تنمية الموادر الضريبية والجمركية اولا


تنتظر حكومة الكفاءات ملفات شائكة ولعل أبرزها هو الملف الاقتصادي الذي يهم الغالبية العظمى من المواطنين دون سواه ..فتحسين مستوى المعيشة وخلق فرص العمل مؤشرات يحكم من خلالها الناس على نجاح أو فشل الحكومة فهم غير معنيين بأمور السياسة كثيرا إذا لم تكن سياسة تخدمهم وتحقق لهم المنفعة المرجوة من الحكومة .
لكن في الجانب الآخر هو حتمية الالتزامات الحكومية المالية لتسيير أمور الحياة اليومية للمواطن من خدمات ومرتبات في ظل الاستهداف الممنهج لأنابيب النفط وأبراج الكهرباء ومالها من انعكاسات سلبية على الموارد العامة للدولة ,يقابل ذلك عجز واضح في تحصيل الموارد الأخرى غير النفطية.

تشكل تنمية الإيرادات الذاتية غير النفطية وتطوير النظام الضريبي والجمركي بما يكفل العدالة وكفاءة التحصيل ويمنع التهرب الضريبي والتهريب الجمركي أحد الأهداف الرئيسية للإصلاحات الاقتصادية في اليمن كون ذلك سوف يساهم في تحقيق استدامة الموازنة العامة للدولة ويضمن هذه الاستدامة. ولذلك شكلت الإصلاحات الضريبة (الضرائب والجمارك) المحور الأساسي لتحقيق هذا الهدف منذ انطلاق الإصلاحات في مارس 1995 وحتى الآن. وخلال الفترة 1995 – 2010 م نفذت الحكومات اليمنية مجموعة واسعة من الإصلاحات الضريبية والجمركية بهدف زيادة وتوسيع الإيرادات ( الضرائب المباشرة وغير المباشرة) تركزت بصورة أساسية على الإطار التشريعي وتحسين وتطوير الإدارة الضريبية.
ومع ذلك فإنه بنهاية العام 2013م لم تتمكن هذه الإصلاحات من حشد ودعم الموارد المالية غير النفطية وفي مقدمتها الإيرادات الضريبية (المباشرة وغير المباشرة) خاصة في ظل تواضع نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي بلغت حوالي6.3% كمتوسط سنوي للفترة 2001-2013م وهي نسب تقل كثيرا عن النسب المحققة في الدول النامية والأقل نموا والتي تتراوح بين 15% و21% من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن إرجاع ذلك إلى كبر حجم التهرب الضريبي أخذاٍ في الاعتبار أن الإيرادات الضريبية تتسم عادة بالاستمرارية والاستقرار النسبي وفي الوقت نفسه تعتبر أداة من أدوات السياسة المالية التي يمكن للدولة استخدامها لتحقيق أهداف مالية واقتصادية كما تتسم الموارد الضريبية بمحدوديتها الإيرادية حيث شكلت حوالي 22.7% من إجمالي عام الإيرادات في المتوسط للفترة 2006-2013م. وغطت حوالي 22.4% من إجمالي النفقات الجارية فقط في حين يفترض أن تغطي كل النفقات الجارية ,وفي ظل التراجع الكبير لمورد النفط الخام فإن الحاجة تبدو أكثر إلحاحاٍ للاعتماد على الموارد الضريبية التي تتسم بدرجة استدامة يمكن الركون عليها فضلاٍ عن أنها أداة مهمة لتحقيق حزمة من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والمالية والبيئية في آن واحد..
ومع ذلك لم تتمكن السياسة المالية خلال العقد الماضي من حشد ودعم الموارد المالية غير النفطية ممثلة بصورة أساسية في الإيرادات الضريبية (المباشرة وغير المباشرة) والتي بدأت أهميتها النسبية في إجمالي الإيرادات العامة في التراجع من (29.6%) عام 2004 إلى (25.6%) وحوالي (18.4%) فقط في العامين التاليين (2005م-2006م). وعلى الرغم من ارتفاع هذه النسبة إلى 22.1% عام 2007م إلا أنها تراجعت مرة أخرى إلى 18.3% عام 2008م. وبصورة عامة شكلت الإيرادات الضريبية حوالي 23.9% من إجمالي الإيرادات العامة كمتوسط سنوي للفترة 2000-2012م وأقل من سبعة بالمائة (6.8%) من الناتج المحلي الإجمالي كمتوسط سنوي خلال الفترة نفسها توزعت هذه النسبة بالتساوي بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة.
محدودية
تم تنفيذ الإصلاحات استجابة لمطالب المانحين لليمن وفي مقدمتهم مؤسستي البنك الدولي وصندوق البنك الدولي وفق تصورات خبراء هاتين المؤسستين ودون مرعاه للبيئة الداخلية لمصلحتي الضرائب والجمارك والبيئة الخارجية التي تعملان فيها. فعلى سبيل المثال خلال عملية إعادة البناء والهيكلة لمصلحة الضرائب تم في شهر مايو 2006م تشكيل لجنة الهيكل التنظيمي لمصلحة الضرائب تولت مهمة الموائمة بين الهيكل المعد من قبل شركة (برايس ووتر هاوس) والهيكل الموصى به من قبل بعثة صندوق النقد الدولي كما أن الإصلاحات قد تركزت بصورة أساسية على تطوير وتحديث وتعديل التشريعات القانونية بصورة أساسية دون أن يوكب ذاك إصلاحات موازية قوية وحقيقة للإدارة الضريبية والجمركية وكذا عدم توفر الإرادة السياسية لصناع ومتخذي القرار وخاصة المستويات القيادية العليا والحكومة لتنفيذ إصلاحات حقيقية وجذرية للنظام الضريبي ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الضريبية خاصة في ظل سيطرة القوى السياسية والوجاهات الاجتماعية على القرار الاقتصادي أو على الأقل ارتباط المصالح بين رجال الأعمال والقوى السياسية وأحيانا ممارسة القوى السياسية للأعمال والأنشطة التجارية بصورة مباشرة وغير مباشرة وكذلك تدخل القوى السياسية والوجاهات الاجتماعية في شؤون وأعمال الجهاز الإداري للضريبة.
التهريب
ومن أسباب ضياع الموارد اتساع نطاق التهرب والتهريب الضريبي في الاقتصاد اليمني بحيث تصل نسبة السلع المهربة في السوق اليمنية إلى 70% مما يدخل البلاد من سلع وتصل نسبة التهرب الضريبي إلى 50% من الضرائب المطلوب تحصيلها وفقاٍ لما ورد في تقرير اللجنة البرلمانية التي كلفت في عام 2001م بدراسة أسباب وحجم التهريب في البلاد حيث قدرت هذه اللجنة حجم الرسوم الجمركية المفقودة نتيجة التهريب بنحو 382مليار ريال خلال الفترة 1999-2002م بحسب الدراسة التي أعدتها مصلحة الجمارك اليمنية. وهذا يعني أن الخزينة العامة تخسر ما بين 89 – 100 مليار ريال كمتوسط سنوي نتيجة التهريب في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ما سبق تواجه الإصلاحات الضريبية وخاصة مصلحتي الضرائب والجمارك العديد من الإشكاليات باعتبارهما جزءاٍ من الجهاز الإداري والتنظيمي للدولة ولذلك تعانيان من اختلالات وأوجه القصور مثلها مثل بقية الجهات الحكومية الأخرى بل أن الوضع فيها قد يكون اشد لاعتبارات عديدة ترتبط بطبيعة عملها واتساع علاقاتها من بينها أنهما جهتان ايراديتان والضغوط والتدخلات الكثيرة في أنشطتها وإعمالها من قبل بعض الجهات الأخرى لأسباب.. وعوامل عديدة فنية وإدارية ومالية وتنظيمية.. وغيرها. وكذلك تنوع وتعدد الأهداف الاستراتيجية للسياسة الضريبية والجمركية بالإضافة إلى طول الحدود البرية والبحرية لليمن الأمر الذي يستلزم وجود عدد كبير من المكاتب والدوائر الجمركية يواجه كلاٍ منها العديد من المشاكل والصعوبات تحتاج أدارتها إلى جهود كبيرة وتنظيم محكم وكوادر مؤهلة واستقلال مالي وأداري كبير, كما تواجه هذه المكاتب والدوائر أيضا الضغوط والتدخلات. كما تقوم مصلحة الجمارك بتحصيل العديد من الضرائب والرسوم الأخرى لحساب بعض الجهات والصناديق الحكومية وفي مقدمتها تحصيل ضريبة الاستهلاك (سابقاٍ) والضريبة العامة على المبيعات (حالياٍ) إلى جانب جزء من ضريبة الإرباح التجارية لحساب مصلحة الضرائب.
حصر
ولتحقيق الكفاءة الضريبية في اليمن لابد من استكمال البناء التشريعي من خلال إعداد وإصدار قانون الإجراءات الضريبية بحيث يتم حصر كافة الإجراءات الضريبية لمختلف أنواع الضرائب وتوحيدها في هذا القانون الأمر الذي سوف يساهم في تبسيط وتوضيح حقوق المكلفين والتزاماتهم وكذلك فهم الإجراءات بمختلف مراحلها (حصر إقرارات محاسبة ومراجعة ربط تقاضي وتحصيل) لمختلف أنواع الضرائب. وفي الوقت نفسه مساعدة العاملين والمكلفين على فهم الإجراءات وتطبيقها بسهولة ويسر من خلال تحقيق الفصل بين القواعد القانونية المتعلقة بفرض الضرائب وإبعادها عن القواعد المتعلقة بالإجراءات التنفيذية مما يؤدي إلى سهولة فهم كل منها من قبل المكلفين والعاملين في المجال الضريبي,علما بانه كان يتوقع إعداد وصدور هذا القانون وفق خطط مصلحة الضرائب خلال عامي 2008م-2009م أو على الأقل بعد صدور قانون ضريبة الدخل في عام 2010م وإصدار قانون التهرب الضريبي يتضمن عقوبات فعالة ورادعة لجرائم التهرب الجمركي والضريبي وكذلك مراجعة وتحديث التوصيات والأوامر التي اتخذتها الحكومة ومن بينها قرارا مجلس الوزراء رقم (113) بشأن التنفيذ الكامل لقانون الضريبة العامة على المبيعات وتعديلاته في 20 أبريل 2010م وتنفيذ كافة توصيات مجلس النواب للحكومة بشأن مشاريع الموازنة العامة للدولة وموازنات الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة والوحدات الاقتصادية وخاصة توصيات السنة المالية 2014م حيث أوصى المجلس الحكومة بإجراء إصلاحات جادة وفاعلة للإدارة الضريبية لمعالجة الإختلالات التي يعاني منها النظام الضريبي ووضع الآليات الكفيلة برفع كفاءة تحصيل الموارد الضريبية والجمركية وفقاٍ للطاقة الضريبية والجمركية المتاحة وذلك من خلال التطبيق الكامل للقوانين الضريبية والجمركية وفي مقدمتها قانون الضريبة العامة على المبيعات .والحد من ظاهرة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي وتفعيل إجراءات الرقابة على المنافذ الجمركية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء التحاسب الضريبي لمكلفي قطاع النفط والغاز وقطاع الاتصالات وفقاٍ لأحكام القوانين واللوائح النافذة وبما يكفل تحصيل الإيرادات الضريبية المستحقة للدولة في هذين القطاعين وأيضا إجراء التحاسب الضريبي لمقاولي الباطن العاملين تحت مظلة شركتي صافر وبترو مسيلة بما يكفل تحصيل كافة الضرائب المستحقة للدولة وكذلك تقديم مشروع قانون بإلغاء جميع الحسابات الجارية الخاصة القائمة وتوريد أرصدتها إلى حساب الحكومة العام على أن يراعى استيعاب الاحتياجات الضرورية لتلك الجهات في موازناتها السنوية مع الأخذ في الاعتبار اعتماد حوافز للعاملين في الإدارة الضريبية والمنافذ .

قد يعجبك ايضا