسلامية وأقيمت فيها مساجد تعود فترة بنائها إلى عهد الخليفة أبوبكر الصديق, وفي الناحية الشرقية من المدينة تقع مدينة المواهب عاصمة الإمام محمد بن أحمد بن الحسن ابن القاسم, كما يوجد في مدينة ذمار جامعها الكبير ذلك المعلم التاريخي القديم والذي يعد أبرز المعالم التاريخية في المدينة بعد المدرسة الشمسية التي تعد تحفة معمارية تزينها النقوش والزخارف البديعة.
وتمتاز مدينة ذمار التاريخية بأن المساحات والبساتين وكذا المقاشم مساحاتها أكبر بكثير من المساحة المبنية حيث يبلغ عدد مقاشمها 10 مقاشم, كما تحوي ذمار على واحد من أهم وأبرز الأسواق وسمي السوق القديم للمدينة ويمتاز هذا السوق بأنه عبارة عن أسواق صغيرة كل منها مخصص لتقديم شيء معين كما هو موجود في سوق الملح بصنعاء القديمة إلا أن سوق الملح أكبر من السوق القديم في مدينة ذمار.
كذلك لدينا في محافظة ذمار مدينة معبر الطينية التي بنيت معظم مبانيها بالطين الخالص.
ولا ننسى الإشارة إلى المدرسة الشمسية حيث تعد من أبرز المآثر الإسلامية وتقع هذه المدرسة في حي الجراجيش وقد بناها الإمام المتوكل يحيى شرف الدين بن المهدي أحمد وبنيت سنة 950 للهجرة, أما المطاهير والمنارة فقد بناهما أحد العثماني (محمد علي باشا) سنة (1155)للهجرة وقد ذكر القاضي الأكوع في كتابة (المدارس الإسلامية في اليمن) أن هذه المدرسة كانت تملك مكتبة نفيسة موقوفة.
وكانت المدرسة مقصداٍ لطلاب العلم من مختلف المناطق اليمنية وفيها ملحقاٍ عبارة عن سكن لطلاب العلم من خارج ذمار وتعد المدرسة آية من آيات المعمار اليمني الجميل بنقوشه وزخارفه البديعة وكذا القباب عند المدخل , وعلى سطح المدرسة ناهيك عن الزخارف البديعة في المحراب ويوجد في داخل المدرسة (الجامع) أربعة وعشرون عموداٍ يقوم عليها السطح.
صيانة وترميم
ما هو حال المدينة ومبانيها التاريخية¿
– كما ذكرنا سلفاٍ أن العديد من المنازل بحاجة إلى ترميم وصيانة كونها ومنذ سنوات طويلة لم يتم صيانتها وكما هو معلوم لدى عامة الناس أن البناء الطيني أو الياجور بحاجة إلى صيانة دورية وهذا ما غاب خلال السنوات الماضية الأمر الذي أدى إلى تدهور الحالة الإنشائية لعدد كبير من المنازل وبالتالي باتت بحاجة إلى ترميم بعضها ترميماٍ سريعاٍ وعاجلاٍ.

مقاشم على حالها
ذكرتم أن مدينة ذمار تمتار بأن مقاشمها أو مساحاتها البيضاء أكثر من المساحة المبنية, هل مازالت تلك المقاشم على حالها ولم يتم الاعتداء عليها واجتزاء بعض من مساحتها كما حدث لبعض المقاشم بصنعاء القديمة¿
في الواقع سؤال جميل وهي مناسبة نؤكد خلالها أن مقاشم مدينة ذمار التاريخية على حالها لم يتم أخذ أو اجتزاء بعض منها وذلك لأن مشروعاٍ استهدف هذه المقاشم بدعم الصندوق الاجتماعي للتنمية وتم خلاله تسوير كافة المقاشم وهو ما أدى إلى الحفاظ عليها وصونها وإذا لم تكن سورت فمن المتوقع جداٍ أن تلاقي نفس المصير الذي واجهته مقاشم صنعاء القديمة.
مخالفات وتشويهات معمارية
*وماذا عن المخالفات المعمارية والتشويهات في مدينة ذمار التاريخية¿
توجد مخالفات وتشوهات معمارية وقد حاولنا التقليل منها إلا أن عدم تعاون الجهات المعنية بالضبط جعل جهودنا الحفاظية ضعيفة, ولعل أكثر المخالفات المعمارية قد ارتكبت بحق هذه المدينة قبل إنشاء فرع هيئة الحفاظ بذمار في العام 2009م إلا أن المخالفات لازالت مستمرة.
أنشئ فرع هيئة الحفاظ في العام 2009م ما هي أبرز الأعمال الحفاظية التي قام بها الفرع منذ انشائه¿
طموحنا كبير وكنا نتطلع لتقديم مشاريع حفاظية عديدة في المواقع والمعالم التاريخية بذمار إلا أن شحة الامكانيات كانت دوماٍ تقف ضدنا إلا أننا قمنا بترميم منارة الجامع الكبير بتمويل من مكتب أوقاف ذمار وكانت هذه المنارة معرضة للتهدم, وأيضا ترميم بعض المنازل في المدرسة الشمسية وأهمها منزل الشاعر الكبير عبدالله البردوني. كذلك لدينا دراسة لإعادة تأهيل وترميم السوق القديم في مدينة ذمار التاريخية والذي تهدمت العديد من محاله التجارية وبحاجة إلى ترميم لتعود إلى سابق عهدها.. وهناك دراسات أخرى لمشاريع حفاظية بحاجة فقط إلى توفير الدعم المادي لتنفيذها.

عدم تعاون المجلس المحلي
ما هي أبرز المعوقات والتحديات التي تواجه عملية الحفاظ على المواقع والمعالم التاريخية في محافظة ذمار¿
التحديات كثيرة والعوائق عديدة ومن الصعب حصرها ولكن يمكن ايجاز أبرزها وأهمها ولعل شحة الامكانيات المادية تمثل أم المصائب وكبيرة الكبائر وبدون الامكانيات المادية يصاب العمل أي عمل بالشلل التام, كذلك من العوائق عدم تعاون وتفاعل المجلس المحلي الذي لازالت نظرته للمعالم والمواقع التاريخية قاصرة, كذلك لايزال الفرع يفتقر إلى الكادر والتجهيز لكي يقوم بمهامه على أكمل وجه, وبالرغم من أن الفرع أنشئ في العام 2009م إلا أنه لا يزال ينحت في الصخر لإثبات وجوده وتوفير احتياجاته فما بالك باحتياجات ومتطلبات المواقع التاريخية وهي دعوة نوجهها عبر صحيفة (الثورة) إلى الحكومة بضرورة الاهتمام بالموروث التاريخي وعلى رأسها المدن والمعالم التاريخية والتي تتعرض للتدمير والعبث ولا من يحرك ساكناٍ, وهي دعوة أيضاٍ للمجلس المحلي بمحافظة ذمار إلى وضع النقاط على الحروف والنظر إلى المعالم والمواقع التاريخية باعتبارها قيمة وثروة لا تقدر بثمن تعبر عن أصالة وهوية وطن وتراث أمة وضرورة المساعدة والتعاون من أجل الحفاظ على هذه المواقع وحمايتها.

قد يعجبك ايضا