حـال الأمـة.. لا شيء يدعو إلى التفـاؤل!
لو كنت أمتلك قدرا ضئيلا من التفاؤل بأن ما ستؤول إليه الحروب المدمرة والاقتتال الدامي داخل بعض أقطار ثورات الربيع العربي كما آلت إليه الدول الخارجة من الحرب العالمية الثانية المدمرة من تحقيق نتائج باهرة في التطور والتقدم والتكامل وبناء الحكم الرشيد لكنت في موقع التبرير لمجريات وبواعث هذه الحرب المؤسفة في المنطقة العربية.
وتـزداد خـيبتي أكـثر عندما أجد أن الحرب الدائرة تكاد تنحصر بين معسكرين الأول يدافع عن نظام الاستبداد بينما يحمل الآخر معه لهدم هذا النظام مشاريع العودة إلى الجاهلية الأولى .. بمعنى آخر أن أيا منهما لا يمتلك مشروعا حضاريا للمواكبة والبناء وفقا لمعطيات العصر.
وهنا أجدني أكثر تدليلا على هذا المنحدر السحيق لحالة الثورة العربية الراهنة بالحالة الليبية الغارقة في أتون اقتتال عبثي.. والأمر بطبيعة الحال يستوجب التذكير بالحالة الهشة في جدار الاستقرار داخل أرض الكنانة وتونس الخضراء واليمن السعيد والمفتوحة على كل الاحتمالات.. وهو ما يؤكد -صدقيا- عبثية هـذه الحرب ويرسخ القناعـة بأن النتائج التي ستؤول إليها هذه الحالة إذا ما أرخت الحرب فصولها بعد أمد طويل فلن تكون – بالنتيجة – إضافـة مختلفة للواقع المرير الذي تعيشه الأمة راهنا .
وبالطبع لست أريد التقليل من النوايا الصادقة لدى بعض قوى التغيير الاجتماعي على الساحة العربية من جدية تجذير هذا التغيير لكنني اتساءل عن موقع هذه القوى التي تدير معارك الاحتراب دون تحديد بوصلة المستقبل في إطار هذا التغيير خاصة إذا ما كانت هي الأخرى هدفا استراتيجيا بمعاول قوى التخلف وضربات السلطات العسكرية الحاكمة¿!
وثمة ما يدعو إلى التشاؤم أكثر من انسداد أفق الاحتراب القائم في المنطقة وهو أن مرجعية الاحتكام والسيطرة على دائرة الصراع تجسدها منظومة دول الغرب سواء كان هذا الاحتكام في استهداف سياسة هذه المنظومة أو في اعتبارها الوسيط للقيام بدور الفصل في هذا النزاع .. ولعل مبعث هذا التشاؤم هو المعرفة الواعية بعدم جدية هذا الوسيط في مساعدة الأطراف المعنية التوصل إلى خاتمة سعيدة.. هذا إذا لم يكن هـذا الوسيط طرفا أساسيا في تغذية الصراعات الجارية تحت مسميات وحجج عديدة.
ومع كل الإعتبارات التي تدعو إلى التشاؤم في إمكانية خروج الأمة من هذا النفق المظلم إلى آفاق رحبة في المستقبل لا تزال ثمة فرصة ثمينة يمكن التقاطها تتمثل في نزع فتيل استشراء بواعث الأزمة الحقيقية وهي إقرار الأسرة الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة باعتبار أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأميركية لإبقاء الحال على ما هو عليه منذ عقود طويلة لن يضع حلا للتداعيات الأمنية الخطيرة التي تؤثر – دون شك – وعلى المدى البعيد على مصالح الحليف الغربي للكيان الإسرائيلي وإذ أشير إلى هذه الجزئية باعتبارها أبرز النقاط التي ستساهم في نزع فتيل هذه الأزمة الخطيرة فإنني أعلم في ذات الوقت استحالة رضوخ الغرب لهذا الخيار رغم بعض البوادر المشجعة في هذا الإطار.. وهو ما يدعوني أيضا إلى الإحساس بحالة التشاؤم التي تنتجها الحرب الدائرة في المنطقة والتي تفتقر إلى نقطة ضوء على المدى القريب والبعيد !